جرانفيل
وهذا التصريح مع كونه قد صدر بعد نكبة هكس باشا، يبرهن بكل جلاء من نص عباراته على أن المبادئ المبينة فيه - وهي أن الحكومة البريطانية قد أخذت على عاتقها مسئولية كل ما يجري في مصر، وأن كل أمر يصدر عنها في شكل نصيحة يكون واجب الاتباع - قد أفضت بطريقة واضحة جلية إلى وضع مصر تحت الوصاية البريطانية. وذلك ليس من تاريخ هذا التصريح فقط، بل من الوقت الذي حدث فيه الاحتلال البريطاني. ومن ثم فمسئوليتها منذ هذا التاريخ عن كل ما حدث في البلاد من خير أو شر، كمسئولية الوصي نحو القاصر الموضوع تحت وصايته حالا بحال. فسواء أكان هذا التصريح صدر قبل نكبة هكس المشئومة أم بعدها، فتلك نقطة لا أهمية لها مطلقا ما دامت هذه المبادئ كانت معمولا بها في الخفاء. والحكومة البريطانية تبقي مسئوليتها كما كانت عن تعيين هكس باشا وعن ضياع السودان.
وهاك تصريحا آخر صرح به عضو آخر من أعضاء الوزارة البريطانية في ذلك الوقت، وهو اللورد هارنجتن
Lord Hartington
وزير الحربية. وهذا التصريح يؤيد تصريح اللورد جرانفيل في نفس الموضوع تأييدا تاما، وقد أذاعته شركة روتر في برقية منها بعد ظهور التصريح الأول بوقت قصير:
لندن في 11 مارس سنة 1884
أفاض لورد هارنجتن بصفة خاصة في غضون تصريحه الأخير عن موضوع السودان في بيان أهمية الاحتفاظ بموانئ البحر الأحمر؛ منعا لاحتلالها بأية دولة أخرى. ثم قال الوزير عقب ذلك إن حكومة صاحبة الجلالة الملكة تظل في مصر إلى أن تقوم في البلاد حكومة على أسس راسخة وأركان ثابتة، وأنها تقبل المسئولية في المسائل الرئيسية في السياسة المصرية مدة الاحتلال. ا.ه.
وهذا التصريح لا يؤيد فقط تصريح إرل جرانفيل، بل يعزز المبدأ المقرر فيه، ويثبت بصورة جلية أن الحكومة البريطانية أخذت على عاتقها مسئولية المسائل الأساسية في السياسة المصرية طول مدة الاحتلال؛ أي من أوله وليس بعد نكبة هكس باشا فقط.
وبما أن تقرير قبول هذه المسئولية قد حدث بمناسبة أسئلة توجهت بصدد السودان، فيترتب على ذلك أن يكون السودان داخلا ضمن المسائل الأساسية في السياسة المصرية التي تكلفت إنجلترا أن تتحمل مسئوليتها، والتي تشمل حتما ضياع السودان.
وطول المدة التي أبدت فيها الحكومة المصرية تساهلا وامتثالا للأخذ بمشورات إنجلترا، أو بعبارة صحيحة بأوامرها غير الرسمية، لم تكن هناك حاجة لإبداء هذا التصريح بهذه الطريقة المكشوفة. وعمل كهذا لا يتحتم صدوره إلا عند اشتداد المعارضة، كما حدث في الحالة التي أفضت إلى استقالة شريف باشا بسبب رفضه التخلي عن السودان.
Bilinmeyen sayfa