Mashariq al-Shumus fi Sharh al-Durus

İbn Muhammed Huvansari d. 1099 AH
9

Mashariq al-Shumus fi Sharh al-Durus

مشارق الشموس في شرح الدروس

الاستدلال بهذه الآية موقوف على أن يكون ضمير لا يمسه راجعا إلى القرائن وهو مسلم لجواز رجوعه إلى كتاب مكنون كما جوزه بعض المفسرين بل هو أقرب لقربه ويكون المعنى أنه لا يطلع على الكتاب المكنون أي المستور المصون أما عن الناس أو عن التغيير والتبديل أو الغلط والباطل أو التضييع والمراد به اللوح المحفوظ كما قال المفسرون إلا الملائكة المطهرون من الكدورات الجسمانية أو أدناس المعاصي وقد يضعف هذا الاحتمال بوجوه أحدها إن قوله تعالى لا يمسه حينئذ يكون تأكيد لقوله تعالى مكنون والحمل على التأسيس أولى وبما ذكرنا من الاحتمالات في معنى المكنون يظهر لك الجواب عنه وثانيها أن اطلاع الملائكة على اللوح المحفوظ غير ثابت بل في بعض الأخبار وكلام بعض الأخيار ما يدل على خلافه وفيه أن عدم ثبوت اطلاعهم على اللوح المحفوظ لا يكفي في هذا المقام بل لا بد من ثبوت العدم وإلا لكان منعا على المنع وما وقع في بعض الأخبار على تقدير وقوعه يمكن أن يكون المراد منه عدم اطلاعهم بدون الاذن منه سبحانه وثالثها أن سياق الكلام لاظهار شرف القران وفضيلته لا اللوح وما فيه وفيه أن ثبوته في اللوح الذي لا يمسه إلا المطهرون شرف وفضيلة أيضا إلا ترى إلى قوله عز وجل في كتاب مكنون فإن كان كونه في كتاب مكنون شرفا وفضيلة لكان هذا أيضا شرفا وفضلا بالطريق الأولى وإن لم يكن ذلك شرفا فقد بطل مبني لاعتراض من أن سياق الكلام لاظهار شرف القرآن وفضله كما لا يخفى ورابعها أن قوله (عليه السلام) بعد هذه الآية متصلا بها تنزيل من رب العالمين صفة للقرآن بمعنى المفعول أو من قبيل الوصف بالمصدر من باب المبالغة إذ لما لم ينزل نجوما من بين الكتب السماوية سواه فكأنه هو التنزيل لا الكتاب لأنه المنزل دونه وقوله سبحانه كريم وفي كتاب مكنون أيضا صفة له فينبغي أن يكون لا يمسه أيضا صفة له وإلا لم يحسن التوسيط وفيه أنه إذا كان لا يمسه صفة لمكنون يكون من جملة متعاقبات الصفة الثانية ومتمماتها فكان مجموع هذا الكلام صفة واحدة فلم يكن توسيطا غير مستحسن مخلا بحسن الكلام وبلاغته إلا ترى إلى توسيط مكنون مع أنه صفة الكتاب ودفع هذا الاعتراض بمنع كون تنزيل من رب العالمين صفة لجواز كونه جملة برأسها معطوفا على جملة أنه لقرآن بحذف المبتدأ أو يكون خبرا لأنه وكذا القول في لا يمسه وفي كتاب ليس بشئ إذ على هذا التقدير أيضا يكون في كتاب وتنزيل من جملة أحكام القرآن وأحواله فلا يكون توسيط حال غيره مناسبا كما لا يخفى وخامسها أنه يلزم حينئذ ارتكاب المجاز في المس وهو ظاهر وكذا في المطهرون لأن الطهارة حقيقة شرعية في الوضوء وهو خلاف الأصل وفيه إنا لا نسلم أن الحمل على الحقيقة مطلقا أولى من الحمل على المجاز إلا ترى أن علماء البلاغة أطبقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأيضا ثبوت الحقايق الشرعية مسلم ومع تسليمه لا نسلم أن حقيقة الطهارة الوضوء بل يجوز أن يكون انتفاء الحدث أو الخبث ولا شك في تحقق هذا المعنى في الملائكة أيضا وأيضا ارتكاب المجاز في حمل الخبر على الانشاء كما ارتكبتم في الاستدلال ليس بأولى من ارتكاب هذا المجازين إلا أن يقال أنه مجاز واحد وهذا مجازان ثم على تقدير تسليم رجوع الضمير إلى القرآن نقول أن دلالتها على المطلب أيضا غير تمام إذ يجوز أن يكون اتصافه بأنه لا يمسه إلا المطهرون باعتبار أصله الذي في اللوح كما أن اتصافه في كتاب مكنون أيضا كذلك وأيضا يجوز أن يكون المراد والله أعلم أنه لا يعلم حقايقه ودقايق وأسراره إلا المطهرون من الذنوب وهم أصحاب العصمة (عليه السلام) وعن جنيد المطهرون أسرارهم عما سوى الله تعالى وفي بعض التفاسير عن محمد بن الفضل المراد لا يقرء القرآن إلا موحد وعن حسين بن الفضل لا يعلم تفسيره وتأويله إلا المطهرون من الكفر والنفاق وأما حديث لزوم مجازية المس والطهارة حينئذ فقد عرفت جوابه على أنه على تقدير تسليم حمل المس على حقيقته وثبوت الحقايق الشرعية وحمل الطهارة على حقيقتها لا نسلم أن الطهارة حقيقة شرعا في رفع الحدث الأصغر أو جميع الاحداث إذ يجوز أن يكون حقيقة في رفع كل حدث وكذا في رفع الخبث أيضا فحينئذ يجوز أن يكون المراد بالمطهرون المطهرين من الحدث الأكبر والنجاسة ثم لو سلم أن المراد الطهارة من الحدث الأصغر أو جميع الاحداث فلا نسلم أن النهي ها هنا للتحريم وما يقال أن ظاهر النهي التحريم (فعلى تقدير تسليمه إنما يسلم في أن يكون تصريح مبتغيه النهي فقط لا فيما يكون نفيا مستعملا بمعنى النهي أيضا والقول بأن التحريم) أقرب المجازات إلى النفي ممنوع هذا ثم أنه قد يمسك في إفادة الآية الكريمة لمطلوبهم ورفع الاحتمالات السابقة بما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب حكم الجنابة وفي الاستبصار في باب أن الجنب لا يمس المصحف عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه أن الله يقول لا يمسه إلا المطهرون وفي بعض نسخ التهذيب خيطه وهذا بالحقيقة استدلالان أحدهما من حيث دلالة الرواية في نفسها على المطلب والاخر من حيث دلالتها على أن المراد من الآية الكريمة هذا المعنى فيتم الاستدلال بها وفي هذا التمسك أيضا نظر من وجوه أحدها أن الرواية غير نقية السند جدا لان فيها جعفر بن محمد بن حكيم وهو غير موثق ولا ممدوح وجعفر محمد بن أبي الصباح وهو مجهول وعلي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وإبراهيم بن عبد الحميد ونقل الشيخ أنه واقفي وثانيها أنه يمكن أن يكون لا يمسه في الرواية نفيا لا نهيا وقد عرفت حال النفي الذي بمعنى النهي وعدم ظهوره في التحريم فيجوز أن يكون للكراهة وثالثها أنه على تقدير أن يكون نهيا لا نسلم أن الأمر والنهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) للوجوب والحرمة وإن سلم أن صيغة الأمر والنهي لهما لشيوع استعمالهم (عليهم السلام) هاتين الصيغتين للندب والكراهة كما يظهر من تتبع آثارهم (عليهم السلام) فيكون مجازا شايعا بالغا حد الحقيقة أو منقولا وعلى التقديرين لا يجب

Sayfa 12