32
24 (6) من الأحق بفلسطين العرب أم اليهود؟«مناقشة بين العالمين: حتى وآنشتين»
أولهما الدكتور فيليب حتى؛ لبناني عربي متجنس بالأمريكية، وثانيهما العلامة آنشتين؛ من أصل ألماني ومقيم في أمريكا الآن. وقد أدلى الدكتور فيليب حتى الأستاذ بجامعة برنسون ببيان إلى لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي يبسط فيه وجهات نظر العالم العربي والإسلامي في المسألة الصهيونية ردا على اقتراح عرض على اللجنة مفاده أن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تتخذ التدابير اللازمة لفتح أبواب فلسطين في وجه اليهود. وقد نشر هذا البيان في جريدة أمريكية وهذه خلاصته:
وقد نشرت مجلة «المصور» في 14 يوليو سنة 1944م رأي الدكتور فيليب حتى قال: إن التفكير في إنشاء دولة يهودية في فلسطين حركة مفتعلة تستند إلى أموال دولية. بيد أنه لا رجاء في نجاحها أو تحقيقها. وهي تبدو كمغالطة تاريخية، لا في نظر الخمسين مليونا من العرب فحسب - وأكثرهم من سلالة الكنعانيين الذين نزحوا إلى البلاد قبل أن تطأ أقدام العبرانيين أرض فلسطين بزمان طويل - وإنما في نظر العالم الإسلامي بأسره.
والمجتمع الإسلامي مجتمع قوي عزيز الجانب يبلغ عدد أفراده زهاء 275 مليون نسمة، يقيمون في رقعة متسعة مترامية الأطراف من القارتين الأفريقية والآسيوية. فلو حدث أن تحقق البرنامج السياسي لأنصار الصهيونية ودعاتها بفضل معاونة بريطانيا وأمريكا، فكيف يتسنى لدولة يهودية أن تبقى وتعمر وسط العالم الإسلامي في جو مشبع - باعتبار ما سيكون - بالنفور والعداء؟ وليكن معلوما أنه لم يحدث قط أن اتحدت آراء العرب والمسلمين وأجمع الكل على سياسة واحدة إزاء مشكلة من المشكلات مثل هذا الاتحاد والإجماع. فقد توالت الاحتجاجات من جميع البلدان الإسلامية من مراكش حتى شبه جزيرة الملايو ضد الصهيونية، وقرر الجميع وجوب وقفها عند حدها. •••
لقد كانت القدس القبلة الأولى التي يمم المصلون المسلمون وجوههم شطرها قبل أن يولوا وجوههم صوب مكة، فالقدس في نظر المسلم «الحرم» الثالث الذي يلي مكة والمدينة في المنزلة، وهبها المولى عز وجل للمسلمين المجاهدين. لذلك كان تخليهم عن حقوقهم في فلسطين تهاونا في عقيدتهم، وإخلالا بأحكام دينهم. ثم إن بيت المقدس أكثر قدسية عند المسيحيين الذين يبلغ عدد المتوطنين منهم في فلسطين قرابة 130 ألف نسمة.
وهذه المقاومة العنيفة للحركة الصهيونية من جانب العرب لا تعني عداء لليهود، ولا تنطوي على بغض للجنس السامي أو تحامل عليه، فهم يعلمون أنهم ساميون مثلهم، وأن بين اليهودية والإسلام علاقة متينة تكاد تكون أقوى من علاقة كل منهما بالمسيحية. كما أن اليهود لم يحظوا في العصور الوسطى أو الحديثة بمعاملة أفضل مما لاقوه في البلاد العربية الإسلامية. •••
إن العرب والمسلمين عاجزون عن معرفة الأسباب التي من أجلها يتحتم أن تحل مشكلة اليهود على حسابهم! إن قلوبهم تخفق بالعطف على اليهود المضطهدين، ولكنهم لا يدركون لماذا لم يرفع المشرع الأمريكي - وقد وقف مناصرا ليهود أوروبا ومدافعا عنهم - الحواجز والقيود في سبيل قبول المهاجرين منهم الذين يتسنى للملايين منهم الإقامة في براري «الأريزونا» و«تكساس» الخالية من السكان والعمران.
إن كثيرين من علماء الأمريكان وأغنيائهم أدوا خدمات جليلة للشرق، ولهم فيه جولات موفقة في ميادين الخدمة العامة، وقد كان هدف الكثيرين ممن أقاموا في الأقطار العربية العطاء لا الأخذ، والخدمة والتضحية لا الإفادة والكسب، مجردين من المطامع والأهواء الاستعمارية؛ لذلك فازوا بثقة الشعوب الإسلامية والعربية، وأصبحت للأمريكان في نفوسهم مكانة رفيعة جليلة. ولكن هذه الثقة عرضة للتحلل والانهيار إذا أصرت أمريكا على موقفها من المسألة الصهيونية.
إن الشعب الأمريكي لا يقف اهتمامه عند حد كسب هذه الحرب، بل يتعداه إلى المساهمة في بناء عالم جديد يسوده الاستقرار والوئام، وتنعدم فيه أو تكاد أسباب الخلاف ودواعي التشاحن والشقاق. وليس هناك ما يدعو إلى القلق والاضطراب أكثر من إنشاء حكومة يهودية في فلسطين على حساب العرب والمسلمين.
Bilinmeyen sayfa