وتقدم لرئاسة الجمهورية لويس نابوليون ابن أخي نابوليون الكبير فانتخب رئيسا في سنة 1848، ثم نادى الرجل بنفسه إمبراطورا سنة 1852 ولقب نابوليون الثالث، وأحسن السياسة حتى صارت فرنسا في أيامه إلى أرفع مراكز العز والشرف، وأصبحت باريس مركز سياسة الأرض، واسم نابوليون عنوان القوة في كل بلاد. وحاربت فرنسا دولة الروس سنة 1854 بالاشتراك مع إنكلترا والدولة العلية في حرب القرم وكان لها النصر، ثم حاربت الصين مع إنكلترا سنة 1860 ونالت الفخر والنصر، وسنة 1859 حدثت الحرب الإيطالية المشهورة وكانت فرنسا معضدة فيها لإيطاليا على النمسا ونالت النصر فاستقلت إيطاليا، وأخذت فرنسا بلاد سافوا ونيس أجرة مساعدتها. وسنة 1862 حاربت المكسيك وانتصرت الجنود الفرنسوية فيها ونصب مكسميليان أخو إمبراطور النمسا الحالي إمبراطورا لها، وما زال السعد مرافقا لنابوليون الثالث وبلاده في عز كبير ومركز منيع إلى أن كانت سنة 1870، وحدثت الحرب المشهورة مع بروسيا؛ فكسرت فرنسا كسرة هائلة وسقطت الإمبراطورية، فعادت البلاد إلى النظام الجمهوري وأسست جمهورية ثالثة كان أول رؤسائها الموسيو تيرس وتلاه المرشال مكماهون ثم الموسيو جريفي ثم الموسيو كارنو ثم الموسيو كازميربريه ثم الموسيو فلكس فور ثم الموسيو لوبيه ثم الموسيو فاليير الرئيس الحالي.
ولا حاجة إلى الإسهاب في تاريخ فرنسا مدة هؤلاء الرؤساء؛ لأن أكثره حديث باق في الأذهان، ولكننا نقول على الجملة إن فرنسا كانت تحاول النهوض من سقطتها على عهد تيرس ومكماهون، فما أحست بثمرة جهادها إلا في أيام جريفي، وهو الذي اضطر إلى الاستقالة بسبب أعمال صهره التي ساءت جمهور الفرنسويين، وكان خلفه كارنو رجلا عاقلا تقدمت البلاد في أيامه، ولكنه اغتاله أحد الفوضويين فخلفه كزمير برييه واستقال بعد ارتقائه بقليل على إثر ظهور مسألة دريفوس المشهورة. وفي أيام فلكس فور تمت المعاهدة بين فرنسا وروسيا فتعزز مركز الجمهورية كثيرا، وفي أيام لوبيه تصالحت إنكلترا وفرنسا واستقرت الجمهورية على شكلها الحالي، وأما الموسيو فاليير رئيسها اليوم فإنه من العقلاء المعتدلين وسياسته ترمي إلى حفظ السلام والمصالحة مع جميع الأمم على السواء.
باريس
هي بإجماع الآراء أول مدائن الأرض زهاء وبهاء، وما رأى الناس من يوم قامت للحضارة قائمة نظيرا لها في جمال شوارعها وميادينها ومتاحفها وحاناتها ومتنزهاتها، ويبلغ عدد سكانها الآن ثلاثة ملايين نسمة، وهي مركز التمدن الحالي ومقصد الطلاب السائحين يؤمونها من كل صوب وحدب، فلا تخلو هذه المدينة العظمى من آلاف مؤلفة تجتمع فيها سواء في الصيف أو في الشتاء، وهي منبع الأزياء ومصدر الكياسة واللباقة وبؤرة اللطف والرشاقة، ينقل عنها الناس في كل جهة ما يستجد من شرائط التمدن، وهي في طليعة المدائن العظمى في العلوم والمعارف، فيها من المعارض والمتاحف ودور العلوم وقاعات الصناعة ما يعجز القلم عن وصفه، ولطالما تغنى المادحون بمدحها وأجاد الواصفون وأفاضوا في تلك المشاهد التي تسحر الناظرين، والمناظر التي يحدث وصفها فتنة في عقول السامعين، على أن شهرة باريس وكثرة ما فيها من المحاسن والأحاسن تحملني على إلقاء دلوي في الدلاء ووصف بعض الشيء مما رأيت فيها، فإني زرتها خمس مرات كنت في كل مرة أرى آيات جديدة من الجمال وبدائع الإتقان ويخيل لي أن المدينة في عيد عظيم؛ لأنها أبدا في جذل وحبور تضحك سماؤها وأرضها، وفي كل جانب منها معدات السرور متوفرة والناس جارون إلى هاتيك المتنزهات الفخيمة حتى إنه ليعسر على الذي يزور باريس - وهذه حالها وهذه آيات جمالها - أن يبدأ في وصفها؛ لأنه لا يدري من أين يكون البدء، وكيف يجيء الختام؛ ولذلك تراني اخترت البدء بهاتيك الشوارع الفسيحة المعروفة عندهم باسم «بولفار»، فإن هذه الشوارع الباريزية محور الجمال والإتقان ينفق عليها مجلس البلدية المبالغ الطائلة في كل عام حتى تبقى على حالة تليق بعظمة المدينة وجمالها، فترى أبهى ما اكتحلت بمرآه العين إلى جانبيك من قصور منيفة لخاصة الناس أو هي لحفظ التحف أو للفائدة العامة، ومخازن جمعت ما تناهى في الحسن وغرابة الصنع من صناعة باريس وسواها رتبت فيها الأبضعة على نسق بديع وجواهر تسطع أنوارها وتتلألأ من وراء ألواح زجاجية نقية، وهي في الليل أوفر بهاء منها في النهار؛ إذ يلقون عليها النور الكهربائي فتزهو فوق زهائها المعهود، ويجذب بريقها المحبوب آلافا من المتفرجين، وفنادق أجهد الصناع قرائحهم في تزيين جهاتها، وحانات يضيع الهم من مجرد النظر إليها، وفوق هذا فإن في كل هذه الشوارع أناسا يخطرون بأبهى الحلل وسيدات يرفلن بنفيس الأطالس وبديع الأزياء ولهن في حركات المسير علم عجيب، فلو أنك زرت باريس ولم تشهد ضواحيها ولم تدخل متاحفها ولم تسمع شيئا في ملاهيها ولم تدرس غرائبها، بل اقتصرت على التجول في هاتيك الشوارع الفيحاء، لكفى بها منظرا ترتاح إليه النفوس، وتشهد بغرابة هذه المدينة التي لم يبن الناس إلى هذا اليوم نظيرا لها في الجمال.
وإذا ضمت هذه الشوارع أو البولفارات بعضها إلى بعض لم يقل طولها عن 4300 متر، نبدأ منها بوصف بولفار سان مارتن فيه عدة مراسح وتياترات وقوس للنصر قديمة أقيمت تذكارا لانتصار لويس الرابع عشر ملك فرنسا في سنة 1674 على الألمان، ويليه بولفار سان دنيس فيه باب اشتهر بهذا الاسم أيضا أقيم تذكارا للملك لويس الرابع عشر المذكور بعد انتصاره على هولاندا في سنة 1682، وبولفار بواسونيير أشهر ما فيه مدرسة لتعليم الموسيقى وفنونها تعطى فيها المكافآت للذين ينالون أحسن شهاداتها ويقصدها الطلاب من كل صقع بعيد. وبولفار مونمارتر فيه معرض يعرف باسم صاحبه جرفلين قل أن يجيء باريس سائح ولا يراه؛ لأن فيه أشكال مشاهير الأرض الحاليين كلهم وبعض المشاهير المتوفين صنعت بالشمع والجبس، وأتقن صنعها إلى حد أن الغريب قد لا يميز الرجل الحي فيها من تمثاله، وهم يضيفون إلى هذا المعرض تماثيل بعض المشهورين والمشهورات في كل عام، وقد صنعوا بعض الأجسام قاعدة ووضعوها على أوضاع مختلفة وإلى جانبها مقاعد خالية يجلس إليها المتفرجون، فإذا كنت دائرا تتفرج على تلك المناظر البهية لم يبعد عليك أن تصل إلى شخص حي ساكن تظنه تمثالا حتى إذا قربت منه وتحرك اضطربت وخجلت كما يحدث للكثيرين.
ويستمر هذا الشارع على خط واحد حتى يبدأ «بولفار الطليان»، وهو بلا خلاف أجمل شوارع باريس وأكثرها زخرفا وأحسنها موقعا وأبعدها شهرة، فيه من الحوانيت والمنازل البديعة ما يقصر الشاعر عن وصفه، وفيه بنك الكريدي ليونه المشهور، وهو بناء فخيم جمع ما بين المتانة والجمال، وفي داخله قاعات فسيحة لراحة القادمين إليه وغرف أخرى للكتابة، فيها المنضدات والأقلام وبقية لوازم الكتابة، فإذا جاء المسافر يريد قبض مال من هذا المصرف العظيم جلس إلى إحدى تلك المناضد ووقع على الورقة بيده علامة وصول المال إليه، فيأخذ الورقة منه كاتب ويعود إليه بالمال المطلوب، وهو لا يتكلف عناء الوقوف والانتظار، وينتهي هذا الشارع في ميدان الأوبرا الكبرى، وسوف نعود إلى ذكرها، ومن بعد ذلك الميدان يستمر الشارع المذكور على خط واحد ويتغير اسمه فيصير شارع «الكبوسين»، وهو أيضا من آيات الجمال في باريس الحسناء، يبتدئ من ميدان الأوبرا التي ذكرناها والغران أوتل أو الفندق الكبير، ولهذا الفندق شهرة ذائعة في أوروبا كلها؛ لأنه في أحسن مواقع باريس وله سعة زائدة؛ إذ يشغل جزءا كبيرا من الأرض، وتحيط به الشوارع المعروفة من كل جانب، وهو كعبة القادمين إلى باريس، وليس هذا الفندق قاصرا على المسافرين الذين يبيتون فيه، بل إن الذين يقصدون حانته (القهوة) ومطعمه من أهل باريس ونزلائها كثيرون غير المقيمين فيه؛ لأنهم يقرءون هناك معظم صحف أوروبا المشهورة، ويجدون داخل الفندق مكتبا للبرق وموضعا للعلم بأسعار البورصة والمسائل المالية، وفيه ناد لأهل السياسة؛ ولذلك اشتهر هذا الفندق شهرته الحالية.
ومن هذا القبيل بولفار (لامادلين) نسبة إلى كنيسة المجدلية في آخره، وهي من أشهر كنائس فرنسا بدءوا في بنائها على عهد لويس الخامس عشر سنة 1764 ولم يتم، ثم شرع نابوليون الأول في إتمامها متبعا في ذلك الرسم الأصلي، أي أن تكون واجهاتها الأربع ذات عمد باسقة على الشكل اليوناني القديم، فتم بناؤها سنة 1842، ومنظرها جميل يسر جميع الناظرين، وعدد العمد المثلمة في جوانبها الأربعمائة عمود. وهي الآن مشهورة بجوق ينشد فيها الألحان الدينية المؤثرة، وفيها تقام الاحتفالات الكبرى في أيام الأعياد، ويعقد الزواج لأكثر أصحاب الشهرة، وبولفار مادلين هذا يتصل بالشارع الملوكي (رويال) إذا سار المرء إلى آخره لقي وزارة البحر الفرنسية، وقد رفع فوقها علم الجمهورية، وذكر ما أصاب الأبنية العظيمة في هذا الموضع دون سواه من ثورة الكومون بعد حرب فرنسا وبروسيا الأخيرة، فإن هؤلاء العتاة جمعوا قواهم في الشارع المذكور وجاءوا بالمضخات والآلات المعدة لإطفاء الحرائق فملأوها زيتا وجعلوا يرشون تلك الأماكن بها، ثم أضرموا النار فيها ففعلت فعلها الفتاك وقتلت كثيرين غير الخسائر الفادحة التي أنتجتها من تدمير المعالم القديمة والأبنية الفخيمة، وهذا آخر الشوارع من نوعه، وهو يتصل في آخره بأشهر مواضع باريس وأجملها، نريد به ساحة الكونكورد المشهورة. وساحة الكونكورد هذه ميدان لا نظير له في الأرض كلها، ولا خلاف في أن البشر لم يصنعوا إلى الآن ساحة عظمى - يرى الناظر في وسطها وإلى جميع جوانبها أبهى المناظر وأفخمها - مثل التي نحن في شأنها، وفي وسطها بحيرات بالغة الإتقان يتدفق الماء من أنابيب فيها صنعت على أشكال بديعة، ومن حولها نصب أقيمت لمدائن فرنسا المشهورة، مثل مرسيليا وبوردو وليون وغيرها ، وبين هذه النصب تمثال مدينة ستراسبورغ التي اغتصبها الألمان بعد حرب 1870، وفوقه إكليل أسود دليل الحداد على فقد ولاية الألزاس، وفي وسط الساحة المسلة المصرية التي أهداها المغفور له محمد علي باشا إلى لويس فيليب ملك فرنسا ونقلت إلى باريس سنة 1836، وهي قائمة على قاعدة بديعة الصنع مذهبة جوانبها، ومن حولها الأرصفة الفسيحة والممرات الواسعة يخطر فيها المتنزهون والمتفرجون، وإذا وقف المتفرج في هذه الساحة رأى بعضا من أفخم مناظر باريس، من ذلك، نهر السين ووراءه مجلس النواب في الجهة الجنوبية، وإلى الغرب متنزه الشان أليزه المشهور - وسيأتي ذكره - وإلى الشرق حديقة التولري وإلى الشمال مخازن وأبنية كثيرة تتصل بحديقة الأليزه وهو قصر رئيس الجمهورية.
وساحة الكونكورد هذه قديمة العهد اشتهرت من قبل أيام الثورة الفرنسوية المشهورة، ولكنها شهدت في أيام تلك الثورة العظيمة ما لم تشهده الساحات والميادين من الأهوال التي تشيب الأطفال، فإن رجال الثورة جعلوها مقر فظائعهم ومظالمهم فأقاموا فيها المشنقة (الجيليوتين)، وضربوا الرقاب في وسطها مئات وألوفا، حتى إن عدد الذين قطعت أعناقهم في ساحة الكونكورد مدة سنتين من سنة 1793 إلى 1795 لم يقلوا عن 2800 شخص من عظماء فرنسا، منهم الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنتوانت وأخته إليصابات وأخوه الدوك دورليان وابن عمه فيليب والد الملك لويس فيليب، ومنهم زعماء حزب الملوك وبعض الأمراء ورؤساء الحزب الديني، ومنهم أيضا بعض زعماء الثورة وأعوانهم، مثل دانيون وروبسبير، هؤلاء كلهم قتلوا في ساحة الكونكورد التي صبغت جوانبها بدماء المقتولين في مدة الثورة، وصار ذكرها يرجف الأبدان ويهول الرجال، فسبحان الذي يشقي ويسعد! كيف تغير حال هذه البقعة بتغير الأحوال وموت الرجال، وأضحت الآن مقر الأنس ومركز البهاء والعز بعد كل ذلك الهول؟!
ويتصل بهذه الساحة العظيمة متنزه الشان أليزه، والحق يقال إنه وما يليه إلى جميع الجوانب زهرة ما في مدينة باريس، ونخبة مناظر المدائن المشهورة. والشان أليزه هذا عبارة عن طرق كثيرة ما بين غابات صغرى من الأشجار وصفوف منها بديعة الشكل وفي وسطها طريق عظيم كثير الاتساع تسير فيه العربات كل يوم مئات وألوفا، وفيه المطاعم والقهاوي والمقاعد ومواضع النزهة ومواقع الطرب، وبعض فنادقه فخيمة جدا غالية أثمانها لا يأتيها غير الأمراء والكبراء، ولمجموع ذلك المتنزه بهاء عجيب، فهو مقصد المتنزهين في باريس، إذا سار إليه المرء بعد الظهر من أي يوم أراد - ولا سيما من يوم الأحد - رأى من أشكال الناس وأزيائهم وجماعاتهم ما تطرب له النفس، وتحسب أن السعادة كلها حصرت في ذلك المتنزه العظيم؛ فإنك كيفما سرت فيه رأيت شيئا يروق لك حتى إن وصف المكان يعسر على الكاتبين، وليس يفيد فيه غير الخبر والعيان. وفي آخر المتنزه الفسيح قنطرة كبرى شاهقة البنيان عظيمة الأركان، هي قوس نصر شرع نابوليون الأول في بنائها تذكارا لانتصاره على جيوش أوروبا، وأتمها من بعده لويس فيليب، وفيها رسوم المعارك العظيمة التي أحرزت فيها الجنود الفرنسية نصرا على الأعداء على جدرانها الأربعة، هي أكبر قوس للنصر في الأرض كلها، لها أربعة أبواب متقابلة وتعرف هذه القنطرة باسم قنطرة الكوكب، وفي ذلك مطابقة وتشبيه بديع؛ لأن الكوكب تشع منه الأنوار في كل جانب، وقنطرة النصر هذه تمتد منها الطرق وتتفرع الدروب في كل جانب، وأهمها عشرة تعرف بأسماء: كارنو وماكماهون وهوش وإينا وفردلند وكليبر وهوجو ودرامه وأليزه وبولون، وكلها من أجمل الطرق وأنظفها توصلك إلى داخل المدينة وخارجها، وقد زينت كلها بالأشجار والأزهار والقصور الباذخة والمصايف اللطيفة، ومن أهمها الشارع الذي يوصل إلى غابات بولون، وهي مجموع دروب عريضة وحراج غضة في أرض أريضة طارت شهرتها في الآفاق إلى حد أنها صارت مجتمع أهل الترف والبزة ومثابة جماعة الحظ واليسار، يأتونها من سحيق الأقطار ليمتعوا بمحاسنها الطرف ويشهدوا بأنها جذابة للنفوس ساحرة للأنظار، فيجتمع فيها كل يوم من أهل المدينة ونزلائها عدد عديد يزري بعضهم ببعض في تعدد الأزياء وفي غرابة الجمال وحسن الرواء، يسيرون أكثرهم في عربات نظيفة والأزاهر من هنا والرياحين من هنا والشجر الباسق الأنيق إلى كل جانب وماء البحيرات الصناعية يتدفق من أنابيبها ويزري بالزلال في نقائه، فكأنما السائر هنالك في أرض مسحورة جمعت فيها المحاسن بعضها إلى بعض وليس فيها غير كل شهي بهي، ولا عجب بعد هذا الحسن الوفير إذا توافد الناس على هذا المتنزه بخيلهم ورجلهم إلى حد أن المسير يتعذر عليهم في أيام الآحاد، فتضطر صفوف العربات أن تسير الهوينا، وليس يسوء ذلك قوما إذا وقفوا في غابات بولونيا متعوا الطرف بأزهى المناظر الشهية.
وقد بلغت مساحة هذه الحراج الفيحاء 873 هكتارا من الأرض، خططت بها الطرق المنسقة، ومن ورائها حقول ومتنزهات أخرى تعرف باسم لونشان، وحديقة «أكلمتاسيون» مساحتها نحو 20 هكتارا، وهي تعد قسما من الغابة، وفي داخلها معرض للحيوانات البرية والطيور والزحافات وأشكال المخلوقات الحية جمعت من أطرف الأرض، وبينها كل منظر غريب وفي جملتها سباع ضوار أخرى ربيت وعلمت طرائق كثيرة، فكان المربي يضع يده في فمها ورأسه على رأسها، وهي مطيعة لأمره ولا تكشر عن ناب ولا تتعمد الأذى، وجملة القول أن هذه الجهة من باريس هي نقطة الجمال فيها وأكبر متنزهاتها، لم أر إلى الآن بين ضواحي المدن الكبيرة ما يقرب منها في فرط الجمال وغرابة الوضع وحسن الانتظام.
Bilinmeyen sayfa