ولو لم يقم لم يجز لنا القدح في استحقاقهم الجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بينهم خير من الخوض فيه بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كثير منه أو أكثره بغير علم، وهو حرام، لو لم يكن فيه هوى ومعارضة للحق. وقال: "القضاة ثلاثة" ١ إلخ فإذا كان هذا في قضاء بين اثنين في قليل المال وكثيره، فكيف بين الصحابة في أمور كثيرة؛ فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق استوجب الوعيد، ولو تكلم بحق للهوى أو عارض به حقا آخر استوجب الوعيد. فمن سلك سبيل أهل السنة استقام، وإلا وقع في كذب وجهل وتناقض. ثم ذكر إنكار الرافضة توبة الأنبياء والأئمة، وخطبة علي لابنة أبي جهل، وغضبه ﷺ يوم الحديبية لمّا لم يحلقوا، ثم قال: والرافضة تعمد إلى قوم متقاربين تريد أن تجعل أحدهم معصوما والآخر مأثوما، فيظهر جهلهم وتناقضهم، ومن عمد إلى التفريق بين المتماثلين أصابه مثل هذا كأتباع العلماء والمشايخ.
(٧٣) مذهب أهل السنة أن الأمراء الظلمة مشاركون فيما يحتاج إليهم فيه من طاعة الله
فيصلى خلفهم، ويجاهد معهم، ويستعان بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حكم منهم بعدل نفذ حكمه. وإن أمكن تولية بر لم يجز تولية فاجر، فيجتهدون في الطاعة بحسب الإمكان، كما قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ٢، ويعلمون أن الله بعث محمدا ﷺ بصلاح العباد، فإذا اجتمع صلاح وفساد رجحوا الراجح
_________
١ الترمذي: الأحكام (١٣٢٢)، وأبو داود: الأقضية (٣٥٧٣)، وابن ماجه: الأحكام (٢٣١٥) .
٢ سورة التغابن آية: ١٦.
1 / 50