والعصاة يعرفون أنهم ظالمون مع الأحرار، ومجرد العلم ليس توبة، بل رجوع القلب عن الذنب إلى الله وطاعته، والتوبة عند نزول العذاب لا تكون صادقة، بل كآل فرعون باللسان من غير عمل. وقال بعض العلماء فيمن تاب عند السيف: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ ١ الآيات وهؤلاء كآل فرعون أو هذا العالم رأى معاينة القتل المتحتم مثل معاينة الملك، ولكن هذا مثل من قطعت حشوته فأيقن بالموت، وهذا تقبل توبته على الصحيح، وتنفذ وصاياه، فإن عمر أوصى في هذه الحال، وغايته أنه أيقن بالموت بعد زمن، وكل أحد موقن بالموت بعد زمن طويل أو قصير، إلا أن يقال من هؤلاء من يضطرب عقله فلا يمكنه توبة صحيحة، ومن المذنبين من لا يتوب صادقا بعد معاينة عذاب الآخرة، فكيف بعذاب الدنيا؟
قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ ٢ الآيتين. ومن الناس من يقول: إن من الذنوب ما لا يزول بالتوبة، كالذين أعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه، والذين قيل لهم: ﴿لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا﴾ ٣. وقال الأكثرون إن ذلك لكونهم لم يتوبوا توبة تمحو مثل ذلك؛ فقوله: ﴿(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ ٤، وقال أيوب السختياني وغيره: المبتدع لا يرجع، واضح بحديث الخوارج؛ وهذا حال من أعقبهم نفاقا في قلوبهم، ولكن ليس وصف جميعهم، فليست البدعة أعظم من الردة، لكنه مظنة، كالذين أسلموا منهم، كان الصحابة يحذرون منهم خوفا من بقايا الردة. فهذا هو العدل في هذا الموضوع، وقد تاب خلق كثير من رأي الخوارج والجهمية والرافضة وغيرهم،
_________
١ سورة غافر آية: ٨٤.
٢ سورة الأنعام آية: ٢٧.
٣ سورة التوبة آية: ٨٣.
٤ سورة الزمر آية: ٥٣.
1 / 62