المسألة الثانية: ما بال الماء والنار إذا هما تلاقيا تنافرا وتضادا، والهواء والأرض قد يماس أحدهما صاحبه ولا يتنافران بينهما ولا يتضادان إذ هما متضادان، وذلك أن الهواء حار رطب والأرض باردة يابسة؟ — فنقول: إن النار إذا لاقت الماء أو ماسته نافرته منافرة شديدة؛ ولا يخلو إما أن يقهرها وإما أن تقهره. وأما الهواء والأرض وإن اختلفا وتضادا، فإنهما لا يتنافران لأن الحرارة التى فى النار قوة فاعلة والبرد فى الماء قوة فاعلة أيضا، واليبس فى النار قوة مفعولة، والرطوبة فى الماء قوة مفعولة أيضا. فإذا لاقت الماء النار نافرت النار الماء لقوة الحرارة الفاعلة فيهما، ولأن القوتين الفاعلتين أعنى الحرارة والبرودة أقوى فى النار والماء من القوة بين المنفعلتين، أعنى الرطوبة واليبس التى فى النار والماء، لذلك كانت منافرتهما ومضادتهما شديدة، ولأن فى الهواء والأرض القوتين المفعولتين أكثر من القوتين الفاعلتين أعنى الحر والبرد، لذلك لم تكن منافرتهما كمنافرة النار والماء اللذين فيهما القوتان الفاعلتان أغلب. ونقول أيضا إن الهواء والأرض قد يتضادان لمكان ما فيهما من القوتين الفاعلتين أعنى الحر والبرد، ولكن لأن هاتين القوتين اللتين فى الهواء والأرض ليستا بكثيرتين لذلك لم تظهر منافرتهما كمنافرة النار والماء. وقد يتنافر الهواء والأرض والأرض والهواء إذا حركهما محرك من خارج فأضاف قوة فعله إلى فعلهما، فإذا أضاف قوة الفاعل الذى فى الهواء والأرض تنازعا وتضادا. وذلك لأن الهواء إذا دفعه دافع سمع له صوت وأزال الحجر. وكذلك الحجر إذا وقع فى الهواء أثر فى الهواء فعلا قويا وهرب كل واحد منهما من صاحبه.
[chapter 3]
Sayfa 44