ورجل بلا قلق لا يحمل الهموم ولا يحس التوترات هو حيوان، ولكن العبرة هي أن نقف عند حد معين من القلق.
الفصل السادس عشر
لماذا ينتحر؟
كنت أتحدث إلى رجل بلغ الأربعين أو زاد، وكان قد عمه يأس وأظلمت الدنيا في وجهه حتى فكر في الانتحار.
وقص علي قصته، ولما انتهى منها قلت له: «لو كنت في مكانك وظروفك لرغبت أنا أيضا في الانتحار مثلك».
ودهش لقولي هذا وقال: «إذن أنت توافق على الانتحار؟».
قلت: «لا أوافق، ولكنى أريد أن أقول لك إن حياتك الماضية كانت تافهة رخيصة لا أحب أن أحياها؛ إذ هي لا تستحق أن أحياها، وإنما الحياة التي تستحق أن نستمتع بها هي تلك التي تمتلئ بالاهتمامات التي تبعث النشاط والتفاؤل، والتي تشغل وقتنا كله حتى لنضن على أنفسنا بالنوم لأنه يسرق منا بعض التفكير في هذه الاهتمامات، وأنت خلو من أي اهتمام، لا تشغل نفسك بهواية إلى جنب عملك الذي تكسب منه لقمة العيش، وليس لك آمال لنفسك أو للبشر، بل إنه ليبدو حتى من حديثك أنك لست على اتصال بأحداث العالم السياسية أو العلمية التي تغيره، أنت في بيت لا تدري شئونه ولا تعرف أسماء سكانه، وقصارى ما تفعل أنك تأكل وتنام وتلعب الورق أو أية لعبة أخرى من لعب الحظ. إن حياتك رخيصة ولو أني عشت حياتي مثلك لاستغنيت عنها كما تريد أن تستغني أنت عن حياتك».
فقال: «كان حظي سيئا إذ لم أجد من يرشدني».
قلت: «أي حظ تنتظر؟ أنت الحظ. هذه الدنيا مكشوفة أمامك وأنت تختار، أي تختار الحياة الرخيصة أو الحياة الغالية، وقد اخترت أنت الحياة الرخيصة وأنت المسئول، لقد آثرت أن تأكل الطعام الغالي بدلا من أن تشتري الأفكار الغالية، وفي رأسك 8 آلاف مليون خلية وهبتك إياها الطبيعة منذ ولدت وهي واقفة أو راكدة، عاطلة لا تفكر، وفي هذه الدنيا خمسة ملايين كتاب أخرجتها هذه الخلايا من بعض الرءوس الذكية، فماذا قرأت منها؟ لو أنك تعودت القراءة والدراسة مثلا لأصبحت مثل شهرزاد تنتظر الغد كي تستأنف القصة التي انقطعت بالنوم، ولكنك أنت تنام وتستيقظ بلا قصة؛ ولذلك فإن حياتك نفسها قصة تافهة كتبتها أنت بالنثر الركيك وليس فيها بيت واحد من الشعر»
قال: «إذن يجب أن أنتحر»
Bilinmeyen sayfa