Krallıkları Gözlemek

İdvar İlyas d. 1341 AH
114

Krallıkları Gözlemek

مشاهد الممالك

Türler

رأت حكومة فرنسا أن تعمل بالكرم الفرنسوي المشهور في سنة المعرض وتكرم مشايخ البلاد وعمدها؛ فدعتهم ليشهدوا محاسن ذلك المعرض، وأولمت لهم وليمة عظيمة كبيرة لا بد أن تبقى في التاريخ من ولائم البشر المعدودة؛ لأنها لم يحدث لها نظير في التاريخ الحديث، وقد لبى الدعوة يومئذ 22995 شيخا تواردوا إلى باريس من كل جهات فرنسا، وأعدت لهم الوليمة في حديقة التويلري المشهورة، حيث ضربت المضارب والسرادقات وصفت الموائد صفوفا صفوفا، ولكل مديرية من مديريات فرنسا صفوف معلومة وضعت في موضع من الحديقة يضاهي موقعها في خارطة فرنسا، وكتبت أسماء المديريات والجهات أمام كل قسم من هذه الموائد حتى يهتدي المدعوون إلى مواضعهم في ذلك الزحام الشديد، ولو أن تلك الموائد وضعت صفا واحدا لما كفاها شارع كبير من شوارع باريس؛ لأن طولها يبلغ إذ ذاك 7000 متر على الأقل، ولا حاجة إلى القول بأن الخادمين والطهاة والندل وسواهم بلغوا في هذه الوليمة عددا عظيما لا يقل عن 3000، منهم 300 طاه و150 رجلا اشتغلوا يومين من قبل الوليمة في إعداد أدوات الطعام كالشوك والملاعق والسكاكين، ولزم لهم أن يمدوا تلفونا بين الموائد والمطبخ تسهيلا لطلب الألوان، وقد بلغ عدد الصحون التي استعملوها في هذه الوليمة 176 ألف صحن و50 ألف ملعقة وقدم في خلال تناول الطعام 66 ألف رغيف و1500 ديك و2500 بطة و2500 كيلو من السمك و3000 كيلو من لحم البقر و4000 طير، وقد شرب المدعوون 22 ألف زجاجة من النبيذ الاعتيادي و11 ألف زجاجة من النبيذ الفاخر و7000 زجاجة من الشمبانيا و10 آلاف زجاجة ماء. والظاهر أن هذه الخمور لعبت برءوس أصحابنا المشايخ حتى إنهم لما انتهوا من الطعام والشراب؛ ذهبوا إلى المعرض وقد وضعوا جدول الألوان الذي يضعه الغربيون على الموائد، هذا في قبعته وهذا في زر سترته، وساروا على هذا الشكل كأنما هم يعلنون ما أكلوا وما شربوا، فكان ذلك داعيا إلى تضاحك الجمهور وتبادل النكات الهزلية، مثل الدعاء بطول العمر للمشايخ، وطلب اللذة لحضراتهم فيما يأكلون، وغير هذا من النكات التي اشتهر بها القوم الفرنسيس.

عيد 14 يوليو:

معلوم أن يوم 14 يوليو هو يوم الجمهورية الفرنسوية وعيد الحرية لتلك الأمة المجيدة؛ لأنه تذكار يوم تخلصت الأمة من الحكم الاستبدادي في سنة 1789 وسادت قوة الشعب، حين ثار الشعب على حكومة الملك لويس السادس عشر وحارب جنده، فتمكن في يوم 14 يوليو من تلك السنة من فتح قلعة الباستيل والاستيلاء عليها، وكانت تلك القلعة سجنا للمجرمين السياسيين الذين يزجون بأمر الحكومة الاستبدادية وموضعا للظلم، فلما سقطت بين يدي الشعب عد سقوطها يوم النصر لمبادئ الجمهورية، فيومه عيد الحرية إلى الآن، والفرنسيس يحتفلون به في كل مكان، وهم يقيمون الزينات الفاخرة في حديقة الأزبكية في مصر يومئذ - كما يذكر القراء - ويفعلون ما في الإمكان أينما كانوا في البر أو في البحر يوم 14 يوليو المذكور. وأما الاحتفال السنوي في باريس فإنه أبهى من كل ما يصنعون في المدن الأخرى لما أنها عاصمة الدولة ومركز العز والحضارة، فهم احتفلوا بهذا العيد في سنة المعرض احتفالا زاد في الأبهة والفخامة عن كل ما تقدمه؛ لأن السنة كانت مشهورة، وباريس يومئذ مثابة أهل الأرض أجمعين، فما كنت ترى في تلك المدنية الزاهرة في ذلك العيد إلا الراية الفرنسوية كبيرة فوق الدور والحوانيت والأشجار، أو صغيرة في رءوس الرجال والنساء والأولاد وملابسهم، سواء كانوا من الفقراء أو الأغنياء، وما مرت عربة أو حافلة ولا ظهر منظر في ذلك اليوم إلا وفيه راية الجمهورية احتفالا بهذا العيد، وقد استعرضوا قسما من الجيش في ساحة لونشان المشهورة، وحضر الاستعراض رئيس الجمهورية وأكابر دولته وسفراء الدول، ورصعت تلك المساحة بالسرادقات البهية الفخيمة وملئت الطرق والجوانب بالعربات وأفراد الناس حتى إن الأشجار لم تخل من المتسلقين الذين أقاموا فيها لرؤية الاستعراض.

ولما أقبل الرئيس لوبيه في الساعة الثالثة بعد الظهر بموكبه الحافل خف الوزراء والقواد من سرادقاتهم لاستقباله، فلما استقر في مكانه رفع علم الجمهورية فوق رأسه، وأطلقت المدافع، وهتفت جماهير الناس بالدعاء له وللجيش، ثم بدأ الاستعراض بأمر من وزير الحرب، وجعلت فرق المشاة والفرسان تمر تباعا بأزيائها المختلفة ونظامها البديع، وكلما وصلت فرقة أمام موضع الرئيس حيته، وكان رجال المدافع في آخر الجنود المستعرضة فلما مروا بعرباتهم الثقيلة ومدافعهم الفخمة ضج الناس بدوي الاستحسان لهم، وكان منظر الفرق عامة غاية في الجمال والانتظام، ثم انتهى الاستعراض وجعلت هذه الفرق تعود إلى ثكناتها أمام كل فرقة منها الموسيقى العسكرية، وعاد رئيس الجمهورية إلى قصره وهو في كل موضع يحيي الجمهور ويحيونه بالهتاف ورفع القبعات، وبقي الناس كل ذلك النهار في هرج وحماس وطرب عظيم، حتى إذا جاء الليل وأضيئت الأنوار التي لا تعد في المعرض والمدينة، كانت باريس كأنها شعلة من نار تتوقد بما فيها من بدائع السحر الحلال، ومدت الموائد في أطراف الطرق والرحبات، فكان الناس ينتابونها للأكل والشرب وسماع الأنغام، ويقوم كثير منهم للرقص والمخاصرة في وسط الميادين، وقد بطل النقد وعم السرور، وسار حكم العيد على الجميع. وكان في أجمل مواضع باريس في تلك الليلة بعد المعرض ساحة الكونكورد (الاتحاد) المشهورة، حيث اتجهت الأنظار إلى تمثال الألزاس واللورين، وهما الولايتان اللتان سلختا من فرنسا وملكتهما ألمانيا بعد حرب سنة 1870، وقد أقامت لهما الجمهورية هذا التمثال بعد الحرب على شكل أختين متعانقتين، وغطى الجمهور شكلهما بالسواد إشارة إلى الحداد على فقدهما وضياعهما من قبضة فرنسا. وكان نشيد المارسليين الحماسي المشهور ينشد حول هذا التمثال في كل حين، والناس ينشدونه متأثرين متحمسين، وقد اشتد زحام الناس مدة الليل في شوارع باريس وطرقها؛ لأن الناس رأوا أن الليل صار نهارا بما ضاء من الأنوار في كل منزل وحانوت وسكة، فخرجوا بألوفهم يتمشون ويشاركون الآخرين في الفرح بالعيد ويتفرجون على تلك الأنوار والمشاهد التي تسحر الناظرين.

وإني في الختام أقول إني شهدت معارض شتى في هولاندا وأميركا وفرنسا، والذي أرى أن المعارض الباريسية تزيد رونقا وأهمية عن كل المعارض التي تقام في المدن الأخرى، ولا عبرة باتساع المعارض الأميركية الأخيرة؛ فإن ذلك الاتساع لم يجعلها أهم من معارض باريس ولا أجمل، وباريس نفسها تعد معرضا عاما لأنواع الحضارة وطوائف البشر؛ فهي أبدا مثابة الكبراء والموسرين ومتنزه السائحين من كل قطر وملة، ليس يمكن أن تجاريها مدينة أخرى في هذه المزية؛ نظرا إلى ما اشتهر عن باريس من المحاسن، وإلى قرب مركزها البديع من أكثر ديار المتمدنين.

فيشي

هي المدينة التي اشتهرت بمياهها المعدنية على اختلاف الأشكال، توزع منها على سائر الأقطار، وينتابها ألوف الناس في كل عام من كل صوب، وبعضهم من أهل هذا القطر لمعالجة داء المعدة والكبد بمياهها، إما شربا أو استحماما حسب شور الأطباء. ذهبت إليها من باريس والمسافة بينهما بسكة الحديد سبع ساعات، فإذا بها مدينة قامت في سهل فسيح منبسط يحكي أراضي القطر المصري، لا حزن فيها ولا واد، وقد بنيت على ضفتي نهر اسمه آليه، يتدفق ويسيل في الشتاء من ماء المطر، فإذا جاء الصيف جف أكثر الماء، ورأيت قاعه وما فيه من حصى ورمل مثل كثير من الأنهر التي تفيض بماء الأمطار. ومعظم ما نعلم عن تاريخ هذه المياه المعدنية في فيشي، أنه كان في هذه الجهة دير لرهبان السيلستين، كانوا يعرفون نفع المياه التي تخرج من تلك الينابيع، بعضها بارد وبعضها حار، ويعالجون مرضاهم وبهائمهم بهذه المياه، فاتصل الأمر بأطباء باريس وعرفوا مزية ماء فيشي، حتى إن أطباء الملك لويس الرابع عشر استحضروا منها مقادير بالبراميل، وعولوا عليها في شفاء الأمراض، فثبت حينئذ نفعها، وبدأ الناس يعرفون طرق الانتفاع منها، وزاد في شهرتها أن مدام سفينيه الكاتبة المشهورة زارت فيشي سنة 1676، وطفقت ترسل منها الرسائل الرنانة الشهية بإنشائها اللطيف، فلما شاعت تلك الرسائل أصبحت فيشي كعبة المستشفين. ولما كانت أيام نابوليون الأول أمر هذا القائد الذكي ببناء مستشفى في مدينة فيشي وحمامات لجنوده، وبنى الإمبراطور نابوليون الثالث قصرا فيها لقرينته الإمبراطورة أوجيني أقامت فيه زمانا، وما زال القصر على حاله، وهو الآن ملك أحد الأطباء.

أما ينابيع هذه المدينة المعدنية فثمانية، بعضها بارد والبعض حار، من ذلك نبع الكران كريل، ماؤه حار بدرجة 44 سنتغراد، وماء أوبيتال وهو دافئ بدرجة 31، وماء سيلستين بارد درجته 12. وقد أظهرت الحكومة عناية كبرى بتحسين هذه المدينة، فأنشأت من زمان طويل روضة غناء في وسطها، لها سور من الحجر علوه نحو متر، ولها أبواب عديدة لا تقفل، وقد غرسوا في جوانبها باسق الشجر الجميل من الصنوبر والكستناء، ونظمت الطرق البهية في وسطه لتمشي فيها جماهير الناس والأفراد بعد شرب المياه أو تستريح على مقاعدها، وفي القهاوي الكثيرة الموجودة فيها، ويحيط بهذه الروضة دائرة من الفنادق لا يقل عددها عن أربعين، وهي متلاصقة متوالية يتصل أحدها بالآخر اتصالا، فكلما جاء الصباح خرج المستشفون من هذه الفنادق، وسار كل منهم إلى النبع الموصوف لدائه، وأكثر الينابيع على مسيرة عشر دقائق من دائرة هذه الفنادق، وقد أحاطوا بعضها، مثل الكران كريل وأوبيتال التي تباع مياهها في كل الصيدليات بجدار من العمد الثخينة منفصل بعضها عن بعض، ومن داخلها بنات يمشين على القباقيب العالية؛ حذرا على أرجلهن من البلل ، وهن يأخذن من الناس أقداحهم؛ إذ يقف الناس خارج دائرة العمد المذكورة فيملأنها بالماء ويناولنها للشاربين من طاقات صغيرة صنعت لهذا الغرض، وإذا لم يكن مع الشارب قدح أعطينه الماء بقدح من عندهن. ويتبع الناس في مقدار الماء المشروب وكيفية شربه أمر الأطباء، حتى إن بعضهم يشرب من نبع قبل الظهر ومن نبع آخر بعده، وإذا كان الماء حاميا مثل الذي درجته 44 شربوه مصا، كما يشرب الشاي والقهوة. وأكثرهم يتحتم عليهم التمشي ساعات معلومة بعد شرب هذه المياه وتناول الطعام، وإذا جاء أحد الشاربين بشيء للفتاة التي تخدمه في هذه الينابيع، أخذت الفتاة ماله ووضعته في علبة ليقسم المجموع كله على الرفيقات بالسواء في آخر النهار.

الحمامات:

إن ماء فيشي يفيد في الشرب وفي الاستحمام أيضا، فهم بنوا عدة حمامات على مقربة من الينابيع التي سبق ذكرها، وجعلوها ثلاث درجات؛ حتى يتمكن الأغنياء والفقراء من الانتفاع بمائها، ومع أن هذه الحمامات بنيت من وقت قريب؛ فإن الحكومة الفرنسوية أعدت مشروعا لهدمها وإعادة بنائها لتوسعها وتزيد معدات الراحة فيها للمستشفين، وهي - أي الحمامات - ملك الحكومة تؤجرها للشركات. وفي هذه الحمامات أنواع كثيرة، فمنها البرك ومنها المغاطس الباردة والحارة، ومنها الراشات المختلفة ينام العليل تحت إحداها على سرير فيتساقط عليه الماء رشا، ويصيب كل جسمه مدة عشر دقائق تقريبا، يدأب فيها الخادم على دلك الجسم حتى إذا انتهى ذلك، وقف العليل وصوب إليه الخادم أنبوبة كبيرة ذات ثقوب يندفع الماء منها بقوة شديدة، والواقف أبدا يدور، فإذا انتهى من ذلك سار إلى خادم آخر ينشف الجسم ويمده على الطريقة المشهورة عند الفرنجة باسم «مساج»، وهو لفظ منقول عن العربية؛ لأن التمسيد والمسح والدلك وما يشبه هذا من عوائد العرب في الحمامات. وإليك إحصاء يظهر منه مقدار النفع من حمامات فيشي وينابيعها؛ فإنه قدم في سنة 1852 إلى هذه المدينة 6823 نفسا بقصد الاستشفاء، فلما جاء عام 1862 صار عدد القادمين 17401، وزاد بعد عشر سنين فصار 25524، وفي سنة 1882 بلغ 42702 حتى إذا جاءت سنة 1899 كان عدد الزائرين 80000، وهو تقدم مستمر ظاهر للعيان.

Bilinmeyen sayfa