Cahiliye Döneminde Kadın

Habib Zayyat d. 1373 AH
22

Cahiliye Döneminde Kadın

المرأة في الجاهلية

Türler

وقد كانت المرأة عالمة بهذه المنزلة التي لها في القلوب، فكانت تستخدمها، لا لتبلغ مآربها، ولكن لتبعث روح الحمية والإقدام في نفوس قومها، وتضرم في أفئدة الشبان نار الشجاعة والغيرة، وتحملهم بما لها من النفوذ في أهوائهم على الترفع عن الدنايا واجتناب مساوئ الأخلاق. وقد نقل عن بعض نساء بني كنانة، لما خشيت من خيل تغير على حيها، أنها خرجت من خيمتها وكانت حسناء تامة الحسن، وجلست بين صواحب لها، ثم دعت وليدة من ولائدها وقالت: ادعي لي فلانا. فدعت لها رجلا من الحي، فقالت له: إن نفسي تحدثني أن خيلا تغير على الحي، فكيف أنت إن زوجتك نفسي؟ فقال: أفعل وأصنع. وجعل يصف نفسه فيفرط، فقالت له: انصرف حتى أرى رأيي. وأقبلت على صواحباتها فقالت: ما عنده خير، ادعي لي فلانا. فدعت آخر، فخاطبته فأجابها بمثل جوابه فقالت له: انصرف حتى أرى رأيي. وقالت لصواحباتها وما عند هذا خير أيضا. ثم قالت للوليدة: ادعي لي ربيعة بن مكدم. فقالت له: مثل قولها للرجلين، فقال لها: إن أعجز العجز أن يصف الرجل نفسه، ولكني إن لقيت أعذرت، وحسب المرء غناء أن يعذر. فقالت له: قد زوجتك نفسي، فاحضر غدا مجلس الحي ليعلموا ذلك. فلما كان الغد تزوجها وخرج من عندها ودافع الخيل عنها خير دفاع، فلينظر كيف أن هذه المرأة لما كانت عارفة بمقدار السلطة التي لها على النفوس، ورأت أن المقام حينئذ أصبح حرجا واحتاج الحي إلى من يرد عنه هجمات العدو؛ بذلت نفسها جائزة لمن يحمي حوزتها، ولم تبخل بجمالها على أول فارس رأت فيه الكفاءة للدفاع، وإن كانت ربما لم تر فيه الزوج الذي يهواه قلبها.

ومن أظهر الدلائل الشاهدة بما كان للمرأة من التأثير في أفئدة قومها، ما نقل عن ابنتي الفند الزماني يوم التحالق، أنها لما اشتدت الوغي وحمي القتال وخاف بنو بكر من الفرار، عمدت إحداهما إلى أثوابها فألقتها عنها وأقبلت عارية مجردة، وجعلت تحض الناس وتنشد الأشعار، ثم اقتدت بها أختها الأخرى فكشفت عن جسمها، ووثبت بين القوم تحرض الفرسان على القتال وهي تنشد:

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فتحمس القوم وثارت في رءوسهم حمية الجاهلية، ووثبوا يتقاتلون قتالا منكرا، ولا جرم أن المتأدب بآداب هذا العصر يستفظع فعل هاتين الفتاتين وينسبهما إلى القحة والفجور، كما اتهمهما بذلك بعض الرواة، ولكن من راجع ما ذكرته من معرفة المرأة بسلطتها على الأفكار وتأثيرها في النفوس، وتدبر أخلاق أهل الجاهلية وصحة آدابهم؛ قضى أنهما لم تفعلا ما فعلتا إلا لتضرما في صدور المتقاتلين نار الغيرة على حماية الأعراض، ودفع العار الذي يلزم من الفرار، دون أن يخطر لهما ببال أن ظهورهما بذلك المظهر قد ينكر عليهما أو ينسب إلى سفاهة وفجور؛ نظرا للعفة التي كانت متصفة بها المرأة في الغالب، وحرصها على صيانة النفس من الانقياد إلى ما يأمر به داعي الشهوات والاستسلام إلى أميال الرجل، حتى فيما كان يجري بينهما من مطارحات الحب وأحاديث الغرام، مما لا يبقى للنفس معه قدرة على كبح جماح الهوى والإغضاء عن مطالب القلب. ولذلك كان بعض النساء، لشدة تمسكهن بأذيال العفة، إذا اشتد بهن الغرام يؤثرن الموت طاهرات على التلطخ بأوضار الإثم. وقد عرفت بذلك خاصة قبيلة بني عذرة واشتهر عنها، حتى كان العرب إذا أرادوا أن يصفوا الحب الطاهر قالوا عنه حب عذري، نسبة إلى هذه القبيلة، كما يقال عند غيرهم حب أفلاطوني.

بيد أن المرأة كانت، مع هذه الحصانة والنزاهة، كثيرا ما تعرض للتهمة وسوء الظن، فيحل بها البلاء على غير استحقاق، وذلك أن العرب لشدة غيرتهم كانوا إذا أراد أحدهم سفرا عمد إلى شجرة فعقد غصنين من أغصانها، وهو ما كانوا يسمونه بالرتم، فإن رجع وكان الغصنان على حالهما، قال إن امرأته لم تخنه، وإلا فقد خانته. وعلى ذلك فإن عرض المرأة ونقاءه كان موكولا إلى رحمة القدر، متوقفا على غصنين ربما هبت الريح ففصلتهما، أو عمد إليهما بعض من له حاجة فحل عقدهما، ومن ثم لا يخلو أن يكون بعض ما نقل من الأبيات التي اتهمت فيها المرأة بالخيانة وبذل العرض مسببا عن مثل ذلك، وبالتالي جديرا بالاطراح في مقام الحكم والاستشهاد.

ومن النساء اللواتي اشتهرن بالعفة ليلى بنت لكيز الملقبة لذلك بالعفيفة، وكانت تامة الحسن كثيرة الأدب، خطبها كثيرون من أشراف العرب وأبناء الملوك، فصانت نفسها تعففا عنهم، وعن ابن عمها البراق بن روحان مع رغبتها فيه، ثم سمع بها ابن لكسرى ملك العجم، فبعث من اختطفها وحملها إليه، وأرادها على التزوج به فأبت، فجعل يضيق عليها ويضربها، وهي لا تزداد إلا منه نفرة وعنه تصونا، حتى استنقذها ابن عمها البراق. وهي القائلة عن ابن كسرى لما جعل يعذبها:

يكذب الأعجم لا يقربني

Bilinmeyen sayfa