فأَمّا القولُ بأَنَّ موضعَه الآنَ هو موضعُهُ الأَصليّ، فهو مِنَ الضَّعفِ بحيثُ لا يحتاجُ إِلى فرضِ صحّتِهِ وما يتبعُ ذلك. واللهُ أَعلمُ.
المُعارَضةُ الثانية:
قد يُقالُ: ثَبَتَ عن عائشةَ ﵂ أَنَّ النبيَّ ﷺ قال لها: "ألم تَرَيْ أنّ قومكِ حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " قالت: فقلت: يا رسول الله! ألا تردُّها على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حَدَثانُ قومك بالكفر لفعلتُ". لفظ البخاري (^١).
وفي رواية له (^٢): "لولا أنّ قومكِ حديثٌ عهدُهم بجاهليّة، فأخاف أن تنكر قلوبهم ... ".
وتأخير المقام عن موضعه ممّا تنكره قلوب الناس، فينبغي اجتنابه.
والجواب من أوجهٍ:
الأول: أنّ بقاء الكعبة على بناء قريش لم يترتّب عليه ــ فيما يتعلق بالعبادات ــ خللٌ ولا حرج، ولذلك لم يأمر رسول الله ﷺ كبار أصحابه ببنائها حين يبعد العهد بالجاهلية، وإنّما أخبر عائشة ﵂؛ لأنّها رغبَتْ في دخول الكعبة، فأرشدها إلى أن تصلّي في الحِجْر، وبيّن لها أنّ بعضه أو كلّه من الكعبة، قصّرت قريش دونه.
ولا أرى عائشة ﵂ كانت ترى إعادة بنائها على القواعد أمرًا ذا بال؛ فإنّه لم يُنقَل أنّها أرسلت إلى عمر أو عثمان ﵃ تخبرهم