فدهشت وتوقعت صراعا من نوع ما غير أنه ضحك وقال: يد الله مع الجماعة! - ماذا تعني؟ - نستدرجها معا إلى غابة التين الشوكي!
فصحت به: عليك اللعنة!
وكان ذلك قبيل رحيل آل مصطفى بأيام، فسرعان ما تلاشى سوء التفاهم، على أني لم أعرف له بعد ذلك قصة حب أو زواج، واقتصر نشاطه في ذلك المجال على مصادقة المومسات. ولما يئست أمه من تعليمه أرادت أن تجد له عملا، وكانت تردد دائما أن أي عمل خير من البطالة. وقصدت قريبا لها من الكبراء هو أحمد باشا ندا، فوظفه في وزارة الأوقاف، ولكنه لم يستطع المواظبة على العمل، وكان يمضي يومه في الفيشاوي منتظرا سيد شعير حتى يفرغ من عمله في دكان أبيه، وسرعان ما فصل من الوزارة، ولم يتخلف يوما عن سهراتنا الأسبوعية سواء كنا طلبة أم موظفين، وتمكن منه إدمان الخمر، فكان يشرب كل ليلة، يشرب أرخص الخمر وأردأها التي تتناسب مع دخله، ويمكن تخيل ما أحدثه ذلك في أمه من قلق وأسى، وهو نفسه قال لنا ذات ليلة ونحن نسمر في مقهى سيد شعير بوجه البركة: أمي لا تريح ولا تستريح، تريد أن تخلق لي عملا ولكن أي عمل؟ وتريد أن تزوجني ولكن أي زوجة؟
فقال له عيد منصور: دخلك الثابت عشرة جنيهات، وهو دخل طيب لو قنعت بسكرة واحدة في الأسبوع، وما عليك إلا أن تبحث عن زوجة ذات إيراد.
فضحك كالعادة وقال: إني أنتظر الفرج، وهو آت عما قريب!
وكان يقصد قريبه أحمد باشا ندا الذي تولى رئاسة الديوان الملكي فسأله عيد منصور وهو أشغفنا بالشئون المالية: ألك فكرة عن ثروته؟
فأجاب شعراوي وهو يملأ كأسه بالكونياك الجهنمي: عشرون ألفا من الأفدنة، أما أمواله السائلة فلا يعلمها إلا الله. - ولا ورثة له غيركم؟ - أمي هي قريبته الوحيدة الباقية.
وكان رضا حمادة يؤكد لنا تلك المعلومات نقلا عن أبيه. ومن الطريف أننا لم نعلم بقرابة شعراوي لأحمد باشا ندا إلا في وقت متأخر نسبيا؛ إذ إنه أخفاها على عهد المدرسة الابتدائية لسوء سمعة الباشا كرجل من رجال السلطان، وعدو من أعداء سعد زغلول. واسترسل شعراوي يقول: أمي هي الوريثة الوحيدة له، وأنا الوريث الوحيد لها، والباشا الآن في الخامسة والسبعين من عمره، وكل آت قريب!
وسأله جعفر خليل: حدثنا عما ستفعل بالتركة إذا آلت إليك؟
فضحك طويلا وقال: آه لو تتحقق الأحلام، سأبني قصرا في القاهرة، وآخر في الإسكندرية كالباشا نفسه، وسأملأ الخزائن بجميع صنوف الخمر المعتقة، وأما النسوان ...
Bilinmeyen sayfa