بدا الصوت آتيا من كهف عميق مبتل داخله، لا يؤثر في نبرته شفتاه، أو فكاه، أو لسانه. لم يكن بالإمكان رؤية أي من تلك الأعضاء تتحرك. ولم يحرك حتى رأسه.
اتجهت ستيلا إلى خلف الكرسي ووضعت ذراعيها حول عنقه. تحسسته في رقة شديدة.
قالت: «نعم، هذا ديفيد يا أبي ... تعرفت على خطوته!»
لم يجب أبوها. انحنى ديفيد للمس يدي الرجل الشيخ، اللتين لم تكونا باردتين، مثلما توقع، بل كانتا دافئتين وجافتين جدا. وضع زجاجة الويسكي فيهما.
قالت ستيلا في رقة: «احذر. لا يستطيع الإمساك بها.» ظل ديفيد واضعا يديه على الزجاجة بينما دفعت ستيلا أحد المقاعد، بحيث يستطيع أن يجلس قبالة أبيها.
قال ديفيد: «نفس الهدية القديمة.»
أصدر حموه صوتا يؤمن على كلامه.
قالت ستيلا: «سأذهب لأحضر بعض الأكواب ... هذا مخالف للقواعد أن تتناول الشراب في الخارج، لكنني أستطيع أن أجعلهم يتجاوزونها قليلا. سأخبرهم أن هذا احتفال.»
حتى يعتاد النظر إلى حميه، حاول ديفيد أن يفكر فيما حدث له كنوع من النمو لما بعد الإنسان، حدث جديد في الجنس البشري. لم يحافظ بقاؤه على قيد الحياة عليه بل غيره. بشرة رمادية مائلة إلى الزرقة، ذات بقع داكنة الزرقة، وعينان مبيضتان، رقبة تظهر فيها أخاديد عميقة رقيقة، مثل زهرية من الزجاج المدخن. كانت تأتي أصوات أخرى عبر هذه الرقبة، دعوة إلى الحديث. كانت جوهر كل مقطع يصدر، حرفا متحركا واهنا لا يكاد تتضح معالمه إلا من خلال الحروف الساكنة المحيطة به. «المرور، سيئ؟»
وصف ديفيد الأوضاع على الطريق السريع الرئيسي وعلى الطرق السريعة الفرعية. أخبر حماه أنه اشترى سيارة مؤخرا، سيارة يابانية. أخبره كيف أن سيارته لم تستطع، في البداية، أن تقترب في عدد الأميال التي تقطعها لكل جالون من عدد الأميال المعلن عنها. لكنه تقدم بشكوى، وأصر على موقفه، وأعاد السيارة إلى الشركة مرة أخرى. أجريت تعديلات كثيرة، وتحسن الحال الآن، وصار استهلاك الوقود مرضيا، وإن لم يكن يتطابق تماما مع ما وعد به.
Bilinmeyen sayfa