حاضر في الجامعات ، وتشرفت به المحاضرات ، وتعطرت بعلمه الندوات ، وطابت بلقائه الأمسيات ، وسعدت بوجوده الجلسات ، غني في زي فقير ، وزاهد في موكب أمير ومفتي في منصب وزير ، حمل كل أمر خطير ، فكان نعم المشير ، وصاحب الرأي الفطير والخمير ، عليه بسمة في وقار ، ولين في إصرار ، ودأب في استمرار ، السنة له شعار ، والصلاح له دثار ، وعليه من السكينة أنوار ، لم يكن لسانه كالمقراض للأعراض ، ولم يكن له ارتياض في جلب المال والأغراض :
عفيف من الدنيا خفيف من الخنا
فلو قسمت أخلاقه في قبيلة
كأن به عن كل فاحشة وقر
لصار لكل منهم المجد والفخر
ابن باز : نفع للخليقة ، وإدراك للحقيقة ، ولزوم الطريقة ، عدل في الأحكام وإنصاف ، وتواضع تعنو له الأشراف ، وكرم تشهد به الأضياف .
أثبت ابن باز أن العلم يشرف من حمله ، وأن المال يسود من بذله . ليس في قاموس ابن باز أن الجود يفقر ، بل صاحبه يشكر وبالخير يذكر ، لو ترجم كرم ابن باز في أبيات
لقيل :
أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا
ولا تطع في سبيل الجود عذالا
من جاد جاد عليه الله واستترت
عيوبه وكفى بالجود سربالا
تميز ابن باز بالتعمق في الأثر ، والغوص على الدرر ، مع تصحيح الخبر ،
وصحة النظر .
ابتعد ابن باز عن شقشقة علماء الكلام ، وعقعقة الفلاسفة الطغام ، وتشدق أهل المنطق اللئام . ولم يكن يسقط على السقطات ، ولا يلقط الغلطات ، بل كان يدفن المعائب ، ويذكر المناقب ، فملأ الله بمحبته القلوب ، وطار ذكره في الشعوب .
فالعلم عنده حديث وآية ، ونور وهداية ، وعمل لغاية ، واستعداد لنهاية ، أعرض عن مذاهب المبتدعة الضلال ، وأهل الدنيا الجهال ، وأساطين القيل والقال ، وهجر الجدال ، فسلم من همز الرجال .
خلق كأن الشمس تحسده على
ضمنت له الدنيا الثناء فكلما
كرم الطباع وزينة الأوصاف
Sayfa 68