بسم الله الرحمن الرحيم
(١) ما تقول (٢) السادة العلماء أئمة الدين، وهداة المسلمين ﵃ أجمعين، وأعانهم على إظهار الحق المبين، وإخمال الكفار والمنافقين، في الكنائس التي بالقاهرة وغيرها التي أغلقت (٣) بأمر ولاة الأمور، إذا ادعى أهل الذمة: أنها غلِّقت ظلمًا، وأنهم يستحقون فتحها، وطلبوا ذلك من ولي الأمر أيده الله تعالى ونصره.
فهل تقبل دعواهم؟ وهل تجب إجابتهم أم لا؟!
وإذا قالوا: إن هذه الكنائس كانت قديمةً، من زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ وغيره. وأنهم يطلبون أن يقروا (٤)، على ما كانوا عليه في زمن عمر ﵁ وغيره من خلفاء المسلمين، وأن إغلاقها مخالفٌ لحكم الخلفاء الراشدين.
فهل القول مقبولٌ منهم أو مردود؟
وإذا ذهب (٥) أهل الذمة إلى من يقدم من بلاد الحرب، من رسولٍ أو غيره، فسألوه أن يسأل ولي الأمر في فتحها، أو كاتبوا ملوك الحرب ليطلبوا ذلك من ولي أمر المسلمين فهل لأهل الذمة ذلك؟ وهل ينتقض عهدهم أم لا؟!
_________
(١) في الظاهرية: مسألة سئل عنها الشيخ الإمام العلامة الحافظ تقي الدين ابن تيمية الحراني الحنبلي تغمده الله برحمته في الكنائس.
(٢) في نسخة مصر: ما يقول.
(٣) في الظاهرية: غلّقت.
(٤) في الأصل: يقرون وما أثبته من المصرية هو الصواب.
(٥) في القاهرية: بعث.
1 / 99
وإذا قال قائلٌ: إنهم إن لم يجابوا إلى ذلك حصل للمسلمين ضررٌ، إما بالعدوان على من عندهم من الأسرى (١) (٢)، أو (٣) المساجد، وإما بقطع متاجرهم عن ديار الإسلام، وإما بترك معاونتهم لولي أمر المسلمين على ما يعتمده من مصالح المسلمين، ونحو ذلك. فهل هذا القول صوابٌ، أو خطأٌ؟ بينوا ذلك مبسوطًا مشروحًا.
وإذا كان في فتحها تغير قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، [وحصول الفتنة والفرقة بينهم] (٤)، وتغيرت قلوب أهل الصلاح والدين، وعموم الجند والمسلمين على ولاة الأمور؛ لأجل إظهار شعائر الكفر، وظهور عزهم وفرحهم وسرورهم بما يظهرونه وقت فتح الكنائس، من الشموع والجموع والأفراح وغير ذلك، وهذا فيه تغير قلوب المسلمين من الصالحين وغيرهم (٥)، حتى إنهم يدعون الله تعالى على من تسبب في ذلك، وأعان عليه.
فهل لأحد أن يشير على ولي الأمر بذلك؟ ومن أشار عليه بذلك هل يكون ناصحًا لولي أمر المسلمين أم غاشًّا له؟!
وأي الطرق هو الأفضل لولي الأمر -أيده الله تعالى- ولأوليائه من قمع أعدائه وإذلالهم؟ أو مطاوعتهم (٦)؟!
_________
(١) في المصرية: الأسراء وهو وجه في جمعها.
(٢) في الظاهرية: الأسرى المسلمين.
(٣) في المصرية: المساجد بدون أو التخيير.
(٤) ما بين المعكوفين زيادة من المطبوعة، وزدتها لما فيها من إيضاح وبيان، وإلا فجميع النسخ متفقة على عدم ذكر هذه العبارة.
(٥) لأن المسلم يتغير قلبه ويحزن لظهور المنكر وإعلانه، بل لوقوعه أولًا وهذا أقل ما يكون من المسلم الحقيقي لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ أن النبي ﷺ قال [من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان] والتغير بالقلب بكرهه وبغضه وهو متعين على الجميع إما باللسان واليد فهما لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا وأولاهم ولي الأمر ونائبه وأهل الحسبة.
(٦) في الظاهرية: أو مطاوعتهم عنهم في ذلك.
1 / 100
بينوا لنا ذلك، وابسطوا بسطًا شافيًا، مثابين مأجورين -إن شاء الله تعالى- وحسبنا الله ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن الصحابة المكرمين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، يا أرحم الراحمين (١) .
الرد على دعوى أن المسلمين ظلموهم بإغلاق كنائسهم:
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، أما دعواهم أن المسلمين ظلموهم في إغلاقها فهذا كذبٌ مخالفٌ (٢) لأهل العلم (٣) . فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة: مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري (٤)، والأوزاعي (٥)، والليث بن سعد (٦)، وغيرهم، ومن قبلهم من
_________
(١) آمين واجعلنا معهم بجودك وإحسانك يا رب العالمين، وإن رغم أنف الرافضة وأذنابهم، والخوارج الناصبة وأذيالهم أعداء السنة والدين.
(٢) في المصرية: مخالف به لأهل العلم.
(٣) في المطبوعة مخالف لإجماع المسلمين.
(٤) الأئمة الأربعة معروفون وسفيان الثوري هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد الكوفي الجهبذ ولد سنة ٩١هـ ومات سنة ١٦١ هـ من كبار الأئمة الحفاظ كثير الشيوخ وروى عنه الجماعة فأكثروا الرواية عنه منهم جماعة حدث عنهم وحدثوا عنه،..... حافظ فقيه إمام حجة وأكثر العلماء الثناء عليه في علمه وورعه انظر النبلاء ٧/٢٢٩-٢٧٩، وطبقات ابن سعد ٦/٣٧١-٣٧٤، والتاريخ الكبير للبخاري ٤/٩٢-٩٣ وتهذيب الكمال ص ٥١٥.
(٥) هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام ولد سنة ٨٨ هـ وتوفي سنة ١٥٧ هـ، أخرج له أصحاب الكتب الستة وأحمد " الجماعة " كان ﵀ من أفضل أهل زمانه وأعلمهم، وكان قذى في أعين المبتدعة القدرية انظر النبلاء ٧/١٠٧-١٣٤، طبقات ابن سعد ٧/٤٨٨، طبقات خليفة ٣٥١-٣١٦، المعرفة والتاريخ الفسوي ٢/٣٩٠-٣٩٧ وتهذيب الكمال ٨٠٨.
(٦) هو الإمام الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية، أخرج له الجماعة، وهو من كبار أئمة الحديث وأصحاب المدارس الفقهية ولد سنة ٩٤هـ وقال فيه الحافظ في التقريب، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور توفي سنة ١٧٥هـ وكان يومًا مشهودًا رفع الله درجاتهم في عليين. النبلاء ٨/١٣٦-١٦٣، الطبقات ٧/٥١٧، طبقات خليفة ص٢٩٦، تهذيب الكمال ١١٥٢، المعارف لابن قتيبة ٥٠٥ وما بعدها.
1 / 101
الصحابة والتابعين، متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسةٍ بأرض العنوة كأرض مصر والسواد (١) بالعراق، وبر الشام ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك (٢) ظلمًا منه؛ بل تجب طاعته في ذلك (٣) .
وإن امتنعوا عن حكم المسلمين لهم، كانوا ناقضين العهد، وحلت بذلك دماؤهم وأموالهم.
تكذيب دعوى وجود الكنائس بالقاهرة منذ عهد الخلفاء الراشدين:
وأما قولهم إن هذه الكنائس من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ وأن الخلفاء الراشدين أقروهم عليها، فهذا أيضًا من الكذب. فإن من المعلوم المتواتر أن القاهرة (٤) بنيت بعد عمر بن الخطاب ﵁ بثلاثمائة سنة، بنيت بعد بغداد، وبعد البصرة والكوفة (٥) وواسط (٦) .
وقد اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة، مثل ما فتحه المسلمون صلحًا، وأبقوا لهم كنائسهم القديمة،
_________
(١) المقصود بأرض السواد الأرياف وأماكن الزراعة، وصارت علمًا على ما حول دجلة والفرات من أراضي الزراعة.
(٢) أي هدم كنائسهم بأرض العنوة مجتهدًا أو متبعًا.
(٣) وزادت المطبوعة [ومساعدته في ذلك ممن يرى ذلك] وفيها حصر وجوب مساعدة الإمام في هذا على من يرى، دون من لا يرى ذلك فلا تجب طاعته للإمام! فلاحظه.
(٤) القاهرة هي عاصمة مصر الآن.
(٥) الكوفة: بلد خُطت سنة ١٧ هـ قريبة من نهر الفرات في وسط العراق وشمال النجف مباشرة، وجنوب كربلاء انظر الأطلس التاريخي ص١١٣-١١٥.
(٦) واسط: مدينة وسط العراق على ضفاف أحد فروع دجلة في جنوب شرق بغداد، وشمال شرق سواد العراق انظر الأطلس التاريخي ص ١١٣.
1 / 102
بعد أن شرط عليهم فيه عمر بن الخطاب ﵁ أن لا يحدثوا كنيسة في أرض الصلح، فكيف في بلاد المسلمين؟!
بقاء الكنائس في مدائن الإسلام:
بل إذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة، كالعراق ومصر ونحو ذلك فبنى المسلمون مدينة عليها، فإن لهم أخذ تلك الكنيسة؛ لئلا تترك في مدائن المسلمين كنيسةٌ بعد عهد (١) . فإن في سنن أبي داود بإسنادٍ جيد عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تصلح قبلتان بأرضٍ، ولا جزية
_________
(١) هكذا في جميع النسخ ولعل الأصح ما في المطبوعة: بغير عهد.
وهذا طرف مما جاء في هدم كنائس المشركين خصوصًا اليهود والنصارى، وغيرهم من باب أولى: فقد روى البيهقي بسنده ٢٠٢١٩ إلى ابن عباس ﵄ قال: صالح رسول الله ﷺ أهل نجران - يعني النصارى - على ألفي حلة وقال: على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم، ما لم يحدثوا حدثًا، أو يأكلوا الربا. وهذا معنى ما رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١٠٠٠٤) بسنده قال. قال عمرو بن ميمون: واستشارني عمر - يعني ابن عبد العزيز - في هدم كنائسهم - فقلت لا تهدم، هذا صولحوا عليه، فتركها عمر. والمقصود بها الكنائس التي صولحوا وهي قائمة بأيديهم، ليس ما أحدثوا بعد.
ولهذا قال عبد الرزاق (رقم ١٩٢٣٤، ١٠٠٠٢) أخبرنا ابن التيمي عن أبيه قال حدثني شيخ من أهل المدينة يقال له: حنش أبو علي أن عكرمة أخبره، قال: سئل ابن عباس: هل للمشركين أن يتخذوا الكنائس في أرض العرب؟ فقال: أما ما مصر المسلمون فلا ترفع فيه كنيسة، ولا بيعة، ولا صليب، ولا سنان، ولا ينفخ فيها ببوق، ولا يضرب ناقوس، ولا يدخل فيها خمر ولا خنزير.
وما كانت من أرض صولحوا صلحا، فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم. وتفسير ما مصر المسلمون: ما كانت من أرضهم أو أخذوها عنوة.
وهذا بنحوه ما رواه البيهقي عنه في الكبرى ٩/ ٢٠٢ وفي آخره: أو أيما مصر اتخذه العجم فعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم فيه، ولا يكلفوهم ما لا طاقة لهم به. ورواه بنحوه أبو عبيدة في الأموال ص ٢٦٩. ومحصل هذا أن كنائسهم التي صولحوا عليها تبقى لهم بالشروط التي ذكرها ابن عباس وقبله عمر بن الخطاب ﵃ وستأتي في آخر الفتوى مفصلة.
أما ما أحدثوا بعد الصلح معهم - سواء على حين ضعف من المسلمين أو غرة منهم - فلا يجوز إقرارهم عليها؟ بل يجب هدمها وتأديبهم. رحم الله حالنا وضعفنا، وجبر مصيبتنا.
1 / 103
على مسلم" (١) . والمدينة التي يسكنها المسلمون، والقرية التي يسكنها المسلمون، وفيها مساجد المسلمين، لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر: لا كنائس ولا غيرها (٢)، إلا أن يكون لهم عهدٌ، فيوفى لهم بعهدهم. فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسةٌ قبل بنائها، لكان للمسلمين أخذها، لأن الأرض عنوةً فكيف وهذه الكنائس محدثة، أحدثها النصارى؟!
حقيقة دولة العبيديين بمصر:
فإن القاهرة بقي ولاة أمورها نحو مائتي سنةٍ، على غير شريعة الإسلام، وكانوا يظهرون أنهم رافضة (٣)، وهم في الباطن إسماعيلية (٤)،
_________
(١) هذا الحديث أخرجه أبو داود - كما قال الشيخ تقي الدين - من وجهين. الأول: رقمه (٣٠٣٢) قال حدثنا سليمان بن داود. العتكي ثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس ﵄ مرفوعًا (لا تصلح قبلتان بأرض) إلى جملة الحديث الأولى.
والثاني: رقمه (٣٠٥٣) حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن قابوس به (لا جزية على مسلم) أي جملته الثانية والشيخ كما ترى جود إسناده.
والحديث أخرجه أحمد في المسند ١/ ٢٢٣ وه ٢٨ من وجهين: الأول حدثنا أسود بن عامر ثنا جعفر الأحمر عن قابوس به والثاني حدثنا جرير عن قابوس به. وأخرجه الترمذي رقم ٦٣٣ قال: ثنا يحيى بن أكثم عن جرير عن قابوس بلفظ مقارب.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٣/١٩٧ ثنا جرير بن عبد الحميد عن قابوس به.
وأخرجه أبو عبيدة في الأموال رقم ١٢١ قال حدثنا مصعب بن المقدام عن سفيان بن سعيد الثوري عن قابوس به مختصرًا. وكذا أخرجه الدارقطني في السنن ٤/ ١٥٦ و١٥٧ والطحاوي في مشكل الآثار ٤/ ١٦ وأبو نعيم في الحلية ٩/ ١٩٧ وابن عدي في الكامل ٢/ ١٤٢. والحديث -كما ترى - مداره على قابوس عن أبيه به وعن قابوس تعدد رواته.
(٢) كبيع اليهود ومعابدهم أو أسواق بيع الخنازير أو مصانع الصليب. وغيرها من باب أولى كشعائر الوثنيين من الهندوس والسيخ والمجوس وشاكلتهم.
(٣) هم أشهر من أن يعرفوا، وضلالهم بين، فغلوا في آل بيته ﷺ وجفوا أزواجه وأصهاره وبقية الأصحاب وكفروهم، فصاروا بابًا دخل منه الباطنية والزنادقة لهدم أصول الدين، وقد فضحهم شيخ الإسلام تقي الدين وفند شبههم في كتابه النادر (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية) ومما ذكره =
1 / 104
_________
= في ١ / ٢٠، (وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة، فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ففيهم جهل وظلم، لا سيما الرافضة، فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلًا وظلمًا يعادون خيار أولياء الله تعالى بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم ورضوا عنه -، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين. . .) . وقال في المنهاج ١/ ٩ - ١١ (ولهذا كانوا - أي الرافضة - عند عامة أهل العلم والدين، من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين، ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا العباد، فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، استولوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدنيا والدين ما لا يعلمه إلا رب العالمين) .
وقال في تسميتهم ١/ ٣٥ (ومن زمن خروج زيد - يعني به علي بن الحسين بالكوفة سنة ٢٢هـ - افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر؟ فترحم عليهما، رفضه قوم، فقال لهم: رفضتموني! فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديًا لانتسابهم إليه) . وهم بعد ذلك طوائف وفرق وبالجملة فهم مبغضون للصحابة ومكفروهم إلا خمسة وأوائلهم مشبهة مجسمة ثم هم معتزلة في صفات الله، قبورية في توحيد العبادة. ولا تكاد توجد مسألة إلا وهم مخالفون للسنة فيها أسأل الله العافية والسلامة، وأعوذ به من الخذلان والكفران.
(٤) الإسماعيلية طائفة باطنية كافرة خارجة عن الإسلام تنتسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ﵏ ورضي عنهم - وانظر في هذه النسبة المنهاج ٤/ ١٧ - ١٨ هزل! هم الذين يقولون بإلهية الحاكم بأمر الله العبيدي قال فيهم الشيخ ٦/ ٣٤٢ وما بعدها (وإنها ظهر من دعا إلى الرفض، وتسمى بأمير المؤمنين وأظهر القتال على ذلك، وحصل لهم ملك وأعوان مدة بني عبيد الله القداح الذين أقاموا بالمغرب مدة وبمصر نحو مائتي سنة. وهؤلاء باتفاق أهل العلم والدين كانوا ملاحدة ونسبهم باطل، فلم يكن لهم بالرسول اتصال نسب في الباطن ولا دين، وإنما أظهروا النسب الكاذب وأظهروا التشيع، ليتوسلوا بذلك إلى متابعة الشيعة إذ كانت أقل الطوائف عقلًا ودينًا، وأكثرها جهلًا، وإلا فأمر هؤلاء العبيدية المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر أظهر من أن يخفي على مسلم.
ولهذا فجميع المسلمين الذين هم مؤمنون في طوائف الشيعة يتبرأون منهم، فالزيدية والإمامية تكفرهم وتتبرأ منهم، وإنما ينتسب إليهم الإسماعيلية الملاحدة الذين فيهم من الكفر ما ليس لليهود والنصارى كابن الصباح الذي أخرج لهم السكين وشر منهم قرامطة البحرين. . . .) .
وابن الصباح - كما عرفه المحقق - هو الحسن بن علي بن محمد بن صباح الحميري ولد سنة ٤٢٨ هـ وهلك سنة ٥١٨ هـ مؤسس فرقة الحشاشين، استولى على قلعة الألموت بجبال الديلم هو من اتخذ القتل والاغتيال وسيلة لتحقيق أهداف دعوته، وهو من أئمة الإسماعيلية.
1 / 105
ونصيرية (١)، وقرامطة (٢) (٣)؛ كما قال فيهم الغزالي (٤) ﵀ في كتابه الذي صنفه (٥) في الرد عليهم: "ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض" (٦) .
_________
(١) النصيرية: طائفة باطنية خبيثة كتب فيهم الشيخ تقي الدين فتوى مشهورة أنقل منها ما يناسب المقام، من مجموع الفتاوى ٥٣/ ١٤٥ - ١٦٠ ومما قاله. (الحمد الله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين. وضررهم على أمة محمد ﷺ أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع، وموالات أهل البيت، هم في الحقيقية لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد ﷺ ولا بملة من الملل السالفة؟ بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها، يدعون أنها علم الباطن. . . ومن جنس قولهم: إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم، والصيام المفروض كتمان أسرارهم، وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم، وإن (يدا أبي لهب) هما أبو بكر وعمر. . . . ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين، تارة يسمون الملاحدة وتارة القرامطة وتارة (الباطنية) وتارة االإسماعيلية وتارة النصيرية وتارة الخرمية وتارة المحمرة وهذه الأسماء منها ما يعمهم، ومنها ما يخص بعض أصنافهم. . . وهم كما قال العلماء فيهم: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض - وأن أوانيهم كأواني المجوس وملابسهم - ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلى على من مات منهم. . . وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء. . ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين. . أيضًا فضرر هؤلاء أي النصيرية - على المسلمين - أعظم من ضرر أولئك. . . . فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم. . .) ولا بد لك أيها القارئ من تكرار قراءة فتوى الشيخ فيهم وفهمها ثم العمل بها. وانظر التدمرية ص ٤٨ - ٤٩. وقال في المجموع ٣٥/ ١٦٨ (فأما النصيرية فهم أتباع أبي شعيب محمد بن نصير، وكان من الغلاة الذين يقولون، إن عليا إله) وقد هلك سنة ٢٦٠ هـ في سامراء العراق وهؤلاء النصيرية هم الذين يسميهم شيخ الإسلام رافضة الشام في مواضع عديدة من كتبه.
(٢) القرامطة: مر في كلام الشيخ ابن تيميه الآنف أنهم هم النصيرية، أو بعضهم حيث عد القرامطة من ألقابهم سموا بهذا الاسم نسبه إلى داعية من دعاتهم اسمه حمدان بن الأشعت الشهير بقرمط من سواد العراق المتوفى سنة ٢٧٨ هـ قال الشيخ في المجموع ٣٥/ ٤٣ ١، (فهؤلاء القرامطة هم في الباطن =
1 / 106
_________
= والحقيقة أكفر من اليهود والنصاري وأما في الظاهر فيدعون الإسلام، بل إيصال النسب إلى العترة النبوية - أهل البيت - وعلم الباطن الذي لا يوجد عند الأنبياء والأولياء. وأن أمامهم معصوم. فهم في الظاهر من أعظم الناس دعوى بحقائق الإيمان وفي الباطن من أكفر الناس بالرحمن، بمنزلة من ادعى النبوة من الكذابين قال تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ وهؤلاء قد يدعون هذا وهذا. وقال في موضع آخر عن أشهرهم - في المنهاج ٦/ ٣٤٣ وشر منهم - أي من العبيدية الإسماعيلية - قرامطة البحرين - وهي المعروفة الآن بالأحساء - أصحاب أبي سعيد الجنابي - قتل سنة ٣٠١ هـ - فإن أولئك لم يكونوا يتظاهرون بدين الإسلام بالكلية، بل قتلوا الحجاج، وأخذوا الحجر الأسود) .
والقرامطة الباطنية الفلاسفة يقولون عن الله: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت كما في الدرء ٧/ ١١٩ وفي التدمرية ١٦، ٣٨ - ٣٩ وانظر شرح الأصبهانية٥/ ٠ ٧ - ٧٣ ضمن الفتاوى الكبرى.
(٣) في الظاهرية: وقرامطة باطنية.
(٤) هو أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة٥٠٥ هـ وعمره ٥٥سنة، الفقيه الأصولي صاحب التصانيف الصوفي المنظر الأشعري، المصبوغ بصبغة الفلاسفة، ومن أجل كتبه إحياء علوم الدين الذي انتقد كثيرًا - ذكره الشيخ ابن تيمية كثيرًا وسأذكر طرفًا من هذا في تحقيق قاعدة في الرد على الغزالي في التوكل، لشيخ الإسلام ابن تيمية إن شاء الله.
قال في ما نحن فيه - في كتابه منهاج السنة ٨/ ١٤ (وصنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم يعني العبيدين الباطنية الإسماعيلية. . . . كتبا معروفة لما علموه من إفسادهم الدين والدنيا، وصنف فيهم القاضي عبد الجبار، والقاضي أبو بكر بن الطيب - هو الباقلاني -، وأبو يعلى والغزالي، وابن عقيل وأبو عبد الله الشهرستاني، وطوائف غير هؤلاء، وهم الملاحدة الذين ظهروا بالمشرق والمغرب واليمن والشام ومواضع متعددة، كأصحاب الألموت وأمثالهم) . وأصحاب الألموت هم الإسماعيلية والألموت هي قلاع في جبال الديلم جنوب بحر قزوين كانت معاقل دعوتهم - حتى هدمها هولاكو.
(٥) صنف الغزالي كتبًا في الرد عليهم وصلنا منها ثلاثة هي:
١ - فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية، وأشار في إحياء علوم الدين ٢/ ١٣٠ أن هذا الكتاب مستنبط من كشف الأسرار وهتك الأستار، الكتاب المشهور لأبي بكر ابن الطيب الباقلاني والذي ذكره الشيخ في مواضع متعددة باسمه ولم يصلنا إلا في نقول الكتب.
٢ - القسطاس المستقيم، طبع عدة طبعات آخرها في لبنان تحققه.
٣ - جواب المسائل الأربع - من باطنية همدان، نشره رشيد رضا في المنار عدد ٢٩ ص (٦٠١-٦٠٨) .
ولكتاب القسطاس المستقيم بالمناسبة نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم ٩٨ عقائد تيمور، مع طبعات قديمة أقدمها سنة ١٣١٨ هـ في مطبعة. . . . . بمصر. =
1 / 107
واتفق طوائف المسلمين: علماؤهم، وملوكهم، عامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، على أنهم كانوا خارجين عن شريعة الإسلام، وأن قتالهم كان جائزًا: بل نصّوا على نسبهم كان باطلًا (١) . وأن جدهم كان عبيد الله بن ميمون القدّاح (٢)، لم يكن من آل بيت رسول الله ﷺ.
_________
= (٦) هذه العبارة التي نقلها شيخ الإسلام، ذكرها أبو حامد في الباب الرابع من الفضائح، في نقل مذهبهم جملة وتفصيلًا ص ٣٧ فقال: (أما الجملة فهو أنه مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم، وعزل العقول أن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشبهات. هذا مبدأ دعوتهم ثم إنهم بالآخرة يظهرون ما يناقض الشرع وكأنه غاية مقصودهم، لأن سبيل دعوتهم ليس بمتعين في فن واحد، بل يخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه، بعد أن يظهروا منهم بالانقياد لهم والموالاة لإمامهم. فيوافقون اليهود والنصارى والمجوس على جملة معتقداتهم ويقرونهم عليها فهذه جملة المذهب. وأما تفصيله. . .) إلخ.
(١) في الظاهرية: على أن نسبهم كان، وفي المطبوعة: على أن نسبهم كان.. لأنهم ينتسبون إلى ولد فاطمة ابنة رسول الله ﷺ من ولد علي بن أبي طالب ﵁ وعن صحابة الرسول أجمعين.
(٢) هذا الرجل ليس هو عبد الله بن ميمون بن داود القداح - مولى بني الحارث بن مخذوم المكي من رجال الترمذي ﵀، وهو متوفي ١٨٠ هـ وهو منكر الحديث متروك، وترجمته في النبلاء ٩/٣٢٠، والكامل ٤/١٨٧-١٩٠، وتهذيب الكمال ص ٧٤٧ والمجروحين لابن حبان ٢/٢١ أقول هذا لتخليط البعض بينه وبين عبيد الله هذا الذي ذكره الشيخ، ربما بسبب اشتراكهما في الاسم الثلاثي، لكن تغايرهما واضح في النسب وسنة الوفاة. وعبيد الله هذا هو ابن ميمون بن ديصان القداح المولود سنة ٢٥٩ هـ والهالك سنة ٣٢٢ هـ وهو من أهواز العراق من مدينة سليمة كان أبوه يهوديًا فمات فتزوجت أمه أحد العلويين الذي رباه، ثم لما كبرا وعى العلوية وهو الذي أسس الدولة العبيدية بالمغرب سنة ٢٩٧ هـ. انظر التبصير في الدين ص ١٤١، والفرق بين الفرق ص ٢٨٢-٢٨٩ والقرامطة لابن الجوزي ص ٧١ - ٧٢ وقال شيخ الإسلام في المنهاج ٤/٩٩-١٠٠ (وقد ادعى قبله - أي قبل ابن تومرت (ت ٥٢٠) - أنه المهدي عبيد الله بن ميمون القداح، ولكن لم يوافق في الاسم ولا اسم الأب، وهذا ادعى أنه ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر - أي جعفر الصادق -، وأن ميمونًا هذا هو محمد بن إسماعيل وأهل المعرفة بالنسب وغيرهم من علماء المسلمين يعلمون أنه كذب في دعوى نسبه، وأن أباه كان يهوديًا، ربيب مجوس، فله نسبتان: نسبة إلى اليهود، ونسبة إلى المجوس، وهو وأهل بيته كانوا ملاحدة، وهو أئمة الإسماعيلية، الذين قال فيهم العلماء: إن ظاهر =
1 / 108
وصنف العلماء في ذلك مصنفات. وشهد بذلك مثل الشيخ أبي الحسن القدوري (١) إمام الحنفيّة، والشيخ أبي حامد الإسفراييني (٢) إمام الشافعيّة،
_________
= مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض وقد صنف العلماء كتبًا في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم، وبيان كذبهم في دعوى النسب، ودعوى الإسلام، وأنهم بريئون من النبي ﷺ نسبًا ودينًا. وقال في ٦/ ٣٤٢ (هؤلاء - يعني بني عبيد الله القداح، الذين أقاموا بالمغرب مدة وبمصر نحو مائتي سنة - بإتقان أهل العلم الدين كانوا ملاحدة، ولنسبهم كان باطلًا، فلم يكن لهم بالرسول اتصال نسب في الباطن، ولا دين، وإنما أظهروا النسب الكاذب، وأظهروا التشيع ليتوسلوا بذلك إلى متابعة الشيعة، إذ كانت أقل الطوائف عقلًا ودينًا، أكثرهم جهلًا وإلا فأمر العبيدية المنتسبين إلى إسماعيل ابن جعفر أظهر من أن يخفى على كل مسلم) .
بل ونقل ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ٤/ ٨٠ عبارة من كتاب الباقلاني أبي بكر بن الطيب الذي ألفه في الباطنية واسمه كشف الأسرار وهتك الأستار قال (القداح جد عبيد الله كان مجوسيًا، ودخل عبيد الله- هو المهدي العبيدى - المغرب وادعى أنه علوي، ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وكان باطنيًا خبيثًا حريصًا على إزالة ملة الإسلام، أعدم الفقه والعلم ليتمكن من إغرار الخلق، وجاء أولاده بأسلوبه، وأباحوا الخمر والفروج، وأشاعوا الرفض، وبنوا دعاة، فأفسدوا عقائد جبال الشام كالنصيرية والدروزية، كان القداح كاذبًا مخرفًا وهو أصل دعاة القرامطة) .
(١) اتفقت النسخ - والمطبوعة على تكنيته بأبي الحسن: وفي المصادر المترجمة له هو: أبو الحسين أحمد بن محمد القدورى - بضم المثنأة والمهملة - شيخ الحنفية. قال فيه الخطيب: كان صدوقًا حسن العبارة، جريء اللسان، مديمًا للتلاوة، صاحب المختصر المشهور في مذهب الأحناف، وله كتاب النكاح والتجريد في الخلاف بين الشافعية والأحناف. يوجد المجلد الأول منه في مكتبة جامعة الإمام رقم ٣٥٢٣. ويذكره شيخ الإسلام في تعداده لكبار أتباع الأئمة الأربعة - عن الأحناف كثيرًا، توفي سنة ٤٢٨ هـ ﵏. النبلاء ١٧ / ٥٧٤، وتاريخ بغداد ٤ / ٣٧٧، تذكرة الحفاظ ٣/ ١٠٨٦، والطبقات السنية رقم ٩٤، تاج التراجم رقم ١٩.
(٢) هو أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد الاسفراييني المولود سنة ٣٤٤ هـ برع من صغره، أذكر له كتابًا في الفقه في خمسين مجلدًا، وكان ذا جاه عند الملوك توفي سنة ٤٠٦ هـ. نقل شيخ الإسلام في الدرء ٢/ ٩٥ - ١٠١ (عن أبي الحسن الكرجي في كتابه الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول عن عدد من الأئمة والشيوخ أنهم يقولون كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفراييني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا. . . وكان يقول في يوم الجمعة: اشهدوا علي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قاله الإمام ابن حنبل، لا كما يقوله الباقلاني. . .) . وكان شديد الإنكار عليه وعلى أهل الكلام ﵀ ورفع ذكره. وانظر كلام الشيخ بتمامه هناك. النبلاء ١٧/١٩٣-١٩٧، وتاريخ بغداد ٤ / ٣٦٨ - ٥ ٣٧ شذرات الذهب ٣/ ١٧٨، طبقات الشافعية الكبرى ٤ / ١ ٦ - ٧٤، طبقات الشافعية لابن هداية الله ١٢٧ وما بعدها.
1 / 109
ومثل القاضي أبي يعلى (١) إمام الحنبليّة، ومثل أبي محمد بن أبي زيد (٢) إمام المالكيّة.
وصنف القاضي أبو بكر ابنُ الطيِّب (٣) فيهم كتابًا، في كشف أسرارهم، سماه: "كشف الأسرار وهتك الأستار" (٤) .
_________
(١) هو محمد بن الحسين بن الفراء، أبو يعلى قاضي الحنابلة ولد سنة ٣٨٠ هـ وقرأ القرآن بالروايات العشر مع المعرفة البالغة في الحديث والفقه، كان دينا ذا عبادة وتهجد، له تصانيف كثيرة: كإبطال التأويلات، والعدة في الأصول، والروايتين والوجهين في المذاهب توفي سنة ٤٥٨ هـ أبناؤه علماء حنابلة ﵏ جميعًا. ولما سئل شيخ الإسلام عن أبي يعلى وغيره من العلماء أجاب في المجموع ٢٠/٤٠ (إنهم على مذهب أهل الحديث ليسوا بمقلدين لواحد بعينه من العلماء ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق، بل يميلون إلى قول أئمة الحديث..وهؤلاء كلهم يعظمون السنة والحديث..) وربما كان له ميل إلى الكلامية الصفاتية والله يغفر له. انظر جامع الرسائل ١/١٢٧ والمنهاج ٥/٣٦٠ و٤١٢. وانظر النبلاء ١٨/٨٩ وطبقات الحنابلة ٢/١٩٣ - ٢٣٠ وتاريخ بغداد ٢/٢٥٦ وما بعدها، ومناقب أحمد لابن الجوزي ص ٥٢٠، والوافي بالوفيات ٣/٧.
(٢) هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني، عالم المغرب، الملقب بمالك الصغير، ولد سنة ٣١٠ هـ أثنى عليه الذهبي فقال: كان ﵀ على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام ولا يتأول فنسأل الله التوفيق. أشهر مؤلفاته: الرسالة في معتقد أهل السنة، مطبوعة ولها شروح عديدة منها المطبوع والمخطوط توفي سنة ٣٨٦ هـ أثنى عليها شيخ الإسلام في مواضع. ومنها المجموع ٥/١٨٢-١٨٣ فقال (كلام المالكية في ذم الجهمية النفاة مشهور في كتبهم، وكلام أئمة المالكية وقدمائهم في الإثبات - أي الصفات وأمور الغيب - كثير مشهور، حتى علماؤهم حكوا إجماع أهل السنة والجماعة على أن الله بذاته فوق عرشه، وابن أبي زيد إنما ذكر ما ذكره سائر أئمة السلف، ولم يكن من أئمة المالكية من خالف ابن أبي زيد في هذا، وهو إنما ذكر هذا في مقدمة الرسالة لتلقن لجميع المسلمين، لأنه عند أئمة السنة من الاعتقادات التي يلقنها كل أحد ...) النبلاء ١٧٧/٢١٠ الديباج المذهب ١/٤٢٧، ترتيب المدارك ٤/٤٩٢، شجرة النور الزكية ١/٩٦ فهرست ابن خير ٢٤٤.
(٣) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن الباقلاني المتوفى سنة ٤٠٣ هـ صاحب التواليف، ومضرب المثل في ذكائه وفهمه، له مع ملك الروم قصص في هذا، من كبار علماء الأشاعرة الكلابية ومنظريهم، كان ذا ردود على الباطنية والرافضة والجهمية والخوارج تقدر بسبعين ألف ورقة له التمهيد في إعجاز القرآن وغيرها كثيرًا ما يذكره شيخ الإسلام في تعداد كبار المتكلمين وسبق نقل شيء من كلام الإسفراييني فيه من درء التعارض للشيخ ٢/٩٥-١٠٢، وقال ﵀ في ترتيب الكلاميين في درء التعارض ١/٢٧٠ (وهذا كما أن العراقيين المنتسبين إلى أهل الإثبات من أتباع ابن كلاب كأبي العباس القلاني =
1 / 110
_________
= وأبي الحسن الأشعري، وأبي الحسن علي بن مهد الطبري والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأمثالهم، أقرب إلى السنة، وأتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله من أهل خرسان المائلين إلى طريقة ابن كلاب، ولهذا كان القاضي أبو بكر بن الطيب يكتب في أجوبته أحيانًا: محمد بن الطيب الحنبلي، كما كان يقول الأشعري. إذ كان الأشعري وأصحابه منتسبين إلى أحمد بن حنبل وأمثاله من أئمة السنة، وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد بن حنبل وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة، كابن عقيل، وصدقة بن الحسين، وابن الجوزي وأمثالهم) ٠ انظر المنهاج ٢٩٣/٣ ٠ النبلاء ٣٧٩/٥، وترتيب المدارك ٤/ ٥٨٥ - ٢ ٠ ٦، الديباج ٢٢٨/٢، تبيين كذب المفتري ١٧ ٢ - ٢٦ ٢.
(٤) هذا الكتاب له اسمان، الأول ما ذكره الشيخ، ومختصر هو فضائح الباطنية أو الرد على الباطنية، وهذا الكتاب لم أره ولم أسمع أنه طبع، بل يظن أنه مفقود، وقد ذكر الغزالي في الإحياء ٢/ ١٣٠ أنه استنبط ما فيه من كتاب الفضائح وقد ذكره ابن تيمية في مواضع ومما ذكره في المنهاج ٨/ ١٤ و٢٥٨ (وقد صنف العلماء كتبًا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم مثل كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني والقاضي عبد الجبار الهمداني وكتاب الغزالي ونحوهم) . ونقل منه أسلوب دعوة هو الباطنية ومنهجها في المنهاج ٨/ ٤٧٩ - ٨٦ ٤ ومما نقل (قد اتفق جميع الباطنية، وكل مصنف لكتاب ورسالة منهم في ترتيب الدعوة المضلة، على أن من سبيل الداعي إلى دينهم ورجسهم. . فقالوا للداعي: يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلمًا: أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل عليه من جهة ظلم السلف، وقتلهم الحسين، وسبيهم نساءه وذريته، والتبري من تيم وعدي، وبني أمية والعباس. . وأن عليًا إله يعلم الغيب، مفوض إليه خلق العالم، وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم؟ فإنهم أسرع إلى إجابتك بهذا الناموس. . . . فإذا آنست من بعض الشيعة عند الدعوة إجابة ورشدًا أوقفته على مثالب علي وولده، وعرفته حقيقته الحق لمن هو، وفيمن هو، وباطل البطلان كل ما عليه أهل ملة محمد ﷺ وغيره من الرسل.
ومن وجدته صابئا. فأدخله بالأشانيع وتعظيم الكواكب. . . .، ومن وجدته مجوسيًا اتفقت معه، في الأصل، في الدرجة الرابعة، من تعظيم النار والنور والشمس والقمر. . فإنهم مع الصائبة أقرب الأمم إلينا، وأولاهم بنا. . . . . . وإن ظفرت بيهودي فادخل عليه جهة انتظار المسيح. . وعظم السبت عندهم وتقرب إليهم بذلك. . . . وإن وجدت المدعى نصرانيًا فادخل عليه بالطعن على اليهود والمسلمين جميعًا، وصحة قولهم في الثالوث. وعظم الصليب عندهم وعرفهم تأويله. .) إلى آخر الزندقة المحضة، نعوذ بالله من ذلك كله.
وهذا الكتاب للباقلاني - عجل الله الظفر به - صحيح النسبة إليه فقد ذكره ابن السبكي في طبقاته في مواطن ونقل منه، كما في ترجمته علي بن محمد بن الحسين، وترجمته محمد بن الموفق بن سعيد وذكره ابن كثير في ترجمته من البداية والنهاية ١١/٣٥٠، وحاجي خليفة بل وعامة من ترجموا للباقلاني. وسبق نقل من النجوم الزاهرة من هذا الكتاب. =
1 / 111
_________
= هذا ويوجد لجمال الدين أبي الفضائل الصفدي (ت ٦٩٦ هـ) كتاب باسم كشف الأسرار وهتك الأستار في ثلاثة مجلدات في مكتبة مراد ملا بتركيا أرقامها من (١٥٨ - ١٦٢) وفي متحف طبقو سراى من (١٨٦٥ - ١٨٦٧) المجلدات الثلاث في ٧٦٧ ورقة مكتوبة سنة ١ ٦٩ هـ ونسخ أخرى في السليمانية رقم ١٣٣ ورستم باشا ٤٥، ٤٦ وشهيد علي باشا ٥٥٠ ورقة رقم ١٥٧ وأظنه في التفسير، ولا أجزم بذلك.
هذا وأشار الشيخ في مواطن من المنهاج إلى من صنف في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كما في ٨/ ١٤ فمن عد:
١- القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (٤١٥) ولعل الشيخ يقصد كتابه المنية والأمل شرح الملل والنحل وهو مطبوع حديثًا، وله طبعة سنة ١٩٧٢ باسم فرق وطبقات المعتزلة.
٢- أبو بكر ابن الطيب بن الباقلاني (٤٠٣) وسبقت الإشارة إلى كتابه في ترجمته.
٣- أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي (٤٥٨) ولا أعلم له كتابًا فيهم مطبوعًا أو مخطوطًا لكن ذكر المترجمون له أن له كتابًا اسمه الرد على الباطنية.
٤- أبو حامد الغزالي (٥٠٥) وسبق ذكر كتابه وترجمته.
٥- أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي (٥١٣) وهذا له كتاب اسمه كتاب الفرق له نسخة خطية بالهند في مكتبه رجتا رامبور رقمه ١/ ٥١٢ (١١٩) .
٦- أبو عبد الله محمد الشهرستاني (٥٤٨) والظاهر أن المقصود بكتابه الملل والنحل الكتاب المشهور وفيه تحدث عن الباطنية وفرقها بالتفصيل.
وممن ألف في كشفهم أيضا أبو محمد عبد الرحمن المعروف بأبي شامة (٦٦٥) ألف كتابا سماه كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد ذكره في الذيل على الروضتين ص ٣٩ ونسبة له ابن كثير في التاريخ ٢ ١/ ٨٧ ٢ والذهبي في معرفة القراء الكبار ٢/٥٣٨ بأسماء نحو هذا.
1 / 112
عداوة الباطنية والرافضة للمسلمين وصوره:
والذين يوجدون في بلاد الإسلام من الإسماعيلية، والنصيرية، والدرزية (١)، وأمثالهم من أتباعهم.
وهم الذين عاونوا التتر (٢) على قتال المسلمين وكان وزير هولاكو النصير
_________
(١) في الظاهرية: والقدرية بدل الدرزية. والقدرية يأتي تعريفهم.
والدروز: فرقة باطنية فرخها العبيديون، وهذا الاسم نسبة إلى الرجل الثاني في هذه الفرقة وهو محمد بن إسماعيل الدرزي المشهور بنشتكين المقتول سنة ٤١١ هـ وهو أول من أله الحاكم العبيدي المنصور بن عبد العزيز المتوفى سنة ٤١١ هـ علانية، وللشيخ تقي الدين فتوى فيهم، المجموع ٣٥/١٦١-١٦٢، لما سئل عنهم أجاب (هؤلاء الدرزية والنصيرية كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، بل ولا يقرون بالجزية، فإنهم مرتدون عن دين الإسلام، ليسوا مسلمين، ولا يهود، ولا نصارى لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس، ولا وجوب صوم رمضان، ولا وجوب الحج ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرها. وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين.. كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم. فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا، ويلعنون كما وصفوا ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ. ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم، ورفقتهم، والمشي معهم، وتشييع جنائزهم إذا علم موتها، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيء يراه المقيم لا المقام عليه. والله المستعان وعليه التكلان) .
(٢) التتار شعوب أعاجم من جنس الترك قدموا من وسط آسيا وأطرافها الشرقية وثنيون أوباش ذكر شيخ الإسلام في الاقتضاء ١/٣٦٩ أنهم بادية الترك وذكر في جامع الرسائل ٢/ ٣٦٠ أنهم من الأمم البعيدة عن العلم والإيمان كالعرب في جاهليتهم وقال في المنهاج ٥/ ١٥٥ (حتى دخلوا - أي التتار لبغداد - فقتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان، أو أكثر أو أقل، ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر. . .) .
وملك هؤلاء التتر حين دخولهم بلاد الإسلام المدعو هولاكو. قال الشيخ في الفتاوى ١٣ / ١٨ (وكان بعض المشائخ يقول: هولاكو - ملك التتر الذي قهر الخليفة بالعراق، وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جدًا، يقال: قتل منهم ألف ألف. وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ. كان بعض الشيوخ يقول هو للمسلمين بمنزلة بخنتصر لبني إسرائيل. وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع. . .) وكذا إعانة الرافضة لهم، تمثل ذلك في وزيري هولاكو ابن العلقمي، والنصير الطوسي وسيأتي لهما تشهير وفضح.
1 / 113
الطوسي (١) من أئمتهم. وهؤلاء أعظم الناس عداوة للمسلمين وملوكهم، ثم الرافضة بعدهم فالرافضة يوالون من يعادي أهلَ السنة والجماعة، يوالون التتار، ويوالون النصارى.
وقد كان بالساحل بين الرافضة (٢)، وبين الفرنج مهادنة؛ حتى صارت الرافضة تحملُ إلى قبرص (٣) خيل المسلمين، وسلاحهم، وغلمان السلطان، وغيرهم من الجند والصبيان، وإذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المأتم
_________
(١) هو محمد بن محمد بن الحسن المولود سنة ٩٧ ٥هـ والهالك ببغداد سنة ٦٧٢ هـ نصير الشرك ربط شيخ الإسلام نكبة المسلمين ببغداد، وشيوع البدع والزندقة به في مواطن كثيرة من الفتاوى والمنهاج وغيرهم ومما قاله في درء التعارض ٢٧/٥ - ٢٨ وكان خيار علمائهم - التتر - رؤوس الملاحدة مثل النصير الطوسي وأمثاله. . . وهل كان الطوسي وأمثاله ينفقون عند المشركين من التتر إلا بأكاذيب المنجمين، ومكايد المحتالين. المنافية للعقل والدين؟!) .
ولم يلقب الشيخ بلقب المركب نصير الدين لأنه لا يستحقه بل يستأهل ضده ولهذا ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان ٢/ ٠ ٣٨ - ١ ٣٨ فقال (. . . نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو. . . فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء المحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والصابئين والسحرة. . . وقال في كتبه بقدم العالم، وبطلان المعاد. . . وإنكار صفات الرب ﷻ. . . وتعلم السحر في آخر الأمر فكان ساحرًا يعبد الأصنام) . هذه حاله وخاتمته عامله الله بما يستحق. ألا فليعتبر بهذه الأمور وما آلت إليه ولاة المسلمين والمسلمون ولا يتخذوا بطانه من دونهم، حتى لا يألونهم خبالًا ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ . والسنن إذا تشابهت أعاد التاريخ نفسه!
(٢) المقصود بالرافضة في الساحل هو ساحل الشام وهم النصيرية وأصحاب المقالات والفرق يعدونهم من غلاة الرافضة.
(٣) قبرص جزيرة كبيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي قريبة من جنوب تركيا وشمال ساحل الشام فتحها معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عن الجميع ثم في الحروب الصليبية صارت مركزًا للنصارى يتقون منه على المسلمين. . وهي في هذا الزمن قسمان قبارصة أتراك مسلمون في الجملة، وقبارصة يونانيون نصارى في الجملة وكانت قد بقيت بيد المسلمين إلى أثناء المائة الرابعة من الهجرة.
1 / 114
والحزن، وإذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا الفرح والسرور، وهم الذين أشاروا على التتر بقتل الخليفة (١)، وقتل أهل بغداد، ووزير بغداد ابن العلقمي (٢) هو الذي خامر (٣) على المسلمين، وكاتب التتار، حتى أدخلهم أرض العراق بالمكر والخديعة، [ونهى الناس عن قتالهم] (٤)، وقد عرف العارفون بالإسلام أن الرافضة تميل مع أعداء الدين. ولما كانوا ملوك القاهرة، كان
_________
(١) هو أبو أحمد عبد الله الملقب بالمستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس ولد سنة ٦٠٩ هـ وتولى الخلافة سنة ٦٤٠. كان دينا في نفسه، ذو لهو وغفلة، ومن ذلك توزيره لابن العلقمي الرافضي حتى أضعف ملكه، وفرق جنده ثم قتله هولاكو سنة ٦٥٦ هـ لما خرج إليه مع كبراء دولته، ثم استحل هولاكو بغداد أزيد من شهر يقتل وينهب حتى سالت الدماء في الطرقات. ولا حول ولا قوة إلا بالله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ آل عمران. النبلاء ٢٣/ ١٧٤ - ١٨٤، فوات الوفيات ٢/ ٢٣٠ - ٢٣٥، العقد الثمين رقم ١٦٤٤ وتاريخ الخلفاء ٤٦٤.
(٢) هو محمد بن محمد العلقمي وزير المستعصم آخر خلفاء بني العباس - الرافضي الخبيث. ولد سنة ٥٩١هـ وبقي وزيرًا أربع عشرة سنة أشاع الرفض والكفر، وأهان المسلمين، وكاتب هولاكو ملك التتر، وجره وقوى عزمه على قصد العراق ودخولها، وكان سببًا في بلائهم على المسلمين. هلك ابن العلقمي في سنة سقوط بغداد سنة ٦٥٦ س - عامله الله بما يستحقه.
قال الشيخ ابن تيمية في منهاج السنة٥/ ١٥٥ (وكان وزير الخليفة في بغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم - أي الرافضة - فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم - يعني التتر - ويكيد أنواعًا من الكيد حتى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان. .) وانظر المنهاج ٣/ ٣٧٧ و٦/ ٣٧٤ وفضائحه في النبلاء ٢٣/ ٣٦١ والبداية والنهاية ١١/ ٣١٢، الوافي بالوفيات ١ / ٤ ٨ ١، وشذرات الذهب ٥/ ٢٧٢، وفوات الوفيات ٣/ ٢٥٢ وما بعدها.
(٣) في المصرية: خابر بالباء - وهما بمعنى في هذا السباق، قال في القاموس: المخامرة: الإقامة ولزوم المكان، وأن تبيع حرًا على أنه عبد - أي مخادعة وغشًا - والمقاربة، والمخالطة، والاستتار انظر مادة خمر فيه وفي لسان.
(٤) ما بين المعكوفين زيادة من المطبوعة للتوضيح.
1 / 115
وزيرهم مرة يهوديًا، ومرة نصرانيًا أرمنيًا (١) وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرمني، وبنوا كنائس كثيرةً بأرض مصر، في دولة أولئك الرافضة والمنافقين.
وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب فله دينارٌ وأردبّ وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل الشام من المسلمين، حتى فتحه نور الدين (٢) وصلاح الدين (٣) .
_________
(١) الأرمني نسبة إلى أرمينية إقليم في آسيا الوسطى بين بحر قزوين وبلاد القوقاز افتتحها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين، وهم بادية الروم كما ذكره شيخ الإسلام في الاقتضاء ١/ ٣٦٩. وهؤلاء الأرمن يتبعون طائفة الأرثوذكس من النصارى أتباع الكنيسة الشرقية التي كانت في القسطنطينية. كالأقباط والروم والصرب. وهم يقولون بالتثليث، لكن للمسيح عيسى ابن مريم طبيعة واحدة ومشيئة واحدة اتحد فيها اللاهوت بالناسوت ويعتقدون أن روح القدس نشأ من الإله الأب فقط.
(٢) هو أبو القاسم نور الدين محمود بن الأتابك زنكي صاحب الشام ولد سنة ٥١١ هـ، وخلص مدن الشام وسواحلها من الفرنج وأظهر السنة بالشام، وقمع الرافضة بحلب وغيرها، كان دينا يحب العلم والعلماء، بنى المدارس وأوقف المكتبات، مع جهاده الكثير توفي على فراشه سنة ٥٦٩هـ ﵀ وغفر له.
لما عد شيخ الإسلام الملوك الذين نصروا الإسلام والسنة عدة منهم كما في المجموع ٤/ ٢٢و ٣٢/ ٠ ٦ وقال في ٣٥/ ١٥١ (ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين والشهيد صلاح الدين وأتباعهما، وفتحوا السواحل من النصارى ممن كان بها منهم، وفتحوا أيضًا أرض مصر، فإنهم كانوا - أي الرافضة العبيدية - مستولين عليها نحو مائتي سنة، واتفقوا هم والنصارى، فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد، ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية) . وذكره ٣٥/ ١٣٨ كيف أن الشهيد نور الدين محمود، وقائده صلاح الدين الأيوبي أبطلوا شعار الرافضة في بلاد مصر. انظر النبلاء ٢٠/٥٣١، شذرات الذهب ٤/ ٢٢٨ - ٢٣١، تاريخ ابن خلدون ٥/ ٢٥٣ وفيات الأعيان ٥/ ١٨٤ والكواكب الدرية في السير النورية خطوط ومطبوع.
(٣) هو الأمير المجاهد صلاح الدين يوسف بن نجم الدين المولود سنة ٥٣٢ هـ طلب العلم فسمع الحديث على أبي طاهر السلفي وغيره. أمره نور الدين محمود، وبعثه مع عمه أسد الدين شيركوه لفتح مصر وجهاد النصارى، وأظهره الله عليهم في مواطن أشهرها حطين، كان تقيًا محبًا للعلم وأهله وموقرًا لهم. مات مريضًا بدمشق سنة ٥٨٩ هـ، رفع الله درجته في جنته آمين. وقد حفظ التاريخ جهاده للإسماعيلية في الشام، أثنى عليه الشيخ ابن تيمية، وعلى جهاده للنصارى والروافض هو ونور الدين، ومر في ترجمته نور الدين شيء من هذا. قال الذهبي: (محاسن صلاح الدين جمة لا سيما =
1 / 116
وفي أيامهم جاءت الفرنج إلى بلبيس (١)، وغُلبوا من الفرنج؛ فإنهم منافقون، وأعانوهم النصارى والله لا ينصر المنافقين، الذين هم يوالون النصارى، فبعثوا إلى نور الدين يطلبون النجدة، فأمدهم بأسد الدين (٢) وابن أخيه صلاح الدين. فلما جاءت الغُزّى (٣) المجاهدون إلى ديار مصر، قامت الرافضة مع النصارى، فطلبوا قتال الغزّاة المجاهدين المسلمين، وجرت فصولٌ (٤) يعرفها الناس، حتى قتل صلاح الدين مقدّمهم شاور (٥) .
_________
= الجهاد فله فيه اليد البيضاء) النبلاء ٢١/٢٧٨، شفاء القلوب ص ٢٣ وما بعدها، وانظر سيرته المسماة (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) لابن شداد ومفرج الكروب في أخبار بني أيوب لابن واصل، والنجوم الزاهرة ٦/٣-٥.
(١) بلْبيس: ببائين وسكون اللام والياء، والعامة الآن تكسر الباء الأولى: بلدة بمصر في محافظة الشرقية، شرق القاهرة بخمسة وثلاثين كيلًا، على فرع من النيل يسمى الإسماعيلية. انظر المراصد ١/٢١٦.
(٢) هو عم صلاح الدين واسمه: أسد الدين شيركوه بن شادى بن مروان، فاتح الديار المصرية، ومرعب الفرنجة النصارى لقب بالملك المنصور لما قتل شاور، كان من كبار القواد مات فجأة سنة ٥٦٤ هـ رحم الله الجميع، انظر النبلاء ٢٠/٥٨٧ وحسن المحاظرة ٢/٢٣، تاريخ دمشق لابن عساكر ٥٨/٣٦، النجوم الزاهرة ٥/٣٦٧، شفاء القلوب ص ٢٥.
(٣) جمع غازي انظر مادة غزا من القاموس وشرحه.
(٤) من هذا ما كان من شأن مؤتمن خلافة العبيدين اسمه الطواشي وكان حبشيًا حيث كاتب النصارى الفرنج في القدوم إلى الديار المصرية وإخراج جيوش صلاح الدين وعمه أسد الدين ومناهم حيث أرسل بهذا الكتاب مع رجل، لكنه وقع بيد صلاح الدين، فتربص بالطواشي حتى قتله. وثار لمقتله ما يقرب من خمسين ألفًا من الأحباش وغيرهم مما كان على طويته فاقتتلوا بين القصرين مع جيوش صلاح الدين حتى كانت الدائرة عليهم في آخر الأمر. وانظرها في تاريخ البداية والنهاية ١٢/ ٢٧٧ وانظر ٣٠٧-٣٠٩.
(٥) هو أبو شجاع شاور بن مجبر أحد القواد في إمارة العاضد العبيدي على مصر - وهو آخر خلفاء العبيديين بها - لجأ إلى نور الدين زنكي بالشام ثم غدر به واستعان بالنصارى للاستيلاء على مصر. قبض عليه صلاح الدين، وقتله في ولاية عمه أسد الدين شيركوه على مصر سنة ٥٦٤هـ. البداية والنهاية ٢ ١/ ٧٨ ٢، النبلاء ٠ ٢/ ٥١٤، حسن المحاظرة ٢/ ٢٥١، وفيات الأعيان ٢/ ٤٣٩. تاريخ ابن خلدون ٥/٢٤٦.
1 / 117
الكنائس القديمة في بر مصر وحكمها:
وقد كان في بر مصر كنائس قديمة، لكن تلك الكنائس أقرهم المسلمون عليها حين فتحوا البلاد؛ لأن الفلاحين كلهم كانوا نصارى، ولم يكونوا مسلمين، وإنما كان المسلمون الجندَ خاصة، فأقرهم كما أقر النبي ﷺ اليهود على خيبر (١) لما فتحها؛ لأن اليهود كانوا فلاحين، وكان المسلمون مشتغلين بالجهاد. ثم إنه بعد هذا في خلافة عمر بن الخطاب ﵁ لما كثر المسلمون واستغنوا عن اليهود، أجلاهم أمير المؤمنين عن خيبر، كما أقر بذلك النبي ﷺ حيث قال: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" (٢)، حتى لم يبق في خيبر يهودي. وهكذا القرية التي يكون أهلها نصارى وليس عندهم مسلمون، ولا مسجدٌ للمسلمين، فإذا أقرهم المسلمون على كنائسهم التي فيها، جاز ذلك، كما فعله المسلمون.
_________
(١) خيبر مدينة في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وشمال مدينة الرسول ﷺ بينها مسافة ثلاثمائة كيلًا، ويصلها طريق معبد، كان فيها اليهود قديمًا حتى فتحها الرسول ﷺ ثم أخرجهم منها عمر الفاروق ﵁.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بأسانيد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو أحمد الزيدي كلاهما ثنا إبراهيم بن ميمون عن سعد سمرة عن سمرة بن جندب عن أبي عبيدة عامر بن الجراح ﵁ أنه قال: آخر ما تكلم به النبي ﷺ: أخرجوا يهود أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وثنا وكيع به لكنه عن إسحاق بن سعد بن سمرة، وقال في مجمع الزوائد ٥/٣٢٨: رواه أحمد بإسنادين ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما ورواه أبو يعلى، وكل الأسانيد الثلاثة صحيحة، إسناد وكيع فيه وهم والصواب أنه عن سعد بن سمرة وليس عن ابنه إسحاق، وانظر العلل للدارقطني ٤/٤٣٩ وما بعدها، ورواه الطيالسي في المسند ٢٢٩ والدارمي في سننه رقم ٢٤٩٨، والحميدي في المسند رقم ٨٥، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم ٢٣٥ و٢٣٦ وأبو نعيم في الحلية ٨/٣٧٢ وفي معرفة الصحابة رقم ٥٩٦، والبيهقي في الكبرى ٩/٢٠٨. والطحاوي في شرح المشكل ٤/١٢، وهو بمعنى الحديث الذي ذكره الشيخ تمامًا. وروى الحديث الإمام مسلم في كتاب الجهاد - باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب رقم ١٧٦٧ عن جابر عن عمر بن الخطاب ﵄ مرفوعًا بلفظ (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع مسلمًا) . =
1 / 118