وأعلم أن من جملة مشايخ شيخنا المرحوم أبي المواهب صاحب هذه المشيخة: العلامة الهمام والنحرير الإمام شيخ الإسلام وبركة الأنام، علامة مصر والشام، مرجع الخاص والعام، المفسر المحدث الفقيه اللغوي الصرفي النحوي البياني، العروضي المعمر الشيخ خير الدين بن الشيخ أحمد بن الشيخ نور الدين علي بن زين الدين بن بن عبد الوهاب الأيوبي العليمي الفاروقي الرملي.
مولده رحمه الله تعالى بالرملة في أوائل شهر رمضان سنة ٩٩٣ تسع مئة وثلاث وتسعين، قرأ بها القرآن، ثم اشتغل بقراءة التجويد على القدوة المسلك الولي الصالح الشيخ موسى بن الشيخ حسن القبي الشافعي الرملي، وقرأ عليه أشياء من متن أبي شجاع في فقه الشافعي ولازمه في صغره، وانتفع به ولاحظته بركته، وكان يحبه كثيرًا حتى كان يميزه على أولاده، ثم ارتحل إلى مصر لطلب العلم صحبة أخيه الكبير الحاج عبد النبي سنة ١٠٠٧ ولما دخل الجامع الأزهر حل عليه نظر ولي الله الشيخ فايد، وكان مقيما دائما بباب الجامع، وكانت كبار العلماء تعتقده حتى إن الواحد منهم كان يقف بين يديه، فإن أشار إليه بالجلوس جلس وإلا وقف حتى يقول له: انصرف. وتأتي الوزر لتقبيل يديه والتبرك به فلا يلتفت إليهم، واتفق له مرة أنه نادى المترجم: تعال يا شيخ الإسلام وكرر وذلك، قال المترجم: فما عرفت لمن النداء، وإذا به يشير إلي فجئت إليه وقبلت يده فهش لي، وكان بعدها إذا جئت إليه استقبلني وأجلسني واستنشدني من كلام القوم حتى كنت إذا أردت القيام لا يمكنني إلا بعد الجهد وحصلت لي بركته. ثم تفقه المترجم للإمام الشافعي واشتغل به أيامًا فوقع بينه وبين أخيه في سبب ذلك فشاروا في ذلك بعض أكابر الجامع من العلماء فقال للشيخ المترجم: اكتب رقعة بواقعة الحال وتوجه لزيارة الإمام الشافعي ﵁ وألق الرقعة على قبره واجلس هناك، فكتب رقعة وتوجه بها فألقاها وجلس فأخذته سنة من النوم، فرأى الإمام الشافعي ﵁ قائلًا له: كلنا على هدى، فقيل له: هذه إجازة بأن توافق أخاك في القراءة على مذهب أبي حنيفة ﵁، فوافق أخاه وجد واجتهد ودأب في تحصيل العلوم ولازم العلامة الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد النحريري الحنفي، وقرأ عليه شرح الكنز للعيني، وغالب صدر الشريعة، والأشباه والنظائر، والاختيار شرح المختار وغير ذلك من كتب النحو والفرائض، ولازمه مدة إقامته بمصر، وكان يجله ويكرمه كثيرا، وممن أخذ عنه من أجلاء الحنفية الشيخ محمد بن محمد سراج الدين الحانوتي صاحب الفتاوى المشهورة، ومن مشايخه أيضا العلامة أحمد ابن أمين الدين بن عبد العال، وأخذ الأصول على العلامة محمد بن بنت محب، وعن العلامة الشيخ محمد بن بنت الشلبي، وعن العلم الجليل سالم السنهوري، والقرآن على مقرئ زمانه الشيخ عبد الرحمن اليمني نسبة إلى كفر اليمن من بلاد مصر من ناحية القليوبية، وأخذ النحو عن نادرة زمانه الشيخ أبي بكر الشنواني، وعن الشيخ سليمان بن عبد الدائم البابلي، ولم يزل في أخذ العلوم وملازمة الدروس والشايخ والمباحثة معهم حتى أفتى وهو بالجامع الأزهر، ثم توجه إلى بلاده بإجازات الأشياخ، وقدم بلده الرملة في ذي الحجة سنة ١٠١٣ واجتمع في رجوعه بعلماء غزة وغيرهم. ثم أخذ في الإقراء والتعليم والتدريس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واشتهر علمه وبعد صيته، وجاءت إليه الأسئلة من الآفاق كمصر والشام والروم والحجاز والعراق، بحيث استغرق في ذلك جميع أوقاته، وكان يأكل من غراس كرومه وما غرسه فيها بيده من أشجار الفواكه، غرس ألوفا من الأشجار المختلفة من الفواكه باشر غرسها بيده، وحصل أملاكا وعقارات غالبها من بنائه، ولم يتعرض من الأوقاف والجهات لشيء، وفي ذلك يقول: أرجوزة
بورك لي في المّر والمسحاة ... فما هو الملجئ للجهات
وهي إذا قام عليها صدقه ... وللذي فرط نار محرقة
1 / 23