ونكص فريق آخر - وهم بنو قينقاع - عن الوفاء بالحلف، أهانوا امرأة واستنصرت المرأة المسلمين فكان خصام قتلوا فيه رجلا مسلما واعتلوا في ذلك بعلل لا قيام لها، فأجلاهم النبي عن المدينة لم يرزأهم إلا السلاح.
وغدر الفريق الآخر يوم الأحزاب فلم يمتنعوا عن نصر المسلمين فحسب، ولكنهم أعانوا عليهم وانضموا لحلف قريش، فحاصرهم النبي والمسلمون حتى أنزلهم على حكمه، ثم حكم فيهم سعد بن معاذ - رحمه الله - بأن تقتل المقاتلة وتحتاز الأموال وتسبى الذراري والنساء، فأنفذ النبي هذا الحكم.
ووصف الله عز وجل في القرآن ما أصاب بني قريظة هؤلاء في سورة الأحزاب حيث يقول:
وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا .
وكانت لليهود بقية قوية غنية في «خيبر» وفي «وادي القرى» فسلط الله رسوله عليهم بعد يوم «الحديبية» - وهو الفتح القريب الذي وعد به المؤمنين - فغزاهم في أصحابه ولم ينصرف عنهم حتى فتح حصونهم، وغنم أرضهم وأعملهم فيها على أن لهم نصف ما تخرج من الثمرات وللمسلمين نصفها.
وكذلك قضى على اليهود في الحجاز، خلت منهم المدينة وبقي منهم من بقي في خيبر ووادي القرى خاضعين للمسلمين يعملون في أرضهم ويعيشون من عملهم لا يملكون قوة ولا مكرا ولا كيدا.
وقد أمر الله نبيه ومن آمن معه ألا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأن يقولوا لهم آمنا بالذي أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون.
لم يستثن من هذا الأمر بالرفق والجدال الرقيق مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا الذين ظلموا وبينوا بظلمهم أن الرفق والرقة لا يجديان معهم شيئا، وذلك في الآية الكريمة من سورة العنكبوت:
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون .
فلما هاجر النبي إلى المدينة واستقر فيها مع أصحابه من المهاجرين والأنصار لم يعاد اليهود ولم يبادهم بسوء، وإنما رفق بهم كل الرفق، وأراد أن تقوم الصلات بينه وبينهم على حسن الجوار وعلى التعاون والنصر عند البأس. وقبل اليهود منه ذلك ولكنهم لم يلبثوا أن أظهروا أنهم كانوا حقا من الذين ظلموا واستثناهم الله في الآية الكريمة السابقة. فاشتد الجدال بينهم وبين النبي في الدين أولا وأنزل الله فيهم قرآنا كثيرا.
Bilinmeyen sayfa