وإني ليؤسفني أنكم لاحظتم في كتابي الأخير، وحديثي عن قضية الحدود شيئا من الفتور والتردد، مع أني لم أقصد ذلك، بل كنت أود أن أقول: إن الوقت لم يحن بعد للبحث فيها بحثا مثمرا.
وقد أدركت من كتابكم الأخير أنكم تعلقون أهمية كبرى على قضية الحدود ، وأنكم تعتبرونها من المسائل الحيوية، فأرسلت مضمون كتابكم إلى الحكومة البريطانية. وإني ليسرني أن أرسل إليكم البيانات التي أثق كل الثقة بأنها ستفوز برضاكم ، إن سنجق مرسين والإسكندرونة، وبعض الأقسام السورية في غرب سناجق دمشق، وحمص وحماة وحلب لا يمكن أن يقال عنها: إنها عربية محضة، ولذلك يجب أن تستثنى من الحدود المقترحة. ونحن نوافق على الحدود مع التعديلات المشار إليها أعلاه، على ألا تنقض شيئا من معاهداتنا الخالية مع الزعماء العرب. أما الأراضي التي تستطيع إنجلترا العمل فيها بملء الحرية ودون أن توقع ضررا بمصالح فرنسا، فقد خولت باسم حكومة بريطانيا العظمى أن أعطيكم التأكيدات بشأنها، وأن أجيب على كتابكم بما يأتي:
إن إنجلترا مستعدة - على أساس التعديلات المشار إليها أعلاه - أن تعترف باستقلال العرب ضمن البلاد الداخلة، في الحدود، والتخوم التي اقترحها شريف مكة، وأن تؤيد هذا الاستقلال، وتضمن بريطانيا العظمى حماية الأراضي المقدسة من كل اعتداء خارجي، وتعترف بأنها مصونة من كل تعد ...
وتقدم بريطانيا إرشادها للعرب عندما تسمح الحالة بذلك، وتساعدهم على تأليف شكل الحكومة التي يلوح أنها أفضل الأشكال، في مختلف البلاد العربية المذكورة ... إلخ.
ثم تبودلت كتب أخرى بين الطرفين، تؤيد هذا الخطاب الأخير، وتثبت أن الشريف الحسين نظرا لحالة الحرب وويلاتها ترك التمسك بما تشبثت به فرنسا مؤقتا، مع احتفاظه بالعودة إلى المناقشة فيه بعد الحرب.
ونظرا إلى أن جميع هذه المكاتبات، وأخصها كتاب السير ماكماهون المؤرخ في 24 أكتوبر سنة 1915م تثبت بأجلى وضوح اعتراف ممثل الحكومة البريطانية باستقلال الدولة العربية، في الحدود التي وضعها الشريف الحسين - ممثل العرب - ومنها فلسطين، ولم يخرج منها سوى البلاد المستثناة، وليس شيء منها في فلسطين، وترتب على هذا الاعتراف، والتعهد من جانب الحكومة الإنجليزية بالدفاع عن هذا الاستقلال أن أعلن العرب الثورة على حكومتهم، وعلى سلطانهم، وعلى خليفة المسلمين، ابتغاء نوال استقلالهم، ودخلوا في الحرب، ومنهم الفلسطينيون حلفاء للإنجليز وشركائهم، حتى أحرز الجميع النصر، وأصبح بذلك استقلال البلاد العربية نتيجة طبيعية للفوز في هذا الكفاح. لكن الحكومة الإنجليزية بلسان وزيرها المستر بلفور وجهت إلى اللورد روتشيلد تصريحا نشرته في 2 نوفمبر سنة 1917م بما يأتي:
إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية. على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية، المقيمة الآن في فلسطين، ولا بالحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
ويرى المؤتمر أن هذا التصريح باطل من أساسه، للأسباب الآتية:
أولا:
أنه افتئات على حقوق العرب الذين نالوا استقلالهم، بحكم التحالف أو الفوز في الحروب، وصادر ممن لا يملك إعطاءه. وما كان العرب ليخوضوا غمار الحرب ضد سلطانهم وخليفتهم، وينضموا إلى خصومه، لو لم تتعهد لهم إنجلترا بتأييد هذا الاستقلال، وبعدم المساس به، ولم يكن من المعقول أن يضحي العرب بدمائهم في محاربة الدولة العثمانية، ليقعوا تحت سيادة اليهود.
Bilinmeyen sayfa