المسيح أن تحب الله بكل قلبك وعقلك ونفسك. والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة لما فيه من الزهد والعبادة، وهم برآء من محبة الله، إذ لم يتبعوا ما أحب الله، بل اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم.
وكثير من الذين اتبعوا أشياء من الزهد والعبادة وقعوا في بعض ذلك من دعوى المحبة مع مخالفة الشريعة وترك الجهاد، ويتمسكون في الدين الذي يتقربون به إلى الله بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه، والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها ولو صدق لم يكن معصوما، وكل عمل أريد به غير الله لم يكن لله، وكل عمل لم يوافق شرعه، لم يكن له، بل لا يكون لله إلا ما جمع الوصفين.
قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ ١ الآية. وقال ﷺ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ٢، وقال: "إنما الأعمال بالنيات" ٣. وهذا الأصل هو أصل الدين، وبحسب تحقيقه يكون تحقيق الدين، وبه أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وهي قطب الدين الذي تدور عليه رحاه.
والشرك غالب على النفوس، كما في الحديث: أخفى من دبيب النمل، وكثير ما يخالط النفوس من الشهوات ما يفسد عليها تحقيق ذلك، كما قال شداد بن أوس: "أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية" ٤ قال أبو داود: هي حب الرياسة، وفي الحديث:"ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" ٥
_________
١ سورة البقرة آية: ١١٢.
٢ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/٧٣،٦/١٤٦،٦/١٨٠،٦/٢٤٠،٦/٢٥٦،٦/٢٧٠) .
٣ البخاري: بدء الوحي (١)، ومسلم: الإمارة (١٩٠٧)، والترمذي: فضائل الجهاد (١٦٤٧)، والنسائي: الطهارة (٧٥) والطلاق (٣٤٣٧) والأيمان والنذور (٣٧٩٤)، وأبو داود: الطلاق (٢٢٠١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٢٧)، وأحمد (١/٢٥،١/٤٣) .
٤ أحمد (٥/٤٢٨) .
٥ الترمذي: الزهد (٢٣٧٦)، وأحمد (٣/٤٥٦،٣/٤٦٠)، والدارمي: الرقاق (٢٧٣٠) .
1 / 18