عبد الله بن عبد العزيز البكري
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري، أكبر جغرافي عربي في الأندلس وأشهر أديب في القرن الخامس الهجري.
اختلف أرباب التراجم في تاريخ ولادته فقال البعض بأنه ولد في سنة ٤٠١ هـ والبعض الآخر أنه ولد في ٤٣٢ هـ.
كان من عائلة عربية يرجع أصلها إلى قبيلة بكر بن وائل. ويبدو أنه انتقل مع أبيه إلى قرطبة في سنة ٤٤٣ هـ وبقي فيها بما فيه الكفاية كي يواصل ثقافته الأدبية والعلمية حتى لُقب بالقرطبي إلا أن أكثر شهرته هي الأندلسي.
تتلمذ على يد أبي حيان وأبي العباس أحمد بن عمر العذري وأبي بكر المصحفي وأبي بن عبد البر الحافظ الذي تسلم منه إجازة رواية.
لقد تولى أبوه وجده الحكم في ولبة وبشلطيش وهي جزيرة صغيرة على مصبّ الوادي الكبير بالقرب من إشبيلية. وحين استولى المعتضد بن عباد على مقاطعة لبلبة المجاورة، وكان هدفه ابتلاع عدد كبير من المدن وإلحاقها بمملكته تراءى الخطر لعبد العزيز فسلم مدينة ولبة لبني العباد وغادرها مع عائلته إلى قرطبة. فقضى المترجم له وطرًا من حياته فيها ثم انتقل إلى المرية بدعوة من أميرها محمد بن معن ولا شك أن سبب هذه الدعوة كانت شهرة الرجل بصفته أديبًا واستقبله حاكم المرية بترحاب وجعله من خلانه وانقسمت حياة أبي عبيد بين حياة البلاط والدراسة. وذهب البكري سنة ٤٧٨ هـ / ١٠٨٦- ١٠٨٥ م إلى إشبيلية موفدًا من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد. ثم عاد من جديد سنة ٤٨٣ هـ / ١٠٩١- ١٠٩٠ م إلى قرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد احتلال المرابطين لها والراجح أنه قضى بها بقية حياته بين الدراسة والحياة اللاهية مع أصدقائه وبها توفي أيضًا ودفن بمقبرة أم سلامة.
آثاره
له تآليف كثيرة منها: الإحصاء لطبقات الشعراء، اشتقاق الأسماء، سمط اللآلئ، المسالك والممالك، معجم ما استعجم، كتاب النبات وغيرها.
Bilinmeyen sayfa
[المجلد الاول]
المقدّمة
ترجمة سعد غراب
ليس من المفيد هنا أن نطيل في الحديث عن الحالة السياسية في الأندلس في القرن ٥ هـ/ ١١ م وهي الفترة التي عاش فيها البكري فهي معروفة من قبل كلّ المهتمين من قريب أو بعيد بتاريخ العالم الاسلامي بصفة عامة وبتاريخ المغرب بصورة خاصة فسنقتصر اذن على رسم الخطوط العامة للاطار الذي تكونت فيه ونمت آثار البكري موضوع هذا العمل.
إن ارتقاء هشام الثاني عرش الأندلس وهو طفل بعد حكم مستقر ومزدهر للخليفتين عبد الرحمن الثالث (٣٠٠/٩١٢- ٣٥٠/٩٦١) وابنه الحكم الثاني (٣٥٠/٩٦١- ٣٦٦/٩٧٦) قد فتح عهدا من الاضطراب والصراعات الداخلية ستؤول بالخلافة الأموية إلى انهيار كلي سريع وسيشهد المرء مطالبين بالحكم يعتلون العرش تباعا أو في نفس الوقت وكل يعتمد على عناصر متعدّدة من عرب وبربر وصقالبة مكونة للجيش.
فمن العشرية الأولى للقرن الحادي عشر ظهرت خلافة منافسة هي خلافة الحموديين بمالقة ثمّ بالجزيرة الخضراء وكان حكامها يتعاقبون أو يتزامنون مع ممثلي الخلافة الأموية الأخيرين وستتواصل هذه الحالة الى سنة ٤٤٢/١٠٣١ عندما سينتهي أمر الخلافة الأموية بزوال آخر خلفائها هشام الثالث.
وبدأ بذلك في الأندلس عهد جديد أصبح فيه رسميا ما كان يعتبر منذ سنين عديدة أمرا واقعا وأصبح كل حاكم مستقلا بجهته أو مدينته، إنها فترة الفوضى والتشتت المعروفة بقرن ملوك الطوائف وسيحصى منهم في بعض الفترات أكثر من العشرين «١» .
1 / 5
إنه لمن الممل أن يتبع الباحث تاريخ هذه السنوات القاتمة المضطربة، فكتب التاريخ تعج بأخبار الحروب المتتالية لهذه الدويلات وتنعقد التحالفات وتنقطع عبر الأيام وتولد ممالك وتندثر أخرى الى أن تبرز من الخضم وحدات أكثر اتساعا واستقرارا تتمكن من البقاء الى آخر القرن «١» إذ ذاك انتهى الأمر بممالك الشمال مثل طليطلة وسرقسطة الى الانهيار تحت ضربات الأجوار المسيحيين: قشتالة وليون وأرغون.
ومن البديهي أن النصارى لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الحالة المتداعية التي كانت عليها الأندلس في تلك الفترة فلقد استغلّوا كل الامكانيات المتاحة لديهم سواء كانت عنيفة أو سلمية لمدّ تأثيرهم الى جهات أوسع فأوسع من الأندلس نظرا لتشتّت المسلمين وعدم استقرار أمورهم وعجزهم عن الاتحاد والدفاع عن النفس.
وبلغ هذا المدّ أوجه سنة ٤٧٨/١٠٨٥ عندما احتلّ الفونش السادس ملك ليون وقشتالة مدينة طليطلة. وكان لهذه الكارثة وقع عظيم في كلّ العالم الاسلامي وسببت ردود فعل أندلسية: فلقد وقع الاستنجاد بالمرابطين الموجودين آنذاك بشمال افريقيا، ونزل يوسف بن تاشفين بالأندلس سنة ٤٨٣/١٠٩٠ يقود جيوشه لمقاومة مسيحي الشمال ولكن سرعان ما تبيّن له ان ذلك غير ممكن ان لم يحدث تغيير جوهري في وضع الأراضي الاسلامية السياسي، سيقضى اذن على ملوك الطوائف الواحد تلو الآخر وتضمّ ممتلكاتهم إلى الدولة المرابطية. وبذلك أعاد يوسف بن تاشفين وحدة الأندلس السياسية رغم أنف الأندلسيين في الغالب ولفائدة الدولة المرابطية أولا ولكن لفائدة الأندلسيين أيضا ودافع عن الأندلس وتمكن من تمديد حياتها قرنين آخرين.
إن القرن ٥ هـ/ ١١ م يقدم لنا لوحة قاتمة ومحزنة من الناحية السياسية ولكن كل ذلك لا يجب أن ينسينا جانب اللوحة الآخر. إن فترة التدهور السياسي والعسكري هذه تميزت بازدهار عجيب للحياة الثقافية والفنية وليست الأندلس المثال الوحيد لمثل هذا التناقض «٢» فإذا ما كانت قرطبة في عهد الأمويين مركزا ثقافيا مزدهرا فلقد
1 / 6
كانت وحيدة تقريبا أما في عهد ملوك الطوائف فلقد نشأت العديد من هذه المراكز وكان كل أمير ينافس أجواره وأعداءه ليجلب الى بلاطه الشعراء والأدباء والعلماء من مختلف الاختصاصات، يمكن أن نذكر من هذه الحواضر اشبيلية والمرية وباجة ومالقة وغرناطة فضلا عن طليطلة وسرقسطة قبل احتلالهما من قبل المسيحيين. انها الفترة التي لمع فيها أبرز اعلام الثقافة الأندلسية من أمثال ابن حزم وابن حيان وابن بسام وكثير من الأعلام الآخرين الذين نعرف على الأقلّ اسماءهم إن لم نعرف آثارهم التي اغتالتها عواصف التاريخ.
إنّ البكري ينتمي الى هذه الفترة ويساهم كما سنرى في مظهريها: مظهر الانحطاط السياسي ومظهر الازدهار الثقافي. نعم إنّ آثاره ستولد وستنمو في هذه الفترة المتميزة اكثر من غيرها بالاضطراب وسيواصل البكري سنّة المدرسة الجغرافية العربية بعد اندثارها في المشرق وسيبقى دائما من أكبر أعلام الثقافة الأندلسية وأبرز جغرافي المغرب الاسلامي رغم بعض سمات الانحطاط الموجودة في آثاره.
ترجمة البكري:
«١» هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري المشهور خاصة بكنيته: «أبو عبيد» ولد بلبلة «٢» من عائلة عربية يرجع أصلها الى قبيلة بكر وائل تولى الكثير من أفرادها مناصب رسمية بالأندلس ولكن لا نعرف شيئا يذكر عن أوائل هذه العائلة ولا عن الفترة التي استقرت فيها بالأندلس.
وأول بكري حفظ لنا التاريخ اسمه هو أحد أجداد أبي عبيد ويسمى أيوب بن عمرو البكري «٣» تولى في الربع الأخير من القرن ٤ هـ/ ١٠ م منصب القضاء ببلده ثم
1 / 7
ولي خطة الرد (أي ردّ المظالم) بقرطبة ويبدو أنه كان له تأثير كبير إذ نجده مع أخيه محمد يلعب دورا هاما في المصالحة بين الخليفة هشام II ووزيره المنصور بن أبي عامر سنة ٣٨٧/٩٩٧.
وبعد ذلك بقليل نجد العائلة مستقرة بولبة ثمّ بشلطيش وهي جزيرة صغيرة على مصبّ الوادي الكبير بالقرب من اشبيلية ولكن لا نعلم بالضبط متى كان ذلك الاستقرار.
ويبدو حسب ابن الأبار الذي يستشهد بابن حيان «١» ان محمد بن أيوب قد تولى حكم تلك الجهة وبقي على ذلك الى وفاته المحتمل حدوثها حوالي سنة ٤٣٣/١٠٤٠. فهل يمكن أن نعتبره أميرا مستقلا بتلك الرقعة الصغيرة؟ إنه من العسير أن نجزم بشيء في الموضوع ولكن يظهر أنه استقل سنة ٤٠٢/١٠١١- ١٠١٢ والمؤكد على كلّ حال هو أن العائلة كانت من أنصار المنصور بن أبي عامر أي انها معارضة للخليفة الأموي وكانت لها علاقات متينة باسماعيل بن عباد «٢» وهو من أوائل الذين استقلوا باشبيلية عن الحكم المركزي. فلا يستبعد اذن أن يكون محمد بن أيوب قد اتبع مثال اسماعيل بن عباد.
وتولى الأمر بعد وفاة أبي زيد محمد ابنه أبو مصعب عبد العزيز بن محمد فسير مقاطعته الصغيرة المتكونة من ولبة وشلطيش في استقلالية كاملة وكان ثاني أمير لها حسب بعض الآراء والأول والوحيد حسب بعض الآراء الأخرى. ودام له الأمر الى سنة ٤٤٣/١٠٥١ حين استولى المعتضد بن عباد صاحب اشبيلية على مقاطعة لبلبة المجاورة، نعم لقد تمكنت قوّة المعتضد المتصاعدة منذ حوالي عشر سنوات من ابتلاع عدد كبير من المدن- الدويلات- والحاقها بمملكته التي كان يريد أن يكوّن حولها من جديد وحدة الأندلس. ولم تغير الروابط التي جمعت من القديم بين عائلة البكري وبني العباد من المشروع شيئا وتراءى الخطر لعبد العزيز فسلم مدينة ولبة لبني
1 / 8
العباد وبقي مدّة في جزيرة شلتيش واضطرّ في نهاية الأمر الى التفريط فيها مقابل عشرة آلاف مثقال وغادرها مع عائلته وأمواله.
وكان لعبد العزيز اذاك ابن ما هو الّا صاحبنا عبد الله، ولا يذكر لنا أي مصدر تاريخ ولادة هذا الذي سيكنّى من بعد بأبي عبيد ولكن يمكن لنا أن نحاول ضبط هذا التاريخ ببعض الدقة.
يقترح قاينقوش في ترجمته لنفح الطيب للمقري «١» سنة ١٠٤٠ م (٤٣١- ٤٣٢ هـ) بدون أن يذكر المصادر التي يعتمدها ويشير بروكلمان إلى نفس السنة «٢» ويستحيل في رأينا قبول هذا التاريخ وذلك لعدّة أسباب.
ان ولد أبو عبيد سنة ٤٣٢/١٠٤٠ م فإن ذلك يقتضي أن يكون سنه حوالي ١١ سنة عندما أطردت عائلته من شلطيش الا أن ابن الأبار يتحدّث عنه وهو من «الفتيان بذ الأقران جمالا وبهاء وسرورا وأدبا ومعرفة» «٣» وهي تعابير يعسر اطلاقها على طفل في مثل تلك السن. هذا وتؤكد ترجمات البكري على انه توفي سنة ٤٨٧/١٠٩٤ «عن سن متقدمة» ولا تسمح ٥٤ سنة التي قد يكون عاشها ان افترضنا ولادته سنة ١٠٤٠ باعتباره قد توفي. «عن سنّ متقدّمة» حتّى في عهده.
يذكر لنا الفتح بن خاقان انه التقى به وهو ما زال غلاما والبكري إذ ذاك في سن الثمانين «٤» .
ويستنتج من كلّ هذا ان ولادة البكري يجب أن توضع حوالي سنة ٤٠٠/١٠١٠ أو بعد ذلك بقليل وانه كان له عندما غادر مسقط رأسه ٣٧ أو ٣٨ سنة.
1 / 9
ويوجد أيضا بعض الغموض حول المكان الذي انتقل اليه عبد العزيز وعائلته عندما خلعه المعتضد: فابن الأبار وابن عذارى «١» وغيرهما يذهبون الى أنه انتقل الى قرطبة ليضع نفسه تحت حماية أبي الوليد محمد بن جوهر حاكم المدينة. الّا أن ابن عذارى نفسه يرى في موضع آخر من كتابه «انه صيره الى اشبيلية وأجرى عليه الرزق الى أن مات» «٢» .
ومن العسير أن يفضّل المرء إحدى الروايتين عن الأخرى فهل يمكن التأليف بينهما بافتراض ان عبد العزيز قد أقام مدّة قصيرة باشبيلية ولما شعر بتغير موقف المعتضد إزاءه انتقل بعائلته الى قرطبة وعلى كل فإننا لا نجد أي حديث عن عبد العزيز بعد هذه الفترة ويمكن أن يفترض ان موته لم يتأخر كثيرا عن ذلك.
ولا نعلم كم بقي أبو عبيد بقرطبة وهل تركها في حياة والده أم بعد وفاته والذي لا شك فيه هو أنه بقي بما فيه الكفاية كي يواصل ثقافته الأدبية والعلمية فابن بشكوال يعلمنا أنه تابع دروس ابي مروان ودروس المؤرخ الكبير أبي حيان «٣» والمؤكد انه اتبع أيضا بقرطبة دروس أبي بكر المشعفي وابن عبد البرّ «٤» ولا يمكن أن نعرف أي تآليفه ألّف (ان كان قد ألف) مدة هذا المقام الأول بقرطبة لأن تواريخ تآليفه غير معروفة ولكن الكثير من القرائن تبين انه لم يكن عديم الشغل وان الكثير من تآليفه قد تكون ظهرت في تلك الفترة ويبدو حسب خبر لابن حيان نقله الفتح بن خاقان وحكاه أيضا ابن الأبار في شيء من الاحتراز «٥» ان البكري قد انتقل من بعد الى المرية بدعوة من أميرها محمد ابن معن ولا شك أن سبب هذه الدعوة كانت شهرة الرجل بصفته أديبا واستقبله حاكم المرية بترحاب وجعله من خلانه وانقسمت حياة أبي عبيد بين حياة البلاط والدراسة وتابع في المرية دروس العذري «٦» ولا يستبعد
1 / 10
أن يكون هذا الشيخ قد أثر في الاتجاه الذي ستتخذه دراسة تلميذه فلقد كان العذري جغرافيا وقد يكون جلب أبا عبيدة نحو هذه الوجهة فهل من الجرأة أن يفترض أن تأليفه لكتبه الجغرافية: معجم ما استعجم وكتاب المسالك والممالك يرجع إلى هذه الفترة ويتأكد هذا الافتراض أكثر إذا ما علمنا انه انتهى من تأليف الكتاب الثاني حوالي سنة ٤٦٠/١٠٥٨ اعتمادا على الكثير من الملاحظات المتناثرة التي وردت فيه.
ولم تكن حياة البكري بالمرية مضطربة حسب الظاهر فمترجموه لا يذكرون لنا أشياء عديدة تتعلق به وتراجمه مقتضبة أشدّ الاقتضاب لا يتجاوز غالبها بضعة أسطر.
وذهب البكري سنة ٤٧٨/١٠٨٥- ١٠٨٦ الى اشبيلية موفدا من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد عندما ذهب الى المغرب الأقصى يستنجد بعون المرابطين ضدّ التهديد النصراني «١» فهل بقي البكري باشبيلية أم رجع الى المرية. نحن مضطرّون مرة أخرى الى الافتراضات، ونجده من جديد سنة ٤٨٣/١٠٩٠- ١٠٩١ بقرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد احتلال المرابطين لها والراجح انه قضى بها بقية حياته بين الدراسة والحياة اللاهية مع أصدقائه وبها توفي أيضا ودفن بمقبرة أم سلامة.
تآليف البكري:
لم يتخصص البكري في أي فرع من فروع المعرفة الانسانية شأنه في ذلك شأن جلّ العلماء المسلمين في القرون الوسطى. لقد كان تكوين الرجل المثقف في تلك الفترة يشتمل دائما على دعامة متينة من العلوم الدينية، فقه، علوم قرآنية، علم كلام، ثم يأتي الأدب واللغة والفلسفة ومواد أخرى حسب الإمكانيات والأذواق الشخصية فلا غرابة إذن ان نجد ضمن تآليف البكري مصنفات تبحث في مواضيع مختلفة.
1 / 11
فالبكري لغوي وأديب قبل كلّ شيء رغم أنه اشتهر بصفته جغرافيا في المشرق والمغرب ويكفي للتفطن الى ذلك أن يستعرض القارئ عناوين الكتب التي تنسب اليه فالأدب له دور كبير في أكبر آثاره الجغرافية أما معجمه الجغرافي فهو كتاب لغة قبل كلّ شيء.
إن الكثير من تآليفه قد ضاعت ولا نعرف منها الّا العناوين، نكتفي إذن بتقديم قائمتها «١» (عدا شعره الذي لم تصلنا منه الا بعض الأبيات- وقيمتها هزيلة- المتناثرة خلال تراجمه) .
١) في اللغة والأدب:
- كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء- كتاب اشتقاق الأسماء- التنبيه على أغلاط أبي علي في أماليه- شفاء عليل العربية- كتاب صلة المفصول في شرح أبيات الغريب المصنف (لأبي عبيد القاسم بن سلام) - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (لابن سلام أيضا) .
- اللآلي في شرح أمالي القالي.
٢) الجغرافية
- معجم ما استعجم- كتاب المسالك والممالك
٣) موضوعات مختلفة
- اعلام نبوة نبينا محمّد- التدريب والتهذيب في دروب أحوال الحروب- كتاب النبات
1 / 12
المسالك والممالك:
- صيغة التأليف ومحتواه
مما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري. وهذا الكتاب لا يشبه أي كتاب آخر من نفس الفن رغم تداول هذا الاسم في الأدب العربي. فليس هو مجرد سرد للمسالك كما هو الشأن بالنسبة الى سميه كتاب ابن خرداذبه ولا هو مجموعة ملح وغرائب وأساطير بدون تنظيم «١» مثل كتاب البلدان لابن الفقيه ولا هو أيضا حوصلة لرحلات كاتبه مثلما هو الشأن بالنسبة الى المقدسي والاصطخري.
ولا يمكن لمسالك البكري أن يصنف في فن العجائب ولا في نوع كتب الهيئة وانما يجمع كتاب البكري كل ذلك فتتوالى فيه المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة.
ولا يوجد مع الأسف أي واحد من المخطوطات العشرة كاملا وحتى إذا ما أضفناها الى بعضها البعض فانها لا تسمح بالحصول على نسخة تامة وان بعض النقول التي أخذناها عن بعض المؤلفين الذين أتوا بعد البكري تهدف- كما سنبين ذلك- الى ابراز محتوى التأليف كما كانت عليه حالته الأصلية.
ويشتمل كتاب المسالك على قسمين متقاربي الحجم.
والراجح ان القسم الأول كان يحتوي مقدمة عامة أو تمهيدا يعتبر اليوم ضائعا ويستهلّ هذا القسم بمقدمة تاريخية طويلة تبدا بمبدأ الخلق وتتعرض لتاريخ الأنبياء من آدم إلى محمد (ص) .
ويتعلق الفصل الموالي بالمعتقدات الدينية وأوهام قدماء العرب يليه وصف لأهم الهياكل الدينية الموجودة أو التي وجدت عند أمم مختلفة: اليونان والرومان والفرس (معابد النار) والصقالبة والصينيون الخ ...
1 / 13
ويبدأ القسم الجغرافي الحقيقي بفصول عديدة في الجغرافية العامة:
الأراضي- البحار- الأنهار- الأقاليم السبعة.
ويستعرض المؤلف بعد ذلك البحار السبعة وأهمّ الأنهار، وبعنوان: ابتداء الممالك نبدأ في القسم الذي تسمّى به كل الكتاب ويتمثل في وصف العالم بلدا بلدا وجهة جهة ومدينة مدينة. ونجد دائما نفس التخطيط: مقدّمة تاريخية- وصف عام للبلاد والسكان والمنتوجات وصف للمسالك (وهذا القسم ضائع في الكثير من الأحيان مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الأندلس) ووصف للبلدان مع قسم تاريخي في الغالب، ويتخلّل كل ذلك بعض الحكايات الغريبة تتصل بأدب العجائب.
والتدرج العام ينطلق من المشرق الى المغرب ويبدأ بالهند فالصين فالترك ثمّ ينتقل الى الشام والتبت والسند ويخصص للفرس فصلا كبيرا مقسما الى قسمين يتعلق الأول بالعائلة المالكة الأولى والثاني بالثانية. ويتبع ذلك بصورة منطقية تاريخ الاسكندر الأكبر ثمّ تاريخ ملوك الاغريق بمصر والشام وتاريخ الروم ويلي ذلك ملوك السودان ثمّ البربر وبلاد واحات افريقيا ثمّ أوروبا فيتحدّث البكري عن الصقالبة والافرنج والجلالقة والنورمان ويختم بفصل عن الأكراد.
ويتعلّق كلّ ما سبق بغير العرب ويبدأ القسم الخاص بهؤلاء بتاريخ ممالك العرب القدامى في اليمن والحيرة. ويلي ذلك وصف الجزيرة العربية بصفة اجمالية ثم جهة جهة بداية باليمن. وفي هذا القسم يخصص المؤلف فصلا طويلا لمكة، المدينة المقدسة، تاريخها وأماكنها المقدّسة والجبال التي تحيط بها، ونجد تحاليل متشابهة بالنسبة الى يثرب أو المدينة وينتهي هذا القسم: بالطريق من مدينة النبي الى مصر.
ويبدأ في العراق أيضا بوصف العراق وأهم مدنه وهنا يختلط الترتيب شيئا ما فنرجع الى المشرق بعد العراق: الى فارس أولا ثم الى بابل فخراسان ونواحيها ثمّ الى ما وراء النهر.
ونجد في آخر الجزء الأول بعض المقالات عن بعض الشعوب التركية:
لبجاناكية والخزر والمجغر وبلاد سرير وبرداس وبرجان ويقدم لنا أحد المخطوطات فهرس الفصول انطلاقا من ملوك الحيرة إلى آخر الجزء وكأنه يتمّم فهرسا آخر من
1 / 14
المفروض انه مسح الجزء الأول وهذا الفهرس بخط مخالف لخط المخطوط ويمكن أن نتساءل هل انه يرجع للبكري أم أنه من إضافات بعض النساخ.
ويبدأ القسم الثاني بوصف حائط ياجوج وماجوج ورحلة سلام الترجمان. ثمّ يرجع المؤلف الى الشرق الأوسط ويقدم لنا معلومات عن العواصم وعن الشام نفسه بمدنه الرئيسية: دمشق، حمص، انطاكية الخ ... ثمّ يتحدّث عن فلسطين ويأتي بوصف طويل لبيت المقدس. وتتواصل الرحلة في بلاد الروم: مدينة رومة وجزر البحر الأبيض المتوسط وبعض جهات جنوب شرقي أوروبا: طراقية، وطشالية، ومقدونية، وبلاد الانقلش، وينتهي هذا القسم بوصف بلاد الروس.
ثمّ يضمّن المؤلف بعض الفصول التي ليست لها صلة ظاهرة بما يحيط بها وتأتي في مرتبة أولى خصائص عدد من البلاد مثل الشام والعراق ومصر ثم تعداد لكلّ البلاد تقريبا مع ذكر مساحاتها ثمّ يستعرض بتفصيل كل مناطق أرنشهر وينتهي بحساب خراج تلك الجهات.
وتتواصل بعد هذا الانقطاع الرحلة نحو المغرب بفصل طويل عن مصر ينتقل فيه المؤلف من وصف البلاد عامة مع ذكر بعض الخصائص، الى استعراض تاريخها حتّى الفتح الاسلامي. ويعير القسم المخصص للتاريخ القديم قيمة كبرى للعجائب.
ويلي وصف مصر قائمة كور البلاد ثمّ يهتم الكاتب بصفة خاصة ببعض المدن وبعض المسالك وينتهي الفصل بوصف الاسكندرية، وتستأثر المنارة باهتمام كبير.
ويقودنا طريق الاسكندرية- افريقية الى شمال افريقيا، وتتوالى المعلومات عن المسالك ووصف المدن بشيء من التطويل أو التقصير ونجد تحليلات تاريخية طويلة عن الأدارسة وبرغواطة والمرابطين. إنها نفس الطريقة المتبعة بالنسبة الى المشرق.
وعند وصولنا الى أقصى الجنوب المغربي (سجلماسة- أغمات) نتجه الى الجنوب ونخترق الصحراء ونزور بلاد السودان: غانة ومالي الخ ...
ويهتم القسم الأخير من الكتاب بأوروبا الغربية ويبدأ بوصف عام للأندلس ثمّ لتقسيماته فجباله فخصائصه ثمّ تستعرض بعض المدن بداية من قرطبة واشبيلية وتتبع ذلك مقالات عن جليقة وبلاد الافرنج البوتونيين ومن المؤسف انه لم تحفظ الا أجزاء
1 / 15
من هذا القسم الأخير وكما سنذكر ذلك من بعد فإنه من الممكن أن نتمم العديد من ثغرات مسالك البكري باستغلال محكم لكتاب الحميري: الروض المعطار ولكن ذلك لا يسمح لنا بترميم مرضي إذ أن صاحب الروض قد جزأ أوصاف المدن لكي يرتبها ترتيبا أبجديا أما الاطار الذي كانت تندرج فيه أي المسالك فإنه قد ضاع نهائيا اللهم إلّا إذا ما عثرنا على نسخ جديدة من كتاب البكري.
المصادر:
نستنتج مما سبق أن عديد المعلومات الجغرافية والتاريخية والأتنوغرافية والاقتصادية قد تراكمت في كتاب المسالك وان تلك المعلومات تتعلق بكلّ العالم المعروف لدى العرب في تلك الفترة. ان هذا الثراء لا يجب أن ينسينا عيب الكتاب الأكبر: البكري لا يحدثنا أبدا عما يشاهده بنفسه وليست له تجربة مباشرة تتعلق بالبلاد التي يصفها وذلك خلافا لأبرز سابقيه من أعلام العصر الكلاسيكي المشرقي أمثال: ابن حوقل والاصطخري والمسعودي ولا يستنتج من أي ترجمة من تراجم البكري انه غادر وطنه بل ان حياته في ذلك الوطن قد انحصرت في رقعة ضيقة بين ولبة واشبيلية وقرطبة والمرية. فلقد كان مضطرا إذن لكي يؤلف كتابه أن يراجع مصادر. نعم لقد كانت تآليف سابقة في متناوله الّا أن ما ينتج عن ذلك هو ان العالم الذي نتصوره من خلال قراءة مسالك البكري ليس عالم القرن ٥ هـ/ ١١ م بل هو عالم أسبق بقرن أو قرنين الّا إذا تعلق الأمر بمعلومات استقاها البكري مباشرة من رحالة عرفهم أو من مصادر معاصرة له على أن هذه الحالات قليلة وتنحصر في بعض التحليلات المتعلقة بالمغرب والسودان «١» . وبالنسبة إلى ما عدا ذلك فإن البكري اقتبس من مصادر مكتوبة تاريخية وجغرافية وأدبية يمكن أن يفترض أنه كان يمتلكها بصورة شخصية إذ من المعروف عنه انه كان يحب الكتب ويروى عنه انه كان يلفها في «سباني الشرب وغيرها اكراما لها» «٢» وأدّى هذا المنهج الى نتيجتين: واحدة ايجابية والثانية سلبية. أما النتيجة الايجابية فإن كتاب المسالك يشترك فيها مع الكتب الأخرى التي تعتمد النقل وتتعلق
1 / 16
بحفظ كتب كادت تتلاشى تماما لولا تلك الطريقة ونذكر هنا مثال ابراهيم بن يعقوب الطرطوشي. أما الناحية السلبية فتتمثل في انعدام الطرافة فأغلب نصّ المسالك الحالي معروف من مصادر أخرى ونجد غالبه في طبعات المسعودي وابن رسته وابن عبد الحكم والطبري ...
وينتج عن المنهج النقلي عيب آخر: فلقد تمنّى لفي بروفنصال في المقال الذي خصصه للبكري في دائرة المعارف الاسلامية «١» لو يقع القيام بدراسة لغته حتّى تستخرج جدولا للألفاظ المستعملة والتي فيها تأثير للغة الأندلسية. ونحن لا نعتقد ان مثل هذه الدراسة يمكن أن تؤدي الى نتائج ايجابية اذ من المحتمل أن نجد تلك التأثيرات عندما يستعمل المؤلف مصادر أندلسية الا أنها تبقى لغة المصادر لا لغة البكري وان ملاحظات المؤلف الخاصة من الندرة بحيث يعسر استخلاص نتائج مقنعة.
ويصرح البكري في الغالب بالمصادر التي يستعملها الى حدّ أنه من الميسور اعداد قائمة في مؤلفيه المفضلين والدراسة المدققة للمسالك تبين لنا منهجه في استعمال مصادره: انه في بعض الأحيان يذكرها حرفيا ويستشهد حتّى بالصفحات العديدة لكنه في الغالب يحوصلها ويمزج بينها فيخرج منها نص مؤلف تأليفا جديدا ويسبب هذا المنهج بعض المشاكل لدى تحقيق النص سنلمح اليها من بعد.
ومن المفروغ منه أن تنوع المواضيع المطروقة وكثرة البلاد الموصوفة تجعل الناقل يتخلّى مؤقتا عن هذا المصدر أو ذاك وقد يرجع اليه من بعد. وبعض المصادر مستغلة استغلالا مطولا وبعضها مقتبس منها اقتباسات متواضعة تحوم حول مواضيع محددة ومن المستحيل تفصيل القول في هذا الموضوع في اطار هذه المقدمة ويعسر ذكر المصدر بالنسبة إلى كل فصل وكلّ فقرة فنكتفي اذن بذكر الخطوط العامة.
إن لكتاب المسالك خصائص مميزة تجعل المعلومات الجغرافية دائمة الامتزاج بالمعلومات ذات الصبغة التاريخية لذا ارتأينا أن نعرض المصادر الجغرافية منفصلة عن المصادر التاريخية رغم ان خصائص هذه التآليف التي نجد فيها مواضيع متنافرة لا
1 / 17
تجعل من هذا التمييز أمرا ميسورا. فإننا رأينا من المفيد أن نلتجئ إلى هذا التمييز حتّى ندرس الموضوع دراسة أولية.
الف) المصادر التاريخية
يعترضنا اسم الطبري منذ الأسطر الأولى لكتاب المسالك وسيتكرر ذكره خلال القسم الأول خاصة في الفصل المتعلّق بالأنبياء وملوك الفرس وملوك اليمن وسنجد الاسم أيضا في فقرات متعددة مخصصة لمدن أو بلاد مثل كرمان والمدائن. ونجد أمثال هذه الاستشهادات في حوالي ١٣٠ فقرة وتبدأ باحدى العبارات التالية:
الطبري- أبو جعفر- محمد بن جرير- أو بحرف: ط فقط «١» .
ويستشهد بمؤلف آخر مشهور- هو المسعودي- أكثر من الاستشهاد بالطبري.
وهما بالتداول مصدرا الحديث عن تاريخ الأنبياء وملوك اليمن. والمسعودي هو المصدر الأساسي في العديد من الفقرات التي تتناول البحار والأنهار وتاريخ ملوك الحيرة وأهل الشام والنبطيين والأكراد والسودان وتاريخ مصر القديمة. وكل الفصل المتعلق بمعتقدات العرب مقتبس مباشرة من المروج وكذلك الأمر بالنسبة الى ملوك مصر اليونانيين وملوك الروم الأولين وبعض الفقرات المتعلقة بالصقالبة وشعوب القوقاز، وفي الجملة فإن حوالي ٣٣٠ فقرة تعدّ مقتبسة من المسعودي بصورة موجزة، وعندما يذكر المسعودي صراحة فإنه يذكره بالصيغ التالية: المسعودي أو أبو الحسن أو بحرف س «٢» .
وبالاضافة الى هذين المصدرين الأساسيين فإن البكري يستعمل عديد المصادر الأخرى في فصل معين أو مسألة مخصصة فلقد استشهد بكتاب المعارف لابن قتيبة حوالي عشرين مرة في الفصل المتعلّق بالأنبياء ويرمز اليه عندما يذكره بحرف:
ق «٣» ويستشهد في نفس هذا الفصل بالقرظي «٤» أو بأبي حفص القرظي «٥»
1 / 18
والتأليف الذي يذكر في المرة الأولى هو التاريخ وفي المرة الثانية هو: الديوان. ويشير فؤاد سيزكين «١» إلى تفسير لا نعرف عنه شيئا يذكر منسوبا إلى محمد بن كعب القرطبي فيمكن أن نتساءل هل ان المقصود هو نفس الشخص وهل ان التأليفين المذكورين هما لمؤلف واحد أم لا؟.
ونجد في نفس الفصل المخصص للأنبياء ذكرا لشخص يسمى القوطي «٢» .
ويختفي في الحقيقة وراء هذه النسبة المؤرخ بولس أوروزيوس Orosius Paul الذي ألف كتابه «سبعة كتب تاريخية ضدّ الوثنية» بطلب من القديس أغوستينيوس Augustin Saint +ونحن نعلم ان كتاب هذا الراهب الأندلسي قد ترجم الى العربية في البلاط الأموي بقرطبة وعلى الراجح في عهد عبد الرحمن الثالث «٣» . وبرجوعنا الى المخطوط الوحيد المعروف من هذه الترجمة والمحفوظ في جامعة كولبيا بنييورك أمكن العثور على الفقرات التي استشهد بها البكري في صيغتها الحرفية تقريبا واقتبس البكري من أوروزيوس أيضا في تحريره للفصول المتعلقة بالاسكندر الأكبر ومن تولى بعده وبأباطرة الرومان (الفقرة رقم ٤٦٨ وما تلاها) وقد تمكنا في هذا المضمار أيضا من العثور على عديد الاستشهادات الحرفية. ويستشهد البكري في القسم الأول من المسالك بمؤلف آخر يتردد اسمه بكثرة في تاريخ مصر القديمة ويسمى الوصيفي وكثيرا ما يكتب اسمه الوصفي «٤» . والراجح أن هذا الشخص هو إبراهيم وصيف شاه صاحب كتاب العجائب الذي ترجمه كارادي فو. أما النص العربي فإن ناشره نسبه خطأ إلى المسعودي بعنوان أخبار الزمان «٥» .
وقد وجدنا استشهادا منسوبا صراحة إلى صاحب كتاب العجائب (انظر الفقرة ٣١١) في الطبعة الثانية للنص العربي ص ص ٤٥- ٤٦. وقد لاحظنا هذه الاقتباسات على الأقل بالنسبة إلى ١٢٠ فقرة من المسالك خاصة الفقرات ٣٠٤- ٣٢٨
1 / 19
و٩١٤- ٩٩١. الّا أن نص البكري هو في الغالب أطول من نص واصف شاه مما يجعلنا نفترض انه كان بين يدي البكري النص الكامل وان ما وصلنا هو مختصر.
وبالنسبة إلى تاريخ مكة في الجاهلية فإن البكري يعتمد كثيرا أخبار مكة للأزرقي وتتعلّق الاقتباسات خاصة بالفقرات ٦٤٦- ٦٧٦ والتعرف على مصادر البكري بالنسبة إلى القسم المتعلق بالمدينة أعسر، فكثير من الفقرات نجدها في كتابي السمهودي: وفاء الوفاء في أخبار دار المصطفى. وخلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى فالراجح اذن ان البكري والسمهودي قد اعتمدا نفس المصادر خاصة ابن زبالة (القرن ٢/٨ م) .
ويمكن أن نلاحظ نفس الملاحظة بالنسبة الى وصف بيت المقدس وتاريخها ففي المسالك الكثير من الفقرات المشابهة لما ورد في كتاب: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجيز الدين (٨٦٠/١٤٥٦- ٩٢٨/١٥٢٢) .
ويعتمد البكري في جزء كبير من تاريخه لفتح مصر (الفقرات ٩٩٢- ١٠١٤) وفي بعض ما يتعلق بفتح المغرب (الفقرة ١٠٩٣ وما يليها) على ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر وأخبارها.
أما المقال الموجز المخصص لمدينة البصرة فإنه مستمدّ مباشرة من فتوح البلدان للبلاذري (الفقرة ٧٣٠) ونجد استشهادا واحدا من كتاب يغتبر الآن مفقودا هو تاريخ ابن خرداذبه (الفقرة ١٣٢) وسنعود أسفله إلى هذا المؤلف وتأليفه الجغرافي.
ويعتبر كتاب المسالك والممالك لمحمد بن يوسف الوراق أحد مصادر البكري الأساسية بالنسبة الى كلّ ما يتعلّق بالمغرب سواء كان مادة تاريخية أو جغرافية ويذكر الوراق عادة باسم محمد بن يوسف «١» .
لقد سبق لنا أن أشرنا الى أن البكري لم يسافر قط وان أفقه بقي محدودا لا يتجاوز جهته وإنه التجأ إلى المصادر المكتوبة عوضا عن تجربته المباشرة حتى بالنسبة إلى وصف الأندلس. إن مخبره الأساسي سواء بالنسبة إلى المادة التاريخية أو الجغرافية هو أحمد بن محمد الرازي المؤرخ والجغرافي الأندلسي الكبير الذي يعتمده كل المؤلفين
1 / 20
الموالين لكن من العسير أن نتبين هل انه استعمله مباشرة أم عن طريق شيخه العذري.
ولنذكر في نهاية حديثنا عن المصادر التاريخية رأى لفي بروفنصال القائل إن البكري قد اعتمد بقرطبة على وثائق الأرشيف الرسمي «١» لكتابة بعض الفصول خاصة منها المتعلقة بالأدارسة وبرغواطة. ان الأمر راجح لكن لا يمكن أن نتجاوز الترجيح طالما لم نعثر على معطيات اضافية.
ب) المصادر الجغرافية
لقد أشرنا الى العديد من المؤلفين والكتب خلال عرضنا للمصادر التاريخية فلن نعود الى ذلك هنا وينطبق الأمر على ابراهيم وصيف شاه وعلى مروج المسعودي ويذكر البكري مرة على الأقل كتابا آخر من كتب المسعودي هو: التنبيه والاشراف: (الفقرة ٣٤٢) .
ويعتمد البكري مؤلفين آخرين سبق أن ذكرناهم وهم الأزرقي بالنسبة الى القسم المتعلق بوصف مكة وجهاتها وابن زبالة بالنسبة الى المدينة أما فيما يتعلق بجغرافية شمال افريقيا والأندلس فإننا نجد مرّة أخرى أبا يوسف الوراق والرازي.
وبالاضافة الى هؤلاء المؤلفين الذين سبق أن قدمناهم يستمدّ البكري جانبا هاما من معلوماته من جغرافيين بأتم معنى الكلمة: ويجدر بنا أن نذكر في البداية ابن رسته وكتابه الاعلاق النفيسة الذي يمثل بدون أي شك مصدرا هاما للمسالك خاصة في قسمه الأول ويرمز اليه عادة في الاستشهادات بحرف د «٢» وهو أمر غريب حتى أن ناشره الأول كولسن قد قرأ اسمه ابن دستة «٣» ونحن مدينون له بالفصول المتعلقة بالأرضين والأنهار والبحار والبيوت المعظمة في الجاهلية بمكة والمدينة وأقسام أرنشهر وكذلك وصف بعض جهات الهند وفقرات تتصل بشعوب أوروبا مثل وصف القسطنطينية ورومة وتعاليق تهم الصقالبة والبلغار.. وفي الجملة فإن حوالي ٦٠ فقرة ترجع كلها أو في جزء منها الى هذا المؤلف.
1 / 21
ونجد من بين الجغرافيين الكلاسيكيين ابن خرداذبه وقد ذكر البكري كتابه المسالك والممالك عديد المرات «١» لكن بعض الاشارات تبين انه لا يقتبس منه مباشرة ولكن من خلال ابن رستة.
ويعتمد البكري على الاصطخري وابن حوقل في بعض التفاصيل المتعلّقة بالسند وكرمان وخراسان «٢» ويحيل مرات عديدة على شخص اسمه الجيهاني (فقرات ١٩٠- ٣٦٣- ٣٦٨ ...) ونحن نعرف ان جغرافيا- يحمل هذا الاسم- قد ألف في القرن الرابع هـ/ العاشر م كتاب المسالك والممالك لا نعلم عنه الا بعض الاستشهادات حفظها مؤلفون متأخرون عنه «٣» ويسمى هذا الجغرافي عادة: أبو عبد الله محمد بن أحمد بينما يذكره البكري مرّة (الفقرة ١٩٠) في شيء من الدقّة فيسميه أبا نصر سعيد بن غالب الجيهاني. وعلى كلّ فإن بعض الاستشهادات توجد عند ابن رسته ولنترك جانبا مشكل العلاقة بين ابن رستة وابن خرداذبة والجيهاني «٤» ولنتساءل هل أن البكري رجع مباشرة الى المصدر أم اقتبس من خلال كتاب آخر وهذه بعض معطيات تسمح باجابة أولية: يذكر البكري الجيهاني على الأقل مرّة واحدة من خلال مصدر آخر يسميه أحمد «٥» فمن المقصود؟ نعلم أن ابن رستة اسمه أحمد ولكن البكري لا يسميه بهذا الاسم قط في المواضع الأخرى فمن المستبعد اذن أن يكون صاحب الاعلاق النفيسة. ويعرف البكري حقّ المعرفة شخصا آخر اسمه أحمد هو العذري شيخه بالمرية فهل من المجازفة أن نفترض أن البكري قد تعرف على الجيهاني من خلال تأليف شيخه الذي يسمى هو أيضا المسالك والممالك؟
ومن المرجح أيضا أن حكاية ابراهيم بن يعقوب التي يذكرها البكري مستمدة من تآليف العذري ومن غير المستبعد أن تكون الكثير من المعلومات التي يوردها، بدون ذكر مصدر، مستمدة من نفس الأصل فيكون العذري بهذه الصورة من
1 / 22
مصادر كتاب المسالك الأساسية خاصة فيما يتعلق بأوروبا (مجدونية وطشالية وطراقية الخ..) والبحر الأبيض المتوسط ورومة ...
وفي الختام يبدو لنا أنه توجد آثار كتاب البلدان لليعقوبي (مثلا في جزء كبير من الأخبار المتعلقة ببغداد) وبعض الاستشهادات من ابن الفقيه ومن كتاب الأمصار للجاحظ ولئن لم تكن هذه اللمحة عن مصادر البكري شاملة فانها تقدم لنا فكرة عن تنوع المادة التي تمكن من جمعها لتأليف كتابه الرئيسي هذا.
المخطوطات
إن عدد مخطوطات المسالك المعروفة إلى يومنا هذا عشرة وهي موزعة في مكتبات مختلفة بالمشرق والمغرب ولا يوجد أي مخطوط بخط المؤلف أو يرجع إلى نسخته بالاضافة إلى أن جلّ هذه المخطوطات مبتوره سواء من البداية أو النهاية مما يجعل تأريخها عسيرا. على أننا نعلم أن إحداها متأخرة نسخت في القرن التاسع عشر وان اثنتين مؤرختين وهما مخطوطتا استنبول. ولا تقدم لنا أية مخطوطة من هذه المخطوطات النص كاملا فهي مقتطفات تختلف طولا وقصرا وتتكامل جزئيا ولكنها إذا ما رتبت لا توفر النص كاملا ولزيادة الايضاح فاننا نقدم في أواخر هذه المقدمة جدولا مختزلا يسمح بالتعرف على مادة كل مخطوط وترتيبها وتبين ما تشترك فيه بعض المخطوطات ولقد استعملنا كل هذه المخطوطات لاعداد هذا التحقيق وهذه قائمتها:
١) ل: مخطوط مكتبة الآلي باستنبول رقم ٢١٤٤ ٢) ن: مخطوط مكتبة نور عثمانية باستنبول رقم ٣٠٣٤ ٣) ب: مخطوط المكتبة الوطنية بباريس رقم ٥٩٠٥ ٤) م: مخطوط مكتبة الأكاديمية الملكية بمدريد مجموعة قاينقوس رقم ١٣ ٥) ق: مخطوط مكتبة القرويين بفاس رقم ل ٣٩٠/٨٠ ٦) ر: مخطوط المكتبة الوطنية بالرباط رقم ق ٤٨٨ ٧) س: مخطوط المكتبة الوطنية بباريس رقم ٢٢١٨ ٨) ص: مخطوط المتحف البريطاني بلندن رقم ٩٥٧٧.
٩) ط: مخطوط مكتبة الاسكوريال مدريد رقم ١٦٢٥ ١٠) ج: مخطوط المكتبة الوطنية بالجزائر رقم ١٥٤٨
1 / 23