فأما البياض والسواد وسائر الألوان فليس إنما تقال كيفيات انفعالية بهذه الجهة التى بها قيلت هذه التى تقدم ذكرها، لكن من قبل أنها أنفسها إنما تولدت عن انفعال. ومن البين أنه قد يحدث عن الانفعال تغايير كثيرة فى الألوان: من ذلك أن المرء إذا خجل احمر، وإذا فزع اصفر، وكل واحد مما أشبه ذلك. فيجب من ذلك إن كان أيضا إنسان قد ناله بالطبع بعض هذه الانفعالات من عوارض ما طبيعية، فلازم أن يكون لونه مثل ذلك اللون. وذلك أنه إن حدثت الآن عند الخجل حال ما لشىء مما للبدن فقد يمكن أيضا أن تحدث تلك الحال بعينها فى الجبلة الطبيعية فيكون اللون أيضا بالطبع مثله. فما كان من هذه العوارض كان ابتداؤه عن انفعالات ما عسرة، حركتها ذات ثبات، فإنه يقال لها كيفيات: فإن الصفرة والسواد إن كان تكونه فى الجبلة الطبيعية فإنه يدعى كيفية إن كنا قد يقال فينا به: كيف نحن؟ أو كان إنما عرضت الصفرة أو السواد من مرض مزمن أو من إحراق شمس فلم تسهل عودته إلى الصلاح أو بقى ببقائنا — قيلت هذه أيضا كيفيات. وذلك أنه قد يقال فينا بها على ذلك المثال كيف نحن. فأما ما كان حدوثه عما يسهل انحلاله ووشيك عودته إلى الصلاح قيل انفعالات، وذلك أنه لا يقال به فى أحد: كيف هو، فإنه ليس يقال عن أحمرلخجل: أحمرى، ولا من اصفر للفزع: مصفر، لكن أنه انفعل شيئا. فيجب أن تقال هذه وما أشبهها انفعالات، ولا تقال كيفيات.
وعلى هذا المثل يقال فى النفس أيضا كيفيات انفعاليه وانفعالات. فإن كان تولده فيها منذ أول التكوين عن انفعالات ما فإنها أيضا تقال كيفيات، ومثال ذلك تيه العقل والغضب وما يجرى مجراها، فإنهم به يقال فيهم بها: كيف هم، فيقال غضوب وتائه العقل، وكذلك أيضا سائر أصناف تيه العقل إذا لم تكن طبيعية لكن كان تولدها عن عوارض ما أخر يعسر التخلص منها. أو هى غير زائلة أصلا يقال كيفيات، وذلك أنه يقال فيهم بها: كيف هم. — وما كان حدوثه فيها عن أشياء سهلة وشيكة العودة إلى الصلاح فإنها تقال انفعالات مثل ذلك الإنسان إن غم فأسرع غضبه: فإنه ليس يقال غضوبا من أسرع غضبه بمثل هذا الانفعال، بل أحرى أن يقال إنه انفعل شيئا، فتكون هذه إنما تقال انفعالات، لا كيفيات.
Sayfa 33