ودعي لإلقاء محاضرات أسبوعية في الإذاعة، وقلت له بمكتبه بجريدة المصري: يقولون إنك أصبحت من أصدقاء السفارة البريطانية.
فقال ساخرا: لا عداوة تدوم ولا صداقة، أعترف بأنني في هذه الحرب حليف للإنجليز!
فقلت له: يبدو أن نجمهم آخذ في الأفول!
فقال بحدة: لا خوف من انتصار النازية حتى إذا انتصرت، فإن للتاريخ قوانينه وهي أقوى من الحرب والنصر.
ولما جاءت حكومة الوفد عمل معها بإخلاص كشأنه قبل أن يتولى سعد زغلول وزارته، ولما زحفت جيوش رومل نحو الحدود المصرية هرب مع الهاربين إلى السودان. ثم رجع عقب انقلاب الميزان ليواصل جهاده الصحفي. وأذكر أنه جلس بيني وبين رضا حمادة في مأتم المرحوم جعفر خليل عام 1950 فحدثنا عن أفراح الوطن بعودة الوفد ولكنه قال: لم يعد بوسع حزب من الأحزاب مهما تكن شعبيته أن يواجه الموقف.
وتكلم عن الولايات المتحدة باعتبارها روح الشر في العالم، قال: لا نجاة للعالم إلا بالشيوعية العالمية.
ولما انصرف قال لي رضا حمادة: لا يوجد إنسان كهذا الرجل يجمع الكل على بغضه!
فقلت بصدق: ولكنه رجل ذو عقيدة ومنزه عن الأغراض.
ولما قامت ثورة يوليو 1952 تكشف ذلك البناء المنطقي المنسجم مع ذاته عن تناقضات كالخيال في غرابتها، وهو في الظاهر لعب الدور المنتظر منه. كان حقيقة فكرية واضحة للصديق والعدو، عمل في جريدة الثورة واضعا قلمه في خدمتها، ولكنه تكشف لخاصته المقربين عن حزمة من المتناقضات جعلت منه في النهاية شخصا مجهول الهوية، تحمس لإلغاء النظام الملكي تحمسا لا مزيد عليه واعتبره معجزة من المعجزات، ولكنه همس في فتور: ذهب الملك وحل محله عدد غير محدود من الملوك!
وفرح بالقضاء على الإقطاع وتحديد الملكية الزراعية ولكنه قال: المسألة هي ملكية أو لا ملكية، أما توزيع الأرض على الفلاحين فمن شأنه أن يقوي غريزة الملكية المتوارثة من عصور الظلام!
Bilinmeyen sayfa