[المدخل]
[مقدمة الشارح]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (1)
الحمد لله الذي شرع (2) فرائض الصلاة، وجعلها بعد الإيمان أفضل طاعات (3) العالمين (4)، وشرح غوامضها (5) بالبينات؛ إزاحة لعلل المكلفين، وأطرى في جلالة قدرها بقوله في كتابه المبين تنبيها للغافلين وإرشادا للجاهلين حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (6).
والصلاة والسلام على أفضل المصلين (7) والسابقين، وسيد الأولين والآخرين، محمد النبي وآله الطاهرين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
وبعد، فهذه كلمات قليلة، مشتملة على فوائد جليلة، علقتها على الرسالة الشهيرة، السائرة في الأقطار مسير الشمس المنيرة، المشتملة على فروض الصلاة العينية، الموسومة بالدرة (8) الألفية، تفتح من معانيها مغلقها، وتقيد من مبانيها
Sayfa 3
مطلقها، وتحل عقد معظلها، وتبين جمل مشكلها.
وضعتها مع قلة فراغ البال، وكثرة اختلال الحال، راجيا أن ينفع الله بها- كما نفع بأصلها- الطالبين، وأن يثبت لي بها قدم صدق يوم الدين، مازجا للأصل بالزوائد؛ تكثيرا للفوائد، وتصييرا لهما ككتاب واحد، معرضا في الغالب عن إقامة الدليل؛ حذرا من الإطناب والتطويل، وسميته (المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية)، والله يهدي السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال المصنف، الشيخ الإمام العلامة، المحقق السعيد، أبو عبد الله الشهيد، رفع الله درجته، وأعلا منزلته:
Sayfa 4
[شرح ديباجة الرسالة]
(بسم الله الرحمن الرحيم)
مقتديا في الابتداء بالبسملة بكتاب الله تعالى، وبالخبر المشهور عن رسول الله «(صلى الله عليه وآله): «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» (1) وروى: «أقطع» (2).
ولا يعارضه الخبر المتضمن لكون الابتداء بالحمد لله (3)؛ لأن الابتداء حقيقي وإضافي، فجاز الجمع بينهما، أو أن البسملة مشتملة على الحمدلة؛ إذ المراد منه الثناء الآتي، لا لفظ الحمد، وهو متحقق في البسملة.
والباء إما زائدة لا تتعلق بشيء، أو للاستعانة، أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف هو:
مصدر مبتدأ خبره محذوف، أي: ابتدائي باسم الله ثابت. ولا يضر حذف المصدر وإبقاء معموله؛ للتوسع في الجار والظرف بما لا يتوسع في غيرهما.
أو فعل، أي: اؤلف أو ابتدئ.
أو حال من فاعل الفعل المحذوف، أي: ابتدئ مستعينا أو متبركا.
وتقديم المعمول هنا أهم وأدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم، وأوفق للوجود.
Sayfa 5
والاسم لغة: ما دل على مسمى (1)، وعرفا: ما دل مفردا على معنى في نفسه غير متعرض ببنيته لزمان.
والتسمية: جعل اللفظ دالا على ذلك المعنى.
وأدخل الجار على الاسم وإن كان المقصود مدلوله؛ لحصول الدلالة، فإن الحكم الوارد على الاسم وارد على مدلوله، إلا بقرينة- كضرب: فعل- وللتحرز عن إيهام القسم، وللإشعار بتعميم الحكم لجميع أسمائه، أو بأنه تعالى في غاية الكمال، بحيث يتبرك باسمه المتعال.
و(الله) أصله إله (2)، حذفت الهمزة وعوض عنها (3) حرف التعريف، ثم جعل علما للذات الواجب الوجود، الخالق لكل شيء، لا اسما لمفهوم الواجب لذاته؛ لأنه أمر كلي، فلا يفيد التوحيد في مثل: لا إله إلا الله؛ لأن المفهوم من حيث هو يحتمل الكثرة.
ووصفه بالأحدية في قوله تعالى قل هو الله أحد (4) لا ينافي الجزئية الحقيقية؛ لأن المراد بها نفي التعدد الذاتي كالواحدية والأحدية تقتضي نفي التعدد مطلقا- الاعتباري وغيره- حتى الصفات التي هي اعتبارات ونسب، كما قال على (عليه السلام): «وتمام توحيده نفي الصفات عنه» (5). مع إمكان كون أحد في الآية بدلا من الله، وهو خبر للضمير.
و«الرحمن الرحيم» وصفان بنيا من الرحمة؛ للمبالغة. وقدم الرحمن؛ لأنه أبلغ، فإن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، كما في قطع وقطع. وبين اللفظين عموم من وجه، فإن «الرحمن» أعم من حيث المتعلق، وأخص من جهة المورد، و«الرحيم»
Sayfa 6
بالعكس، كما قال الصادق (عليه السلام): «الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم بالعكس» (1).
(الحمد) وهو لغة: الثناء باللسان على الجميل، (2) ولا يحتاج إلى التقييد بجهة التعظيم والتبجيل (3)؛ لترادفهما، ولأن الثناء حقيقة في الخير؛ لأن الثناء على الجميل غير الثناء به. والتقييد باللسان تخصيص لمورده، وإطلاق الجميل تعميم لمتعلقه، وبذلك يمتاز عن الشكر، وهو الفعل المنبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه، فإنه أعم موردا وأخص متعلقا، وفيه تعليل للثناء، ومن ثم اختار الحمد عليه.
وقد يستغني الحمد عن قيد اللسان؛ لأن الثناء حقيقة لا يكون إلا به، وثناء الله على نفسه مجاز، إلا أنه لا يمنع من التصريح به. والمدح يرادف الحمد على هذا التعريف، وقد يخص جميل الحمد بالاختياري، فيكون أخص من المدح مطلقا.
والحمد عرفا: هو الشكر اللغوي، والشكر فيه: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.
فحصل من ذلك ستة أقسام: حمد لغوي وعرفي، وشكران كذلك، ومتعاكسان.
فبين الحمدين وبين الحمد اللغوي والشكر اللغوي عموم من وجه، وبين الشكرين وبين الحمد والشكر العرفيين وبين الحمد اللغوي والشكر العرفي عموم مطلق، وقد عرفت أن بين الحمد العرفي والشكر اللغوي تساو.
واللام في (الحمد) (4) للاستغراق أو الجنس.
وعلى التقديرين فالحمد مختص وثابت (لله) لا يشركه فيه غيره، إلا على وجه التوسع والتجوز؛ لأنه فاعل الآلات من القدرة والعلم وغيرهما.
وإنما تساوى القولان هنا- مع أن الجنس لا يفيد الشمول- لوجود لام الاختصاص
Sayfa 7
في (لله)، فلا فرد من الحمد لغيره على تقدير الجنس، وإلا لوجد الجنس معه، فلا يكون مختصا به.
وعدل إلى الجملة الاسمية؛ لدلالتها على الثبوت وضعا، والدوام عقلا. وقدم الحمد؛ لاقتضاء المقام له وإن كان تقديم اسم الله مناسبا للاهتمام الذاتي.
(رب) أي مالك العالمين أو سيدهم، وقد يطلق على غير الله، كرب الدار والعبد، لكن مع القيد، ومنه قوله تعالى ارجع إلى ربك (1).
و(العالمين) جمع ل(عالم)، وهو: اسم لما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض.
(والصلاة) وهي الدعاء من الله وغيره، لكنها منه تعالى مجاز في الرحمة.
وهو أولى مما قيل: من أنها منه تعالى بمعنى الرحمة، ومن غيره الدعاء بطلبها. أو أنها منه كذلك، ومن ملائكته الاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء (2)؛ لاستلزامهما الاشتراك، والمجاز خير منه، والمعنى الأصلي أولى من النقل.
وعطف الرحمة على الصلاة في قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة (3) لا يقدح في كونها بمعناها؛ لجواز عطف الشيء على مرادفه، كقوله تعالى:
إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله (4)، و لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (5)، وهو كثير .
(على أفضل المرسلين) جمع مرسل، وهو بالنسبة إلى البشر إنسان أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه، فإن لم يؤمر به فنبي.
وقيل: إنه- مع ذلك- من كان له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله، فإن لم يكن كذلك فنبي (6).
Sayfa 8
فالرسول أخص من النبي مطلقا، ولو حظ فيه مطلق الرسول بحيث يشمل الملك كان خصوصه من وجه. وكيف كان فنبينا «(صلى الله عليه وآله) أفضل المرسلين مطلقا، وهو يستلزم أفضليته من سائر الأنبياء.
(محمد) بدل من (أفضل)، أو عطف بيان. وهو علم منقول من اسم المفعول، المضعف للمبالغة في الوصف، الذي سمي باعتباره نبينا (صلى الله عليه وآله)، إلهاما من الله تعالى، وتفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له؛ لكثرة خصاله الحميدة، وقد ورد أنه قيل لجده عبد المطلب- وقد سماه في يوم سابع ولادته؛ لموت أبيه قبلها-: لم سميت ابنك محمدا، وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض (1)، وقد حقق الله رجاءه.
(وعترته) وهم- كما قال الجوهري-: نسله ورهطه الأدنون (2)، والمراد هنا: الأئمة الاثنا عشر وفاطمة (صلوات الله عليهم).
(الطاهرين) من النقائص والرذائل الخلقية والنفسية، على وجه يبلغ حد العصمة، كما دلت عليه آية الطهارة (3).
(وبعد) الحمد والصلاة (فهذه) إشارة إلى العبارة الذهنية التي كتبها أو يريد كتابتها، الدالة على المعاني المخصوصة، نزلها منزلة الشخص المشاهد المحسوس، فأشار إليها ب(هذه).
وليس المراد بالرسالة النقوش المخصوصة الدالة على المعاني الخاصة، حتى تكون الإشارة إلى المدون في الخارج إن كان وضع الديباجة بعد الرسالة، وإلى المرتب الحاضر في الذهن إن كان قبله؛ لأن النقش الخاص يتعدد مع تعدد الرسالة، بل المراد بها العبارات المعينة الدالة على المعاني المخصوصة، سواء نقشت أم لا، وسواء تعدد نقشها أم اتحد.
Sayfa 9
والفاء هنا من قبيل عطف التوهم؛ لدخول (أما) هنا كثيرا، وفيها معنى الشرط الموجب لدخول الفاء في جوابها.
ومن الباب قول زهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضي
ولا سابق (1) شيئا إذا كان جائيا
(2) بكسر (سابق) على توهم دخول الباء على خبر ليس، لوقوعه كثيرا.
وقول الأخر:
ما الحازم الشهم مقداما ولا بطل (3) وتقدير (أما) المحذوفة هنا- مهما يكن من شيء- بعد الحمد والصلاة:
فهذه (رسالة) وهي جملة يسيرة من الكلام (وجيزة) مؤدية للمقصود بأقل من عبارة المتعارف بين الأوساط الذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفقاهة (4).
ووصفها بالوجازة المؤذنة بالمدح؛ لعدم اقتضاء الحال الاطناب، إذ الغرض من التصنيف إيصال المعنى إلى فهم المتعلم، فترك التطويل أقل كلفة، وأسهل على الحافظ، وإلا فقد يقتضي الحال كون البلاغة هي الإطناب.
(في فرض الصلاة) أي في واجبها؛ لمرادفة الفرض للواجب عندنا. وأراد به الجنس، إذ الغرض بيان جميع واجبات الصلاة الواجبة.
وأطلق الصلاة وإن كان المراد الواجبة؛ لخروج المندوبة بذكر الفرض، إذ النافلة لا فرض فيها.
صنفتها (إجابة لالتماس) أي طلب المساوي من مساويه حقيقة أو ادعاء، كما يقتضيه مقام الخطاب. (من)، أي شخص أو الشخص الذي (طاعته)، وهي (5)
Sayfa 10
امتثال ملتمسه (حتم)، أي واجبة محتومة. وفي الإخبار بالمصدر دون اسم المفعول مبالغة وتأكيد، كما في قولك: رجل عدل، في العدول عن اسم الفاعل.
ولا ستواء المذكر والمؤنث في المصدر اكتفى به عن إظهار تأنيث الخبر عن (طاعته) المؤنثة.
(وإسعافه) بحاجته، وهو قضاؤها له، تقول: أسعفت الرجل بحاجته: إذا قضيتها له.
(غنم) وهو مصدر «غنم»، والاسم «الغنيمة».
بقي في العبارة فوائد:
الأولى: الإجابة مصدر قولك: أجاب يجيب، والاسم: الجابة، بغير همز، وانتصابه على المفعول لأجله، والعامل فيه محذوف، أي صنفتها إجابة. والمراد بالإجابة: الانقياد والتسليم وامتثال الأمر وأخويه. (1)
الثانية: الالتماس حقيقة: هو الطلب من المساوي، كما أن الأمر: طلب الأعلى، والدعاء والسؤال: طلب الأدنى. لكن قد يتجوز في كل من الثلاثة بحسب مقتضى المقام، فيستعمل أحدها مكان الآخر.
والمناسب لأبواب الخطابة تعظيم الطالب وتفخيمه، فلذلك أطلق الالتماس في موضع السؤال؛ لدلالة الظاهر على أن الواقع هنا طلب الأدنى لا المساوي.
ومثله في استعمال بعضها في موضع بعض قوله تعالى لنبيه وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا (2)، وقوله تعالى فما ذا تأمرون* (3)؛ لاقتضاء مقام المستعلم للحال التعبير بالسؤال وإن كان في ذاته أشرف، واقتضاء الاستشارة والاحتياج إلى إخراج الرأي السديد التواضع وإن كان مقام الملك أعلى من مقام الرعية.
ومثله القول في اقتضاء باب الخطابة، وهذا هو المعبر عنه بالادعاء، وجعله
Sayfa 11
قسيما للحقيقة.
الثالثة: في إبهام اسم (1) المسند إليه بجعله موصولا أو نكرة موصوفة، والكشف عنه بالصلة أو الصفة، وجعلها طاعة واجبة، تعظيم وتفخيم للطالب، مضافا إلى ما تقدم من جعله ملتمسا.
ومن التعبير بالموصول لمقام التفخيم قوله تعالى فغشيهم من اليم ما غشيهم (2)، وما ذكر في الآية من المثال موافق للمذكور هنا نوعا.
ومن التعبير بالموصول على وجه التعظيم الموافق لشخص مثال المصنف قول أبي العلاء:
أعباد المسيح يخاف صحبي
ونحن عبيد من خلق المسيحا
(3) وهذا باب محقق في محله.
الرابعة: الذي يقتضيه السياق ومقام الخطابة كون التعبير عن إجابة الطاعة بكونها واجبة على سبيل المبالغة والتعظيم، كما قد عرفته في نظائره.
وفي بعض قيود الرسالة- وربما نسب إلى المصنف- (4) أن طاعته إنما كانت حتما؛ لأنه سأل واجبا، وهو صحيح في نفسه وإن كان فيه خروج عن مقاصد أبواب الخطابة، ولعله اكتفى في مقاصدها بما تقدم من الالتماس والطاعة.
ورده الشارح المحقق الشيخ علي(رحمه الله) رأسا، وجعله فاسدا لفظا ومعنى:
أما اللفظ؛ فلأنه مفوت لجزالة الكلام، والغرض من المبالغات المقصودة بما قبله وما بعده.
وأما من جهة المعني؛ فلأنه إنما يستقيم ذلك من اللفظ أن لو قال: من طاعته في ذلك حتم. والصورة التي أتى بها مطلقة، فكيف يقتصر بها على المسؤول. قال:
Sayfa 12
ولو سلم ذلك لم يتم الوجوب؛ لأن الواجب هو التعليم لا التصنيف (1).
ويمكن الجواب عن الأول: بأن الجزالة المطلوبة من الخطابة قد تأدت بجعله ملتمسا، وجعل إجابته طاعة، ولا يجب البلوغ إلى الغاية في ذلك، بل على تقدير تفويت الجزالة رأسا لا يوجب الخلل، فكيف مع وجودها. والعدول عن باب الخطابة إلى مقام الترغيب والترهيب في تعليم المتعلم وتنبيه الغافل، ووجوب إرشاد العالم الجاهل - كما قد أرشدت إليه الأدلة من الكتاب والسنة (2)- أمر مطلوب.
وعن الثاني: بأن حذف مثل ذلك مع دلالة السياق والسباق عليه من قوله: (فهذه رسالة في فرض الصلاة)، وكونها قد صنفت إجابة لالتماس الطالب، وغير ذلك جائز، بل مقتضى الوجازة حذف ما دل عليه المقام واستفيد المحذوف من باقي الكلام، وقد جاء في القرآن وفصيح كلام العرب من أنواع الحذف التي لا يدل على بعضها دليل من اللفظ ما أفرد له أبواب، ومن أراد معرفته مستقصاة فليطالع المغني (3).
وعن الثالث: بأنه إن أراد بالتعليم إلقاء اللفظ الدال على المعنى إلى المتعلم، فانحصار الوجوب فيه ممنوع، بل هو أحد أفراد الواجب، فإن الواجب عند المفتي (4) إيصال المعنى إلى ذهن السامع بحيث يستفيد منه مطلوبه، وهو أمر كلي يحصل في ضمن التصنيف والتعليم باللفظ وغيرهما، فيكون كل واحد من التعليم والتصنيف واجبا على التخيير، ويبقى فرد التصنيف أفضل الواجبين وأكملهما؛ لعموم النفع به واستمراره على مرور الأزمان، فلا جرم صدق وصف التصنيف بالوجوب؛ لأنه أحد أفراد الواجب المخير إن لم يكن أكملها.
وإن أراد بالتعليم الواجب هو هذا المعنى الكلي، فنفي الوجوب عن التصنيف ممنوع؛ لأنه أحد أفراده.
Sayfa 13
وكيف كان، فرعاية أبواب الخطابة يقتضي كون الوجوب على جهة المبالغة وإن كان المعنى الآخر صحيحا أيضا.
(والله المستعان) على تصنيف الرسالة وغيره، وترك ذكر المستعان عليه إما اختصارا من قبيل قوله تعالى أرني أنظر إليك (1)، أو لإرادة التعميم من قبيل قوله تعالى:
والله يدعوا إلى دار السلام (2).
(وهي)، أي الرسالة (مرتبة) ترتيبا، وهو جمع الأشياء المختلفة وجعلها بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر في النسبة العقلية وإن لم تكن مؤتلفة. وهو أعم من التأليف من وجه؛ لأنه ضم الأشياء مؤتلفة، سواء كانت مرتبة الوضع أم لا. وهما أخص من التركيب مطلقا؛ لأنه ضم الأشياء مؤتلفة كانت أم لا، مرتبة الوضع أم لا. وقد يستعمل الترتيب أخص مطلقا من التأليف، وقد يجعلان مترادفين.
(على مقدمة) بكسر الدال، وبناؤها من قدم بمعنى تقدم، ومنه قوله تعالى:
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله (3)، فهي كمقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه.
ويجوز الفتح على ضعف؛ لإيهامه كون استحقاق التقديم بجعل الجاعل لا بالذات.
والمراد بها هنا طائفة من الكالم تكون أمام المقصود بالذات؛ لارتباط بينهما.
(وفصول ثلاثة) جمع فصل، وهو لغة: الحاجز بين الشيئين (4).
واصطلاحا: قيل: هو الجامع للمسائل المتحدة جنسا المختلفة نوعا (5). وهو لا يتم مطلقا؛ لعدم اتفاق الكتب على عنوان المسائل، بل كثيرا ما يعبرون بالفصل مقام غيره من المقاصد والأبواب، وبالعكس. وقد يعرفون الكتاب بذلك، والفصل: بما جمع المسائل المتحدة نوعا المختلفة صنفا.
Sayfa 14
والحق أن جنسية المسائل المختلفة ونوعيتها أمر اعتباري يختلف باختلاف الاصطلاح، ومن ثم اختلفت عباراتهم في ذلك.
(وخاتمة) وهي تتمة يؤتى بها لاستدراك ما فات ذكره من المباحث السالفة؛ لعدم انتظامه معها في بابها.
وحصر الرسالة في ذلك أمر جعلي لا استقرائي ولا عقلي، وقد اختلف النظر في وجه حصرها فيه، فالذي ذكره الشارح المحقق: أن المبحوث عنه في الرسالة إما أن يكون مقصودا بالذات، أولا. والأول إما أن يكون البحث فيه عن الشرط، أو عن المشروط، أو عن المانع. فالأول هو الفصل الأول وكذا الثاني والثالث، والثاني إما أن يتعلق بالمقصود تعلق السابق، أو اللاحق. الأول المقدمة، والثاني الخاتمة (1).
وهذا الوجه هو الأغلب في ترتيب الكتب والأنسب بمقام المقدمة والخاتمة، إلا أنه لا يناسب غرض هذه الرسالة، فإن غرضها الذاتي فروض الصلاة الواجبة اليومية وغيرها، كما صرح به مرارا. ولا يخفي أن في الخاتمة كثيرا من فروض الصلاة سيما الأنواع الستة غير اليومية؛ فإن أكثر الخصوصيات فروض مقارنة فضلا عن الشروط، وهي أدخل الفروض في المقصود بالذات، بل هي المقصود بالذات، كما فهمه بعض (2). وأحكام السهو والشك لا تقصر عن المنافيات، خصوصا على القول بأن معرفتها شرط في صحة الصلاة.
وكيف كان، فمعرفتها واجبة، وخروجها عن ذات الصلاة وشرطها أقرب من المانع للصحة في الجملة كفصل المنافيات، وقد أدخله فيها.
وأيضا فإن الشارح (قدس الله سره) ذكر في بيان عدد الستين فرضا المقدمة: أن في المقدمة منها تسعة (3)، كما سيرد عليك تفصيله (4). وحينئذ لا يتم خروج جميع
Sayfa 15
المقدمة من المقصود بالذات، خصوصا قوله: (ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى. إلى آخره)، فإن ذلك معدود من جملة الشروط، وكذا القول في أخذ أفعالها بالدليل أو التقليد. فقد ظهر عليك من ذلك أن المقدمة والخاتمة داخلتان في المقصود بالذات في الجملة وإن خرج عنه بعض مسائلهما، فلا يتم تخصيص الفصول بالمقصود الذاتي.
وبالغ بعضهم فزعم أن المقصود الذاتي هو باب المقارنات، وما سواه خارج. (1)
وفساده واضح؛ لما عرفت من أن كل ما تعلق بفرض الصلاة غرض ذاتي، والمصنف قد صرح بعدها في الفصل الأول والثالث في عدد الفروض حيث قال: (فهذه ستون فرضا مقدمة) (2)، وقال أخيرا بعد ذكر الخمسة والعشرين المنافية: (صار جميع ما يتعلق بالخمس ألفا وتسعة) (3). فعلم أنه يريد بواجبات الصلاة أعم مما تلتئم منه الحقيقة وهو فصل المقارنات، ومما يكون شرطا في تحققها، وأنه مع ذلك إما وجودي وهو فصل المقدمات، أو عدمي وهو فصل المنافيات. ولو لا تصريحه بإرادة إدخال هذه الفصول في الفروض التي هي غرض الرسالة، أمكن تمشي ذلك.
ويرد عليه أيضا ما تقدم من اشتمال الخاتمة على فروض كثيرة لغير اليومية، ولا يمكن القول بأن المقصد الذاتي هو اليومية والباقي من الصلاة الواجبة مقصود بالعرض؛ لعدم إشعار عبارته ومطلبه به، بل بما هو أعم كقوله: (فهذه رسالة في فرض الصلاة) (4).
وقال: (وأصنافها سبعة) (5)، وذكر الفروض المشتركة، ثم ذكر الفروض المختصة بكل صلاة واجبة.
فإن قيل: جمعه الفروض وتعرضه لحصرها في الفصول الثلاثة لا غير، يؤذن بأن
Sayfa 16
غرضه الذاتي منحصر في الفصول الثلاثة دون المقدمة والخاتمة؛ لعدم التفاته إلى ما اشتملتا عليه من الواجبات، وذلك يؤيد ما ذكره الشارح المحقق من وجه الحصر، مضافا إلى ما هو المطبوع والمألوف في نظائر ذلك من المؤلفات.
قلنا: ذلك هو الظاهر، لكنه لا دليل على اختصاصه بالذكر من بين الواجبات الباقية، كما قد بيناه ، خصوصا على ما اختاره هذا المحقق من دخول جملة من الفروض المعدودة في المقدمة، فكلامه حينئذ لا يتوجه على تقريره وإن أمكن الحصر في الفصول بوجه آخر، وهو أن يجعل الستين من الفصل الأول خاصة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولو أردت بيان وجه الحصر على تقدير دخول المقدمة والخاتمة أو الخاتمة لا غير، أمكنك ذلك بضرب من تغيير الأول، إلا أن البحث في ذلك كله قليل الجدوى، لكن اقتضى الحال ذكر ما أوردناه فيه.
وحيث فرغنا من ديباجة الرسالة، فلنشرع في المقصود بالذات، فنقول:
Sayfa 17
[أما المقدمة]
(أما المقدمة) فاعلم أن من حق طالب كثرة تضبطها جهة واحدة، أن يعرفها بتلك الجهة، وأن يعرف غايتها؛ ليزداد فيها نشاطا، ولا يكون سعيه عبثا. وفلذلك جرت عادة العلماء بتقديم تعريف ما يقصدون البحث فيه من العلوم (1)، وذكر غايته وموضوعه على الشروع في مسائله، فسلك المصنف (رحمه الله) تعالى هذا النهج القويم، وابتدأ بتعريف الصلاة الواجبة التي غرض الرسالة هو البحث عن فروضها، وأشار في ضمن التعريف إلى الغاية المطلوبة منها، ثم عقبه بذكر الموضوع الرسالة، وهو ما يبحث فيها عن إعراضه الذاتية، وعقب ذلك بجملة من الترهيب والترغيب فيها؛ ليزيد الطالب لها نشاطا، فقال:
(فللصلاة الواجبة: أفعال معهودة) أي معلومة شرعا على وجه معين (مشروطة بالقبلة والقيام اختيارا، تقربا إلى الله تعالى). فالأفعال بمنزلة الجنس تشمل العبادات وغيرها وأفعال القلب والجوارح، فيدخل في التعريف صلاة المريض المستلقي العاجز عن الإيماء، فإن أفعاله كلها قلبية. وصلاة شدة الخوف مع العجز عن الإيماء، فإن أفعالها حينئذ لسانية وقلبية لا غير. وصلاة الغريق قد تلحق بالأول، وقد تلحق بالثاني،
Sayfa 21
وبقية القيود بمنزلة الفصل.
فخرج ب(المعهودة) ما لا ينقل شرعا على وجه معين كالمباحات.
وب(المشروطة بالقبلة) الطواف والسعي ونحوهما من العبادات المعهودة شرعا، مع عدم توقفها على الاستقبال بها، فإن الطائف يجعل القبلة على يساره، فلا يصدق الاستقبال بذلك.
وبالمشروطة ب(القيام) يخرج الذبح، وأحكام الموتى التي يشترط فيها الاستقبال كالاحتضار والتغسيل على المختار، والدفن إجماعا.
قال الشارح المحقق: و(اختيارا): مصدر وضع موضع الحال، والعامل فيه الصفة، وصاحبه الضمير المستكن فيها، أي مشروطة تلك الأفعال بالقبلة والقيام في حالة اختيار المكلف وقدرته عليهما (1).
ويشكل بعدم إمكان حمله على ذي الحال حمل المواطاة ولو بتأويل، ليكون نفس صاحبه في المعنى، وهو على تفسيره حال من المكلف. ويمكن جعل المصدر بمعنى المفعول، أي في حالة كون تلك الأفعال مختارة للمكلف مقدورة له، فتصح الحالية.
وسوغ مجيء الحال للنكرة قربها إلى المعرفة بالوصف، ولو جعل منصوبا بنزع الخافض أمكن أيضا.
قال الشارح المحقق: وبه تندرج صلاة المضطر في القبلة والقيام كالمتحير والمريض، ولو لا القيد لخرجت، فلم ينعكس التعريف (2).
و(تقربا) منصوب على المفعول لأجله، وهو بيان للغاية لا للإدراج ولا للإخراج، وسوغ ذكره الإشارة إلى العلل الأربع التي لا تتم إلا به، أعني المادة والصورة والفاعل والغاية، التي لا ينفك عنها مركب صادر عن فاعل مختار، فالأفعال إشارة إلى المادة، ومع (3) القيود إلى الصورة، والتقرب إلى الغاية، والأفعال تدل على الفاعل التزاما.
Sayfa 22
وإن لم يكتف في القيد بذلك أمكن جعله احترازا من صلاة الرياء عند المرتضى (رحمه الله) تعالى، فإنه يرى صحتها، بمعنى حصول الامتثال بها وإن لم يترتب على فعلها ثواب (1)، وليس احترازا عنها مطلقا؛ لفسادها عند باقي الأصحاب، والمعرف هو الصحيحة، فتخرج بالشروط المتقدمة.
واعلم أن كون القيود المذكورة خاصة مركبة أولى من كونها فصلا؛ لأنها أمور عرضية خارجة عن ذات الصلاة، ومع ذلك كل واحد منها أعم من الآخر من وجه، فإن المشروطة بالقبلة- وهي الصلاة وأحكام الميت والذبح- أعم من المشروطة بالقيام- وهي الصلاة والطواف والسعي ونحوها- وبالعكس، وكذلك الفعل المتقرب به أعم منهما. ويجتمع من الجميع خاصة للصلاة الواجبة مركبة من القيود المذكورة، فيكون التعريف رسما لا حدا، والأمر في ذلك سهل.
وهذا التعريف للصلاة الواجبة من خصوصيات الرسالة، وقد عرف المصنف الصلاة المندوبة خاصة في رسالة النفل. (2) والمستعمل من ذلك تعريف مطلق الصلاة حسب غرض المعرفين، وربما خلا المعرف من قيد الواجبة في كثير من نسخ الرسالة، ولا بد منه؛ لتخرج المندوبة إذ لا يشترط فيها القيام ولا القبلة على بعض الوجوه، اللهم إلا أن تحمل اللام على العهد الذكرى، وهو السابق في الديباجة.
وهذا التعريف مع كونه من أجود التعريفات، وملاحظة المصنف الاطراد والانعكاس فيه، ترد عليه أمور:
الأول: أن قيد [المعهودة مجمل]
(المعهودة) مجمل؛ لاشتراكه بين المعهود شرعا وعرفا، وبين جماعة خاصة وفي ذهن شخص خاص. ولا دليل يدل على إرادة أحدها، وإنما حملناه على المعهود شرعا؛ لعدم تماميته بدونه، لا لقيام دليل واضح يدل عليه. واستعمال مثل هذه الألفاظ في التعريفات محذور، وليس ذلك من باب الموضوع لغة وعرفا وشرعا حتى يقدم المعنى الشرعي ويتم المراد؛ لأن الوضع هنا واحد وهو اللغوي، لكنه مشترك بين
Sayfa 23
كونه معهودا عند مطلق أهل اللغة أو غيرهم، كما فصل، فالإجمال واقع، مع أن خروج المباحات بالقيد- كما ذكر أولا- موضع نظر، فإن المباح أحد الأحكام الخمسة الشرعية، فهو معهود (1) شرعا أيضا.
الثاني: ينتقض في طرده ما لو نذر (2) ذكر الله تعالى
أو الصلاة على النبي- (صلى الله عليه وآله وسلم)- وآله، أو النظر إلى وجه العالم ونحوه من العبادات المعهودة شرعا، مستقبلا، قائما، اختيارا، تقربا إلى الله تعالى. فإن نذر ذلك منعقد؛ لكونه عبادة راجحة مقدورة للناذر، وكذلك القيود مطلوبة شرعا.
الثالث: ينتقض في طرده أيضا بأبعاض الصلاة المشترطة بالقيام كالقراءة
، فإنها ليست صلاة مع صدق التعريف عليها، ولا يرد كونها فعلا واحدا فيخرج بجميع الأفعال؛ لأن التلفظ بكل حرف فعل من أفعال اللسان مغاير للآخر وإن اتفقت في الصنف (3).
الرابع: ينتقض في عكسه بصلاة الاحتياط
المخير فيها بين القيام والقعود اختيارا، فإنها من أصناف الصلاة الواجبة وأحد أفراد الملتزم كما سيأتي (4)، فلا بد من قيد يدخلها في التعريف.
الخامس: ينتقض في عكسه أيضا بما لو نذر صلاة مقيدة بحالة الجلوس
، أو مخيرا فيها بين القيام والقعود، فإن ذلك جائز، كما سيأتي من أنها هيئة مشروعة (5)، بل قيل بالتخيير في الصلاة المنذورة وإن لم يشترط اعتبارا بأصلها. وأما مع ملاحظة التخيير أو قيد الجلوس، فالمصنف قاطع بجوازه، وذلك وارد على التعريف؛ لأنها حينئذ صلاة واجبة من أفراد الملتزم، بل هي أظهرها، والقيام غير شرط فيها.
السادس: ينتقض في عكسه أيضا بما لو نذر صلاة إلى غير القبلة ماشيا أو راكبا،
Sayfa 24
فإن ذلك جائز منعقد عند المصنف (1) وغيره (2) إن لم تجز النافلة إلى غير القبلة مطلقا، ويتبعه النذر في ذلك، وهذا أيضا من أفراد الملتزم.
وقد ينتقض بأمور أخر، وليس ذلك ببدع من التعريفات فإنها عرضة للنقوض والتزييفات. (3).
(و) الصلاة (اليومية واجبة بالنص) وهو لغة: الظهور (4).
واصطلاحا: قول دال على المعنى، مع عدم احتمال النقيض. وبالقيد الأخير خرج الظاهر؛ لأنه القول الدال على المعنى دلالة راجحة غير مانعة من النقيض.
وقد يطلق النص على ما دلالته راجحة مطلقا، وهو المراد هنا.
(و) كما أن وجوبها ثابت بالنص من الله (5) ورسوله (6) ومن قام مقامه، (7) كذا هو ثابت ب (الإجماع) من المسلمين، والمراد به: اتفاق أهل الحل والعقد منهم على حكم شرعي.
وإنما خص اليومية بالذكر بعد تعريفه الصلاة الواجبة مطلقا؛ لأن وجوب غيرها من الصلوات ليس كذلك، وليترتب عليه كفر مستحلها، فإن صلاة الجمعة مختلف في شرعيتها في حال الغيبة عندنا (8)، والكسوف غير واجبة عند العامة (9)، واختلفوا في وجوب صلاة العيد مطلقا (10)، وباقي الآيات مختلف فيها عندنا (11)، إلى غير ذلك
Sayfa 25