حدث القاسم بن جريال، قال: ألهمتني العناية العلوية، والهداية اللاهوتية، بأن أتقلص عن العناد، وأتخلص من مظالم العباد، وأقصد البيت العتيق، وأقصد بناب الإنابة الشقاق الشهيق، فعمدت إلى عود كنت أودعته، وما ودعته، وأحبسته لله وما حبسته، فغودر حبيسًا غير محبوس، وحسيسًا غير محسوس، فقلت بعد أن باعدته من السلوب، وقلدته باللحاء المسلوب، وددته عن مراتع القلوب، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، وحين طلع الحجيج، وارتفع الضجيج، رحلت سديسًا جديد البطر حديد النظر، يطير بأجنحة الأجادل، وتسجد لطاعة فرسنه، جباه الجنادل، لا يعرفه السكون، ولا حوت كمثله السكون، يجيد على طول الطوى، ويبسط من طيب وطئه ما انطوى، ذا قطم عند الضراب، وقرم إلى ضراب الظراب، وصحبت مشرفيًا لا تفل مضاربه، ولا يمل حمله مصاحبه، رقيق الشفرتين، تشام بشيمه بروق الحين، أبيض كالملح القارس، يقد متون القوانس، واعتقلت أسمر مسمهر الكعوب، مسمقر النكاية في الحروب، يرتعد ارتعاد المحموم، ويتأود تأود المهموم، لا تنحله الوقائع فيضعف، ولا يثقله حمل توأم فيقصف ولما أكملت الماعون وحاولت ما حاوله المسارعون، نبذت الدبر دبر مسمعي، وأخذت ألفًا من المعمعي معي، ثم لم تزل ما بين دبيب وتغليس، وتقريب وتعريس، وإرقال ومقيل، وإجفال ونقيل، ننسأ ظهور القور، وننشأ في حلية الديجور، حتى بلغنا غاية المرام، وبلغنا حل حل الإجرام، وكنت أيام ملازمة مسيرنا وملابسة ملامسة تسييرنا، أتبحح بحواء أمير الحجاج، وأترشح بعذب عدله الثجاج، فبينما نحن وقد انضم الحطيط، وضم الأراهط الفصاطيط، تحت فساط نفيس الاستماع، محروس الاجتماع نخد بخشاش الانكماش، إلى معاش الانتعاش، إذ دخل علينا شيخ معروق المشاش، مدقوق الارتهاش، تلو عجوز باهرة الهراش، ظاهرة الامتهاش، ذات غضون شواحب، تهر كأم أجر حواشب، مستذنبة غلامًا كالبكر في الغلالة والبكر ذي العلالة، وقد خضبت أنامل الغلام بالعلام، وحصبت الشيخ بكلام الكلام، فتضور تضور السرحان، بين أكناف الصحصحان وقال: وطد الله مراتب الأمير العادل الكبير، ذي العدل البهير، والفضل الشهير، أعلم رفيع جدك الباذخ، ومنيع حدك الراسخ، أنني ولجت بين خيمك طمعًا في مكارم خيمك، إذ الكريم قال جلباب الاحتجاب، خال من الحجاب والحجاب، قد وردت عليك لا زلت طاهر الحوباء، ناصر الأحباء، محفوفًا بقنابل التوفيق، متحوفًا بإصابة الظفر والتفويق كي أبث بحضرتك شكواي، وأجث بصارم نصرتك بلواي، فشرح شظف حالي، وقرح حرق حرق إمحالي، أنني من أفصح العرب فصلًا، وأسمقهم أصلًا وأسبقهم نصلًا ما لقف له مساجل خصلًا، ولا عرف له نقيصة أصلًا، ذو مال نثيل، ونجار أثيل، وغضب وثيل وقنب وثيل، فتزوجت هذه الحاضرة وأنا يومئذ تقي الذهاب، نقي الإهاب، عظيم الالتهاب، جسيم الانتهاب، بقد كالأملود، وشد كالجلمود، ولحظ كالسنان، ولفظ كالجمان، وجبهة كالشارق، وبهجة كالشهاب البارق، أبيت بين نشب وأغنام، وشنب وأنغام، حائلًا في صهوة الصبا، مائلًا لياقة مع الصبا، تبرق من نضارتي النظارة وتنطن بحسن سيرتي السيارة، وأنا مع ذلك الجمال، وسلاسة السوابح والجمال، ونفاسة التجمل والإجمال، أشب وصالها، وأحب أوصا لها، وأهب لما أوصى لها، وكانت تعاف جاراتها، ويساف الكباء من خطراتها، فلما أقلع سحاب مالي، وطلح ضباب قبح احتمالي، وفلت النوازل وجالت، وقلت البوازل وحالت، ونزر وفري وبدنت، وثقل ظهري بما أدنت، نفرت نفور السوانح، وجنحت جنوح الدهر الجانح، فلما طال لسانها، وقصر إحسانها، عفت عظم هذا الإلطاط وسففت مع هذه اللطلط سحاقة اللطاط، وهانا قلق منها لديك، ومتعلق في صلاحها عليك لأنك أمير الحجيج ومن نعول عليه في الأمر المريج، فمرها بإزالة الضغن ومحالفة الحياء بين الظعن ثم أنه فرش لسانه، وأرخى لسابق السدم أرسانه، وخفف من شكايته الأثقال، وتسربل الأقيال، ودقق المقال، وقال: المتقارب.
صروف الزمان تذل الفطن ... وتعلى الجهول وتوهى اللسن
فما زال في غيه رافلًا ... كثير الخبال عظيم الإحن
فهذا الهبوط بذاك الصعود ... وهذا القبيح بذاك الحسن
وهذا الملال بذاك الوصال ... وهذا العناق بتلك العنن.
1 / 16