ونقري ما شئت أن تنقري •••
وهكذا ضرب الحسين بتلك النصائح القيمة عرض الأفق وسار إلى حينه سيرا حثيثا، وهو الأديب الفطن الذي لم تكن لتفوته خافية ولكنه القدر: «والعقل زين ولكن فوقه القدر» كما يقول أبو العلاء.
عدم تنظيم الدعوة
أما العناية بتنظيم الدعوة وتنظيم أمرها، فقد أغفلت إغفالا تاما، فقد اكتفى الحسين بثقته من محبة الناس إياه وإجلالهم له لمكانه من الرسول، واكتفى أنصاره بإخلاصهم له وتفانيهم في حبه، دون أن ينظموا دعوتهم ويوحدوا صفوفهم ويحتاطوا لمكائد أعدائهم. فكانت العاقبة فشلا محققا.
تخاذل أنصاره
أما تخاذل أنصاره فهو واضح لا يحتاج أي تدليل. فقد كانوا متخاذلين في سياستهم مترددين في عزيمتهم، مكتفين بإخلاصهم للحسين معتمدين على أن حقهم سيغلب - بلا شك - باطل خصومهم. وقد كان فيهم أفراد غاية في البطولة، ولكنهم صرعوا لتخلف الجماعة عنهم. انظر إلى هانئ بن عروة يتمارض ليعوده ابن زياد في بيته، ثم يوصي أصحابه بقتل ابن زياد وقت زيارته إياه، متى قال لهم هانئ: «اسقوني» فيجيء ابن زياد يعوده، ويقول هانئ اسقوني فلا يلبيه أحد. ثم يخرج ابن زياد آمنا مطمئنا ويتبين المكيدة فيأمر بإحضار هانئ إليه، فيحضرونه إليه رغم أنفه، فيتناول ابن زياد العصا التي كانت مع هانئ فيضرب بها وجهه حتى يكسرها ثم يقدمه فيضرب عنقه. وهكذا يتبدل مجرى التاريخ بسبب ذلك الضعف وتسير الأمور في غير مجراها الذي كان من الطبيعي أن تسير فيه.
وانظر إلى مسلم بن عقيل يخذله من معه وهم نحو ثلاثين ألفا - وهم كثيرون - ويتفرقون عنه فيسلموه إلى عدوه، وقد كان النصر حليفه لو كان أنصاره مخلصين في معاونته مستبسلين في الدفاع عن رأيهم، فإذا دعا به عبيد الله بن زياد ليضرب عنقه قال له مسلم: «دعني حتى أوصي.» ثم ينظر في وجوه الناس فيرى عمر بن سعد فيقول له: «ما أرى ها هنا من قريش غيرك فادن مني حتى أكلمك.» فيدنو منه عمر بن سعد فيقول له مسلم: «هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ إن الحسين ومن معه - وهم تسعون بين رجل وامرأة - في الطريق فارددهم واكتب إليهم بما أصابني.»
قالوا: ثم ضرب عنقه وقد أفضى عمر بن سعد إلى زياد بما أخبره به مسلم فقال له ابن زياد: «أما والله إذ دللت عليه لا يقاتلهم أحد غيرك.»
15
وهكذا أراد الله أن تتضافر الأسباب كلها على إهلاك الحسين وأن يشترك أعداؤه مع أنصاره - على الرغم منهم - في تعجيل موته. ونحسب أن كلمة ابن عباس التي ذكرناها في هذا الفصل قد جمعت أهم الأسباب الأخرى التي أدت إلى هذا المصرع المروع.
Bilinmeyen sayfa