وكان هو يشتد على نفسه في العبادة فيقوم كثيرا من الليل وربما واصل بين الليل والنهار في صيامه، وكان أصحابه يريدون أن يصنعوا صنيعه فينهاهم عن ذلك أشد النهي كراهة أن يشددوا على أنفسهم فيشدد الله عليهم. ويقول لهم في مواصلة الصوم: إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني. يريد أن الله يمنحه من الصبر والجلد وحسن الاحتمال ما لا يمنح غيره من أصحابه.
ونحن نروي لك شيئا من موعظته لأصحابه لترى كيف كان يبلغ بوعظه أعماق النفوس ودخائل الضمائر.
قال لأصحابه ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق. وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا، فيتبع الحجر، فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان. ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى.
قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟
قال: قالا لي: انطلق.
قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه.
قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى.
قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟
قال: قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات.
قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا.
Bilinmeyen sayfa