وإذا سأل سائل: هل مصر تستحق ذلك أو لا؟ فالجواب على ذلك أن هذه مسألة أخرى ليست لها علاقة ما بالحالة التي نعالجها، والشيء الوحيد الذي يجب أن نثبته من هذه الحالة، هو أنه لما كانت مصر قد وضعتها إنجلترا حيالها في مركز القاصر المحجور عليه، فكل اتفاقية تعقد بينهما تكون لاغية ولا قيمة لها مطلقا، كما هو الحال في أي اتفاقية من هذا النوع بين وصي وقاصر موضوع تحت وصايته سواء بسواء، وللأسباب عينها التي تبطل مثل هذه الاتفاقية لأنها تمنح الأول فوائد وتلحق أضرارا بالأخير.
وبناء على ذلك تكون اتفاقية السودان التي عقدت بين مصر وإنجلترا في 19 يناير سنة 1899 باطلة، ولا قيمة لها للأسباب التي ذكرناها.
الدور الرابع
استعادة السودان
أطلق الإنجليز على استعادة السودان اسم الفتح لحاجة في ذات أنفسهم، وذلك كما يقول الفرنسيون «لاستكمال مستندات الدعوى». وغرضهم من ذلك أن يتخذوا من هذه التسمية متكأ يستندون عليه لاغتصاب ما ليس حقا لهم. ولكن بما أن السودان ما برح جزءا لا يتجزأ من مصر التي انجلت عنه بسبب ضغطهم عليها لكي تخليه؛ فإن إطلاق اسم الفتح على استعادته هو كما يقول أيضا الفرنسيون: «إذا كانت العلة غير موجودة فكيف يكون المعلول موجودا.» أي: ليس في الحقيقة ما يبرر هذه التسمية؛ ولهذا يكون قولنا: «استعادة السودان» هو الصواب، ويكون لفظ «فتح السودان» في غير محله؛ لأن اللفظ الأول ينطبق على معنى ما حصل.
ولقد تكفلت الدوائر الرسمية بإعداد حملة لاستعادة السودان بقصد إنقاذ كسلا، ونجدة الإيطاليين المحتلين لها من التضييق الذي شدده عليهم الدراويش. أما السبب الحقيقي فقد كان ذلك الخبر الذي وصل في ذلك الحين إلى علم الحكومة البريطانية، وهو أن حملة مارشان
Marchand Expedition
قد تحركت ووجهتها النيل كي تحتل إحدى النقط الواقعة عليه. ولولا هذا السبب ما قام أولو الأمر بهذه الحملة. ويغلب على ظننا أن الحكومة البريطانية التي استولت على أوغندة والقسم الجنوبي من مديرية خط الاستواء المصرية كانت تروم الانتظار، ثم تفتح السودان من الجنوب بالتدريج، وبذلك تضع مصر أمام أمر واقع، وتحتفظ بهذه البلاد على أنها كانت قطرا مهجورا حازته بحق الفتح.
وهذا القول هو عين ما كانت تحتج به الحكومة الفرنسية على الحكومة البريطانية بعد احتلال فاشودة.
وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة البريطانية قد نظمت حملة في أوغندة بقيادة الميجر مكدونالد
Bilinmeyen sayfa