على أنه وسط الاضطهاد المشار إليه، كان هناك بين اليهود من يعدون أنفسهم أسمى وأرقى من جيرانهم من ناحية أنهم موحدون للإله، ومنكرون لكل عبادة للأصنام وما يماثلها، وأن دينهم يدعو إلى الأخوة والكرم والبر وإلغاء العبودية والتعليم العام والنظافة والطهر كغسل اليديد عند تناول الطعام، كما أنه كان بين الأمراء المسيحيين من لم يكن يعرف كتابة اسمه (راجع كتاب تاريخ اليهود تأليف بون جودمان ص105 وما قبلها وما بعدها).
وقد كان الكاهن أو القسيس اليهودي
Rabbi
يعلم الناس بالمجان، وكان المعبد اليهودي مدرسة، وهذا منذ كان واجبا تعلم التوراة، وكان ما يتناوله المعوز اليهودي لا يعد صدقة بل حقا، وكان اليهودي - مهما حقر مركزه - يعد ضيفا حين ينزل بدار يهودي آخر ليس بينهما تعارف، وكان اليهود يدفع بعضهم عن بعضهم الآخر الفدية إذا ما أسر أناس منهم.
وكان من جراء تقييد إقامة اليهود في حي واحد، أن أصبحوا داخل هذا الحي كالأسرة الواحدة، يعمل كل فرد منها لمصلحة أفرادها دون أن يحفلوا بالشئون العامة؛ إذ كان محرما عليهم التعرض لها والخوض فيها.
وكان لليهود داخل أحيائهم «فهر»، بضم فسكون، وهو موضع مدراس اليهود يجتمعون فيه للصلاة، قال أبو عبيد: هي كلمة نبطية أو عبرانية وأصلها بهر فعربت بالفاء.
وكان يهود الحبشة يسمون الفلاشة من كلمة فلاس الحبشية، ومعناها غريب، وعددهم بين 100 ألف و150 ألفا سمر البشرة إلى سواد في عزلة في قرى خاصة، وكان عليهم ملك سقط ملكه في سنة 1880م، وهم يدعون النسب إلى داود، ويحترفون الزراعة والنسيج والفخار والحدادة والبناء. وهم ذوو أنفة، لا يتزوجون من غير جنسهم، متدينون، يصومون يومين في الأسبوع وأربعين يوما قبل عيد الفصح، ويحافظون على يوم السبت، والحكم عندهم بثبوت زنا المرأة حكم عليها بأن تمشي عارية على نار مشبوبة.
الفصل الحادي عشر
تفوق اليهود في التجارة والمال واضطهادهم
ذكرنا قبلا أن اليهود سكنوا فلسطين حول 1100ق.م، وأنهم اتحدوا تحت لواء الملك داود، وهزموا السكان الأصليين في فلسطين، ثم قام بعده الملك سليمان الذي انتهى عهده حول 930ق.م، وأن سليمان قد بنى الهيكل، وأن دولتهم انقسمت بعده قسمين: مملكة إسرائيل، ومملكة يهوذا، وأن الأولى اندمجت في إمبراطورية آشور بين 721 و715ق.م، وأن الثانية دانت بالولاء لإمبراطورية آشور، وأنه في 588ق.م قام بختنصر ملك بابل التي حلت محل الإمبراطورية الآشورية، فضم مملكة يهوذا إلى مملكته ونهب القدس، ودمرها كما دمر الهيكل، ونفى اليهود إلى منطقة بابل في الفرات، ثم إنه في 536ق.م احتل قورش - مؤسس إمبراطورية الفرس - بابل، ورخص لليهود بالعودة إلى فلسطين، فعاد بعضهم دون البعض الآخر ورخص لهم في إعادة بناء الهيكل، ثم خضع اليهود بعد أكثر من قرنين لحكم البطالسة - خلفاء الإسكندر - وفي 63ق.م اكتسح الرومان القدس، وأصبح اليهود تحت حكم الدولة الرومانية إلى 70 ميلادية؛ إذ دمر «طيطوس» «بيت المقدس» محرقا الهيكل على أثر ثورة قام بها اليهود.
Bilinmeyen sayfa