ألا ترى إلى الأمين - وهو محاصر مهموم - يطلب الخلاص أو النجدة، فلا يجد إلى ذلك سبيلا - بعد أن ضيق عليه طاهر سبيل النجاة - وقد علمت ما كان له من عز وسلطان وبطش؟
ألا ترى إليه يجيئه - من قبل - نبأ هزيمة قائده «علي بن عيسى» وقتله - والأمين حينئذ على الشط يصيد السمك - فيقول لمحدثه: «ويلك، دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما اصطدت شيئا بعد؟»
فانظر إلى تلك الخاتمة المروعة التي انتهت بها حياة هذا المستهتر الباطش العزيز، وهو يستغيث فلا يغاث، ويطلب النجدة فلا يأبه له أحد، ثم يذبح من قفاه فيذكرنا بقول شاعر المعرة:
وما أجل عظيم من رجالهم - إذا نؤمل - إلا ماعز ذبحا
ونمثله - في صورة أخرى - باطشا ولاهيا، ومترنح الأعطاف زهوا، ومصعرا خده تيها، وقابضا على ناصية الخلق متصرفا في أرزاقهم وأعمارهم، تعنو له الجباه وتنحني أمامه الرءوس وينشده أبو نواس قوله:
وقد كنت خفتك ثم أمنني
من أن أخافك خوفك الله
فسبحان المعز المذل.
هو الموت، مثر عنده مثل مقتر
وراكب نهج مثل آخر ناكب
Bilinmeyen sayfa