فحذار منها ما استطعت فإنها ... لدن الأريب ككفة للأقط
قال: فلما نثر جمان أبياته، وبهر بانسجام شكاياته، ونصص أواذي غصصه، وقصص وجوه جدر قصصه، لحظني لحظ الشفيق، بالوجه الصفيق، وقال لي: يا بن جريال، لا تطل لترك الحياء حبل الحيرة، وقصر لطرفها طول طيل الطيرة، فقد أرغم الشرع أنف الغيرة، ثم قال: ألا تحب بأن أصاهرك، وأطلع في سماء المصاهرة زواهرك، لأزيل بلابل ميلك، وأطيل ذلاذل ذبلك، وأنا أقنع بسنا سهيلك، ولا أطمع في هيلمانك وهيلك، فانظر بمن أروجك، وبأي الدرر أتوجك، فإنها أخفر خريدة وأفخر فريدة، ثم إنه رفع نقاب الفتاة، فتأودت تأود القناه، فما تمالكت أن قلت له: من لي بذلك، والاستضاءة بوميض ذبالك، فقال: طب نفسًا، وأنعم بها عرسًا وغرسًا، فإذا جزعنا البراح، وجرعنا راح الراحة والقراح، نواصلك بمحضر من الشهود، ولا نفارقك إلى اليوم المشهود، قال: فارتفع بما قال قدري، وانشرح بما صدر من صدره صدري، ثم أخذنا في ذم ذميلنا، وإلحاق سيل المسايلة بحميلنا، ولم نزل نمج ذلك الخندريس، ولا نذيق التعريس العنتريس، حتى وردنا راس عين، مرملين من زاد وعين، فحثنا قطيع القطوع الفظيع ومهمه المضيعة الذي به الماهر يضيع، إلى خان: لم يتجمل دهره بدخان، معروف بالمفاليس، تطوف ببيت حوبه حزق المناحيس، فلبست قدر حلب شاة، أو صرام بلح أشاة، ثم انساب بعياله، يسحب غلالة اغتياله، فجعلت أقفو إثرهم وهم يوجفون، ومن التحيل يرجفون، لأنظر ماذا يصفون، وبأي أشجار الحيل يصفون، إلى أن دخلوا دار ولايتها، ومدار إيالتها فوقفت تجاه الوصيد، لأبصر مضمون بيت القصيد، فلما وقفوا لدى الوالي، وانهل لؤلؤ دمعهم واللآلئ، سن الشيخ سنان زفراته، واستن في ميدان عبراته، وقال: السريع:
يا أيها الندب الذي خيمه ... طال على النسر بنشر جميل
ومن إذا حل حروب العدى ... طال على الصف بصافي الصهيل
أنهي إلى ساميك يا ذا النهى ... ومن شاء الشم بلبس الشليل
قد كان لي نجل يحب العلى ... يهوي إلى الفخر هوي الخليل
بقامة أعدل من صعدة ... وسالف شبه الحسام الصقيل
ففاجأته الحين في خيسه ... فخر كالجذع السحوق الطويل
وعاد بعد السبر في سربه ... ملقى لقى مثل الكثيب المهيل
ما تحته غير بساط الشقا ... سحقًا له من حلس بوس وبيل
من بعد ما كان كثير الثرا ... ينوع كالغصن بعيد الأصيل
يجر في روض النعيم الصبي ... ويكسب الجد بجد أثيل
فوا رميتي أنه ميت ... ما زال في الأحياء عين المنيل
فلم يزل الوالي وغشاته يحولقون، وحشده ووشاته يترققون، وبرقتهم ورقتهم يترفقون، ثم إنه أبرز من أبريزه، ما يرصد لمصالح تجهيزه، فانصرفوا غب قبضه، واعترفوا بنض فضله وعرضه، قال: فلما رأيت قبائح فعالهم، وتساوي رؤوس رياستهم ونعالهم، آليت ألا ألتفت لشبقها والتل، أو تأتلف العبن والحاء في الثلاثي المعتل، فراجعت الخان، وبردت ذلك الأسخان، فوجدته قد أغبر، واحتذى الصعيد الأغبر، بعد أن أخلى حرمه، واستملى حرمه، ونبذ مرافقتي، واستصحب ناقتي لفاقتي، فبت باكيًا على أموني، نادمًا حيث نادموني، ثم نويت مفارقة الريف، ولويت ليتي نحو الغريف، وطرقت باب المعرف والعريف، وفارقت الفندق مفارقة حروف النداء لام التعريف.
المقامة الثانية عشرة البحرانية
1 / 28