بسم الله الرحمن الرحيم، وبه استعين، لا اله الا هو.
مقالة الاسكندر الأفروديسى يقتص ويبين فيها رأى ديمقراطيس وأبيقورش وسائر أحداث الفلاسفة الباقين فى العناية. ترجمة أبى بشر متى بن يونس القنائى من السريانى الى العربى.
قال ان الذين تفلسفوا فى أمر العناية وأفادوا غيرهم فى ذلك علما ما أما بعضهم فزعم أنه ان كانت العناية كلمة ما وروية الاهية بحسبها يكون حدوث الأشياء التى تحدث بالطبع فى العالم، فلا شىء من الأشياء ما تحدث يكون حدوثه عن العناية. وذلك أنهم زعموا أن اسم العناية صفر لا معنى تحته، فانه لا شىء من الأشياء التى تحدث يصدر حدوثها عن رأى الله ورويته. وذلك أن الله، عز وجل، بزعمهم خارج عن جميع المرتبة التى تجرى هذا المجرى ولا هو يشوبه مشقة فى شىء من ذلك وتشاغل ولا هو أيضا يشقى غيره فيه. وزعموا أن جميع الأشياء التى تكون وتتكون بالطبع انما تكون من تلقاء أنفسها وعن الاتفاق الذى يعرض الأشياء أخر عن أشياء أخر.
Sayfa 1
وزعموا أنه عند ما يعرض كيف ما اتفق للأجسام الأولى الغير متجزئة (التى وضعها المتمسكون بهذا المذهب مبادئ لجميع الموجودات) بالحركة المتصلة الغير دائرة التى تحركها ضرورة هذة الأجسام فى الخلاء الذى لا نهاية له الموجود فى الكل أن يكون اما بعضها فتأتلف بعضها مع بعض ويشابك بعضها بعضا بحسب ما يتفق لها فى الجو بانتظام أشكالها والتئامها، فيتولد وينشؤ عنها كل واحد من الأجسام المركبة؛ واما بعضها مما لا يتفق له أن يكون من بعضه مع بعض هذا الضرب من الاجتماع والتأليف، فانه يتصادم بعضها بعضا ويندفع بعضها عن بعض، عندما يكون لها حركة ما ثابتة قسرية عن ما يوافقه، بمدافعتها لها. ويكون مماسة الأجسام والتشابك الذى يحدث لها عن التماس يجرى أمره بالدور.
وزعموا أيضا أن اختلاف الأشياء الكائنة يصدر عن اختلاف أشكال الأجسام الغير متجزئة التى تتشابك بعضها حول بعض، وذلك الى الاختلاف الذى بحسب الشكل لا يحصره نهاية، وأن ذلك يكون أيضا عن مرتبتها وحال وضعها وترتيبها وكيفية وضعها بعضها عند بعض، فانه ليس الأشياء التى تتكون عنها واحدة بأعيانها، متى لم يكن نظامها ووضعها عند تأليفها محفوظا واحدا بعينه.
Sayfa 3
وممن كان من أهل المذهب اما من تقادم عهده من القدماء فلوقيفس وديمقراطيس، واما من أتى بعد هؤلاء تأخرا فأبيقورس والذين تفلسفوا بحسب رأيه ابتغوا هذا المذهب. وقوم آخر كأن رأيهم وحكمهم فى الفلسفة ورأيهم فى أمر العناية مضادا لرأى هؤلاء وحكمهم فيه من جميع الوجوه والجهات. وذلك أنهم زعموا أنه لا شىء من الأشياء مما يكون 〈فى الكون〉 يجرى كونه عن غير عناية وأن كل شىء مملؤ من الله وأنه نافذ فى جميع الأشياء الموجودة. ولهذا السبب صارت جميع الأشياء الكائنة انما مجرى كونها بحسب اختيار الآلهة، من حيث هم القوام عليها والمدبرون لكل واحد منها.
وقد يشهد على صحة ذلك الأشياء الظاهرة. وذلك أن لزوم الأشياء التى تكون بالطبع للنظام لما كأن دائما وغير متفاوت صار ميكتا مناقضا للقول بأن هذه الأشياء تكون عن الاتفاق، من قبل أنه لا شىء من الأشياء الكائنة بالبخت وعن الاتفاق يوجد محدودا، لاكن انما كونه فى الندرة وحاله فى زمان ما مخالفة لحاله فى زمان آخر مختلفة الى أحوال مختلفة.
وأيضا مما يجرى من تقدمه الانذار والحكم بالأشياء العزمعة بالكون الذى بعضه يكون بالوحى وبعضه بالرؤيا وبعضه بالعرافة هو دليل ظاهر أن الآلهة تعنى بالأشياء التى هاهنا وأن العناية بها هى فعل الآلية .
Sayfa 5
والقياس أيضا قد يوافق ذلك كما أن فى منازل ذوى الألباب والأفهام لا يقع أمر من الأمور خارجا عن عناية أربابها، بل تشتمل عنايتهم جميع أمر منازلهم ونظامه وبهذا ما يخالفون ذوى المهانه والرعن من الناس، كذلك يجب أن يكون الآلهة اذا كانوا فى الغاية من الفهم، قواما بمعونه العالم ومرتبتهم الخاصية. فانهم لولم تكن لهم عناية بالأشياء التى فيه، فذلك يكون اما لأنهم غير مؤثرين لذلك وغير قادرين عليه أيضا واما أن يكونوا قادرين على ذلك، الا أنهم لما كانوا غير مؤثرين ولا محبين للعناية بالأشياء التى فى العالم، فلذلك يخلون هذه الأشياء بلا عناية.
فانه كان القول بشىء من هذه الأقسام غير لائق بالآلهة، فهو مردود. وذلك أن القول بأنهم غير قادرين على العناية بالأشياء التى هاهنا هو قول غير لائق بالآلهة من جميع الجهات. فان هذا القول يجعل الله، عز وجل، أعجز من الناس، اذ كان الناس لا يتعذر عليهم ولا يمتنع تدبيرهم لمنازلهم ويكون هذا المقدار متعذرا ممتنعا على الآلهة. والقول أيضا بأنهم غير محبين للعناية بالأشياء التى هاهنا، فهو شىء غريب عن الآلهة جدا. وذلك أن هذا فعل حاسد ومن طبعه فى غاية التردؤ والفساد والتشاغل أعنى الامتناع من فعل الأولى والأجدر، من حيث هو قادر على فعل ذلك.
فان كان كل واحدة من هاتين الخلتين هى غريبة مباينة للآلهة ولا الخلتان جميعا لله، عز وجل، فلا يتهيأ أن يوجدا فيه معا لا اثنتاهما جملة ولا واحدة منهما على انفراد، فبقى اذن أن يكون الله، عز وجل، قادرا على العناية بالأشياء التى هاهنا ومحبا لذلك أيضا. وان كان محبا لذلك وقادرا عليه، فظاهر أنه يصرف عنايته اليها، فلا شىء اذن من الأشياء يكون من غير علم الله وارادته، لا حقير ولا دنى.
Sayfa 7
وزعم قوم أن أفلاطون قد كان يرى هذا الرأى، وأما من أمره، فظاهر أنه كان من أهال هذا المذهب فرقتان، الأفلاطونى وأهل الرواق. وهذا مبلغ الآراء التى كانت فى العناية غير رأى أرسطوطاليس باختصار، وهذا ملبغ اختلاف الرأيين بعضهما عن بعض. وكل واحد منهما يروم التصحيح الخاص به لا من شىء آخر أكتر من اقنضائه التكذيب للرأى الآخر وسبب الزلل والخطأ الموجود فى كل من الرأيين. وذلك أن القول بان الله، تعالى، يعتنى بالأشياء التى هاهنا متفقدا لها هو قول مصدق مقبول، من قبل أنه من الشنع القبيح أن ينسب ويضاف الشىء الذى هذا مبلغه فى الرتبة وحسن النظام الى الاتفاق وما هو من تلقاء نفسه والى الحركة القسرية التى للأجسام الغير متنفسة.
فان كان من الشنع القبيح من جميع الجهات أن يوضع سبب وجود العالم والرتبة الموجودة فيه الاتفاق وما من تلقاء نفسه، فلا شىء آخر يكون سببا لذلك الا الله، تبارك وتعالى. فانه ان لم يكن ذلك عن الاتفاق، فكون كل واحد من الأشياء | أيضا التى تكون فيه عن الروية والعقل ومن أجل شىء ما محدود منفرد، وهذا مجرى 〈العناية ... وأما ابطال〉 القوة بأن هذه الأشياء تكون عن الاتفاق هو سبب العناية، فذلك من أن المبطلين للعناية يضعون سبب هذه الأشياء هو الاتفاق.
Sayfa 9
والظن أيضا [ظن] بأن العناية لا تصل ولا الى واحد مما هاهنا هو ظن يراه قوم ما، من قبل أن كثيرا ممت يحدث فى الأشياء الجزئية والأوحاد ليس بأهل للسياسة الآلهية، غير مستحق لتدبير الله، وهذه الأشياء، متى قيل ان العناية تصل الى جميع الأشياء على مثال واحد، وجد السبيل الى الطعن على حسن النظام الظاهر بأنه 〈يكون〉 جاريا عن غير العناية من قبل ما فى هذه الأوحاد من الطعن الظاهر الذى فيها. وذلك أن ما يعترض هذه الاوحاد من الأشياء التى تجرى عن غير استحقاق التى يوضع أنها عن الله من اقبال الأشرار من الناس فيما يجرى عن الاتفاق وتخلف الاتفاق وتخلف الأفاضل فيه هو طعن كاف على من ظن أن أمر العناية يجرى هذا المجرى.
Sayfa 11
ومع هذا أيضا فان هذا الرأى هو موصل الى نفس سامعيه اعتقادات شنعة فى الله، عز وجل. وذلك أن الله، ان كان موجودا، حتى يكون وكده الاعتناء بنا ومقصده التقسيط على الأشياء التى قلنا 〈ل〉كل واحد من الخيرات والشرور بحسب الاستحقاق تقسيطا متساويا بحسب الاستحقاق، كما يعلق القائلون بذلك. وزعموا أنا لسنا نرى شيئا من ذلك يجرى أو يكون، لاكنا نرى ونشاهد الأشرار من الناس متقلبين فى الخيرات باقين فيها ونجد الصالحين والأخيارمنهم على ضد هذه الحال، وهو أن أمورهم لا تدانى شيئا من الاستقامة فى تدبير معاشهم وفى حيوتهم، وزعموا أنه لا وجود لله أصلا البتة. غير أن القول بهذا وحمل الانسان نفسه على مثل هذا الكذب والجور هو من قول من يحب معاندة الظاهر من الأشياء والمقاومة له.
القول أيضا ان جميع الأشياء التى ها هنا تجرى أمورها بحسب الاستحقاق (فان جميع أجزائه داخل فى معونة الكل) والاستقامة ليس قول من يتحرى الحق، لاكنه قول من يبرئ الشر بالشر ويعتصم بالدواء.
وقد ينبغى أن نلتمس تلخيص عناية الله بالقول، من حيث لا يكون منا فى ذلك معاندة للأشياء الظاهرة المشاهدة فى الأشياء الكائنه، على أن من يشاهد من أمرها مخالف لما نقوله فى ذلك. ولا أيضا نوجد دافعين لأسبابها الى ما لا مقنع فيه أصلا، لاكن يوافق زيد عن ما يصنعه واضعه فى ذلك وهو تابع فى وضعة اياه للأشياء التى يقع التصديق بها مما يكون.
وأيضا فان الذين يقولون ان الله، عز وجل، يلحظ جميع الجزئيات والأوحاد وتفقده لها وعنايته بها متصلة بلا دثور، فقد يلزمهم الشناعة بأنهم مناقضون لأنفسهم واللأشياء المتقدمة المتعارفة.
Sayfa 13
وذلك أن الناس بأجمعهم مقرون وهم أيضا كذلك بأنه، كما أن من الأشياء ما وجودها ضرورى من غير أن يمكن فيها ألا توجد فى وقت من الأوقات، كذلك فيها أشياء ما عدمها ضرورى ووجودها ممتنع غير ممكن فى وقت الأوقات. وهذا مع ما هو عليه من الظهور هو شىء يقر به جميع من هو سليم الفطرة. وذلك أنه القطر يمكن فيه أن يكون ضلع المربع ولا الثمانية يمكن أن تكون أصغر من الواحدة ولا الثلاثة يمكن أن تكون مساوية اللأربعة ولا الألوان يمكن فيها أن تكون مسموعة ولا الأصوات مرئية ولا الآلهة يمكن أن لا توجد أو تكون مائتة ولا أيضا أشياء أخر كثيرة لا تحصى كثرة.
فان الذين يضعون أن عناية الله، عز وجل، تجرى هذا المجرى مبطلون له بأسره، وذلك أن الأشياء التى هى بطبعها غير ممكنة يحكمون عليها أنها ممكنة. على أن القول بأن الآلهة انما يؤثرون ما كان من الأشياء ممكنا فقط أوجب كثيرا من القول بأن الممتنعة هى ممكنة للآلهة. وذلك أنه بحسب القول الأول يكون كل ممكن، فهو ما كان داخلا فى ارادة الله والداخلة فى ارادة الله انما هى الأشياء التى يمكن فيها أن توجد وتحدث وحدها دون غيرها، من قبل أن الله أعلم بطبيعة الممتنع والممكن من جميع الأشياء. وأيضا فالروية والاهتمام بالأشياء الكثيرة معا ممتنع، فان التصور لأشياء كثيرة معا هو أمر داخل فى أمر الامتناع.
فكما أن الاقتصاص لأشياء كثيرة فى زمان واحد بعينه هو غير ممكن لانسان واحد بعينه، متى رام الا خبار عن أمر كل واحد يصغه بالقول على مثال واحد، كذلك لا يمكن الانسان الواحد الاهتمام معا بأشياء كثيرة، لا سيما ان كانت الأشياء التى الاهتمام بها غير متشابهة. وذلك أن الروية والاهتمام والتعليم هى كلمة ما للنفس على انفرادها من غير قرع يكون بالصوت.
Sayfa 15
وكذلك اذا لم يكن الاهتمام بأشياء كثيرة ممكنا، لم يكن أيضا ولا عناية الله بكل واحد من الأوحاد ممكنة، اذ كان يجب ضرورة، متى جرى الأمر فى عنايته بها هذا المجرى، أن ينقص نظره اليها والتصفح لجميعها وأن يحرك رويته فيها بأسرها على ما هى علية من أنها غير متناهية وعلى ما بيتها من اختلافات لا نهاية لها.
وكان ذلك غير ممكن. فان العلم بأشياء كثيرة معا، فليس هو غير ممكن. وذلك أنه ليس بالمتعذر أن يكون انسان مع علمه بالأخبار الموسيقية عالما بأمور ما هندسية. وأما الاهتمام بأشياء كثيرة أولا أولا معا والروية فيها حتى يتصفح برويته كل واحد منها ويحرك اهتمامه بواحد واحد منها، فغير ممكن. وقد يجب ضرورة فى أمر من يتقدم فيعنى بالأشياء الجزئية والأوحاد معا. أن يكون أيضا يروى فى واحد واحد منها معا على انفراده.
فانه ان قال قائل ان العناية بالأشياء التى هاهنا ليست تكون معا، بل يكون منها شىء بعد شىء، فانه غير تابع اللأصول الموضوعة، فانه قد وضع أن لا شىء من الأشياء أصلا يكون من التى قلنا توجد أوتكون فى وقت ما خلوا من العناية. فأما ما يعترض من العوارض وكل واحد من الأشياء الموجودة وسيرتها (؟) عند تشاغل الفهم عنها (؟) والمعتنى بأشياء ما أخر، فهى خارجة عن مثل هذه العناية مع ما أن الانقطاع والفترة أيضا التى تعرض فى التوسط والانتقال الذى يكون متى جرت العناية هذا المجرى هو من الأشياء الشنعة.
Sayfa 17
ولا أيضا القول بأن المعتنين أكثر من واحد يفسخ هذا الطعن، الا أن يكون الانسان يلزم العناية بكل واحد من الأشياء التى يعنى بها الا ما هو مواظب على العناية بها فيضيفها اليه. وهذا مع أنه فعل سوء خبيت، فالقول فيه شنع من كل جهة، من قبل أن الجزئيات والأوحاد أنفسها قد توجد فى أوقات مختلفة على أحوال وفى وقت تكون كثيرة فى عددها وفى وقت تكون أقل ومن قبل أن الآلهة يوجدون خدما لنا.
وذلك أنه ان وضع واضع أن الاهتمام والروية فى جميع الأشياء معا والاعتناء بكل شىء على هذا النحوالذى قيل هو شىء ممكن للآلهة، غير أن مثل هذه السيرة غير لائقة بالآلهة من جميع الجهات، من قبل〈أن〉هذه السيرة يتكلفون بها دوام التشاغل وهى بعيدة من جميع الأفعال الجزئية المهذبة. وذلك أن مثل هذه السيرة ليست أيضا بلائقة لمن كان من الناس عفيف السيرة وطاهرة الطريقة، ولا انسان من الناس من ذوى الرأى السديد الحسن يختار أن يعيش بهذه السيرة، ما دام ولم يضطره الى ذلك مضطر، وذلك 〈أنه〉 وان كان بعض الناس قبل التجربة والجنكة فى الأمور قد يختار مثل هذه السيرة، غير أنه، متى توسطها وسار فيها، فان هربه منها أيضا وتجنبه لها ليس هو بدون تجنبه وهربه من سائر الأشياء المهروب منها.
Sayfa 19
ومثل هذه السيرة ليس انما هى غير لائقة وغير أهل للآلهة لما فيها من التشاغل والأذى لاكن بعدها من ذلك أكثر لما فيها من الاشراف والنظر والفهم للأشياء التى تكون بها مثل هذه العناية، بأن أشياء كثيرة من الجزئية والأوحاد هى غريبة غير متأتية لعلم الله من كل جهة.
وذلك أنه ان كان من الواجب أنه كما أن الآلهة مخالفة لما فى الطبع، كذلك يكون الأشياء التى تشرف عليها فيها المناسبة لها والمنظورات الخاصة لها مخالفة لما لخصنا وما بينا النظر فيه، فبأى سبيل لا يكون النظر فى مثل هذه الأشياء والعناية التى تجرى هذا المجرى عائقين لها عن الفضيلة والفصل الذى لها بالطبع. فانه ان قال قائل ان لا شىء فى أفعال الله أشرف وأشرف من سياسة الأشياء التى هاهنا وهى السياسة التة تجرى هذا المجرى، فقد كفى به عنه وذهب عليه سبب محبته لنفسه أن قوله ذلك القول هو القول بأن الله هو من أجل الأشياء المائتة، اذ كان الاعتناء بهذه الأشياء هوالغرض الذى يقصد اليه والغاية له.
Sayfa 21
غير أن كل ما كان من أجل شىء آخر فهو دون ذلك الشىء. ولذلك يكون أيضا الله، عز وجل، بحسب رأى أهل هذا المذهب ثانيا فى المرتبة ودون الأشياء التى يعتنى بها. فان الراعى أخص من الأشياء التى يرعاها ويعتنى بها، اذ كان كماله وغايته خصت تلك الأشياء والتوسع عليها وأما الملك فليس يجرى عنايته بالأشياء التى هو ملك عليها هذا المجرى، حتى يكون متفقدا نفسه لسائر الأشياء الكلية والجزئية ولا يخلى ولا شيئا من الأشياء التى يحوزها سلطانه عن النظر فيه، بل يكون متشاغلا فى أمرها سائر عمره و(ذلك أنه لما كان يكون على هذه الجهة أشرف بختا من الملك)، لاكن عناية الملك هى كلية وأكثر عمومية ونظره عاطف الى مثل هذه العناية وله فعل ما أشرف وأجل من الاهتمام والاعتناء اللذان يجريان هذا المجرى.
ومع ذلك فيا ليت شعرى الى الناس يصرف الله مثل هذه العناية فقط، من غير أن يصرفها الى سائر الحيوان والنبات والى سائر الأشياء الموجودة، أم يبلغ تفقده واعتناؤه الى كل واحد من هذه أيضا على انفرادها. فان كانت العناية انما هى مصروفة الى الناس فقط، فلأى سبب لا يعتنى بسلامة الأشياء الباقية ونظامها؟ وذلك أن الأولى والأليق أن توجد هذه أيضا لازمة للنظام والترتيب ومن الواجب أن يكون أمر هذه أيضا لازما للتقسيط وتكون أحوالها بحسب الاستحقاق وما يوجبه العدل.
فان امتناعه من العناية فذلك يكون اما لأنه غير قادر على ذلك ولا محب له، واما أن يكون هو قادرا الا أنه غير مريد لذلك، واما أن يكون مريدا لذلك غير قادر عليه. فان كانت هذه الأقسام شنعة، فمن البين أنه مختار لذلك قادر عليه أيضا، فاذن عنايته بهذه شبيهة بعنايته بالناس، اذ كان القول الذى تقدمنا به قويا ومقنعا.
Sayfa 23
وذلك أن الله، تبارك وتعالى، هو الأصل لجميع القوة الحقيقية على العناية بالأشياء الثانية. غير أن من الشنع القبيح وضع الواضح بأن الله، عز وجل، عارف وناظر لكل واحد من الموجودات ولما يكون ويحدث عنها. وذلك أن هذا لا يطلقه من هو متماسك الفهم ولا فى الانسان، وهو أن يكون مصروف العناية الى سائر ما فى منزل، حتى يبلغ بها الى الفأر والنمل مما فيه وكذلك الى كل واحد من سائر الأشياء الأخر التى فى منزله، على أن لقائل أن يقوم ان نظم الرجل الكريم لجميع ما فى منزله والكل واحد منها فى موضعه وتقسيطه لها بحسب الاستحقاق ليس هو جميل من أفعاله أو لائق به، لاكن كل ما كان مبرزا فى ذلك متقدما فيه، فيحسب ذلك يكون مثل هذه الألفعال ومثل التعفقد مباينة له غربية له فان كانت هذه الأشياء ليست لائقة بذوى الأفهام من الناس غير أهل لمن كان من الناس ذا فهم وغيره، فأوجب منه كثيرا أن يكون لله، جل ثناؤه، يعلوعن أن يقال فيه أنه يصرف تفقده الى الناس والفأر والنمل التى هى غير مساوية لنا وان عنايته تلحق الناس وسائر الأشياء التى هاهنا على هذه الجهة التى ذكرت.
Sayfa 25
وذلك أن مثل هذه السيرة وهى سيرة عبودية ومذهب هو فى غاية المهانة. ومع ما تقدم القول فيه من ذلك يكون هو سببا للشرور أيضا وعنه تصدر. وأيضا ما تقدم من القول فى العناية الجارية هذا المجرى هو أظهر جهلا ولا معنى له أصلا، متى نقلها انسان الى الأشرار فسأل وقال «يا ليت شعرت آلآلهة غير قادرين على أن يصير هؤلاء القوم أخيارا وغير مختارين لذلك أيضا أم هم قادرون عليه الا أنهم غير مختارين له أم هم مختارين غير قادرين عليه».
وذلك أن بحسب هذا القول ولا واحد من الناس يوجد شريرا، اذ كان الآلهة قادرين ومختارين أيضا على أن يجعلوا الناس بأجمعهم أخيارا من، قبل أن القول بأنه الآلهة، مع ما أنهم غير مختارين لذلك، هم غير قادرين هو قول ينسب الآلهة الى ما ليست له بأهل .
وأشنع من جميع الأقاويل القول بأن الله، عز وجل، ينفذ فى جميع الأشياء ويخترقها، من حيث هو محدثها، وأن عنايته مصروفة اليها على هذه الجهة. وذلك أن القائلين بذلك والمعتقدين له، مع ما أن قولهم هذا موهم (؟) وأنهم يجعلونه جزءا من الأشياء الحقيرة الدنية وأن الجسم يداخل الجسم، وهم مع ذلك غير موافقين فى كلامهم هذه الأشياء الظاهرة أصلا.
Sayfa 27
وذلك أن لا الملوك للذين فى طاعتهم ولا المعلمون للمتعلمين ولا الرعاة لما يرعونه ولا واحد من أصناف المعتنين لشىء من الأشياء بالجملة انما يصرف عناويته الى المعتنى به من حيث هو متحد به على الحقيقة وأن يقوم بمعونته على هذا النحو. فانه يجب ضرورة أن يكون المعتنى مفارقا منحازا عن المعتنى به، وذلك أن المعتنى غير محتاج الى آخر، وأما المعتنى به، فيحتاج لا محالة الى معونة المعتنى . فانه انما يقال فى الآلهة أنهم معتنون بالأشياء وبما صدر عنهم على العموم، وهذا لا يدخله فى باب ما ينتفعون به.
والقول يمثل هذه العناية بالأشياء التى هاهنا هو أشنع كثيرا بحسب من يقول ان الخير انما هو الحسن وحده فقد، فعندما تسمح الآلهة للأشياء التى ها هنا بمثل أى خبر من الخيرات، يصرفون اليها مثل هذه العناية، وذلك أن الخير هو تحت امر استطاعتنا من غير أن نكون محتاجين فى اقتنائه الى الآلهة فى وجهة من الوجوه.
والقول بأن الله يرصدنا من قبل الأشياء الغير متغيرة وأن فهمه تابع لما يحدث عنا قول من هو أجهل الناس بذاته وبما يقوله.
ولا القول أيضا بأن مثل هذه العناية تكون عن سكينات هى خادمة ما لله هو قول واجب. وذلك أن القول بأنه قد يوجد حيوانات ما مركبة من نفس وبدن وهى مستحيلة الا أنها غير فاسدة لا يسهل تسليمه، من قبل أنه قد يظن أن الأمر المناسب للغير فاسد الا يقبل المتغير والقابل للتأثير والفساد.
وان سلم انسان ذلك، كان القول بأن وجود مثل هذه الحيوانات مع ما هو فيها بالفضيلة فى طبعها وبالقرب من الله، عز وجل انما هو من أجلنا هو أشنع. ومع هذا أيضا العناية بالأشياء التى هاهنا التى مجراها هذا المجرى هى غير موافقة للأشياء الكائنة، كما تبين ذلك من أمرها.
Sayfa 29
وذلك أن الموتانات وما يعرض للزروع من اليرقانات والحرق والبرد وشقاء تحت الخيار من الناس وسعادة تحت اخسائهم وما أشبه ذلك هى كافية فى اظهار كذب هذا الرأى وبطلانه. فان الانسان ان هو حمل نفسه وقال ان هذه ليست شرورا، فسيضطره الأمر الى القول بأن أضدادها ليست خيرات. فما الذى يبذل لنا اذى الآلهة، وما الذى يمنعنا أو ما الذى يشير علينا والى ماذا يرشدنا الآلهة والسكينات ومما ذا ينهوننا؟ أما انه غير ممكن أن تكون عناية الله بالكل على هذا النحو وانه لو أمكن ذلك لما كان من اللائق أن يقرن مثل هذه بالله.
فللانسان أن يتبين من مثل هذه الأشياء. ولهذا السبب، متى كان انسان معتزما على أن يخلوعن كل واحد من الرأيين، أعنى الرأى الذى يبطل العناية ابطالا كليا، من قبل أنه رأى كاذب فى جميع الجهات، والرأى الذى يحدث العناية التى الى الأفراد والأوحاد وببعضها على الجزئيات، لأنه غير موافق للأشياء الكائنة ومن قبل أن صاحبه يعتقد فى الله ما ليس هو أهله، واجب فى أمر العناية التمسك برأى خاص مفرد به، عندما يحذر من الكذب الموجود فى كل واحد من ذينك الرأيين، كأنه لا سبيل له الى وجود رأى يحسب ما أرى أصدق وأصح غير الرأى الذى يقول به أرسطوطاليس. وذلك أنا نجد أن هذا الرأى وحده فقط هو الحافظ لما هو أهل للآلهة والموافق للاشياء الظاهرة.
Sayfa 31
وذلك أن أرسطو يقول ان سلامة الأشياء التى هاهنا وكونها وبقائها الذاتية الأبدية التى لها بالنوع يقال أنه ليس خلوا من العناية الالهية وان القوة المنبعثة عن الشمس والقمر والكواكب الأخر التى سيرتها سيرة الشمس على رأيه هى السبب بحسب رأيه لكون الأشياء التى قوامها بالطبع ولحفظها. وذلك أنه يرى أن انتظام حركة هذه الكواكب واعتدال أبعادها عن الأشياء التى هاهنا أسباب لهذه الأشياء، والمتقدم فى ذلك لسائر الكواكب الشمس.
Sayfa 33
أما أن هذه الأشياء هذا مجراها وهذه حالتها، فبين من هذا الوجه يقول بأنه لو كان بعد الشمس عن الأرض بعدا آخر غير هذا البعد الذى يوجد لها أو لو أن حركتها ونقلتها لم تكونا فى الفلك المائل أو كان اذن كونها لها فى هذا الفلك، غير أنه لم تكن تابعة لدوران فلك الكواكب الثابتة، لاكن أيضا كانت تتحرك الحركة الخاصية بها فقط، ليس انما كنا نعدم سائر الأشياء الأخر الموجودة لنا فى مسكننا، لا كنه لما كان يكون أيضا سبيل الى كون الحيوان والنبات ولا أيضا كون الأجسام البسيطة التى سلامتها انما تتم لها بسبب التغير المنتظم الذى لها بعضها الى بعض.
Sayfa 35
وذلك أن لو كان بعد الشمس عنا يكون يوجد أقرب الينا مما هو الآن ولم يكن بعدها عنا هذا البعد الذى يوجد لها الآن، لكانت تحمى الموضع الذى تلى 〈من〉 الأرض احماء تتجاوز به الاعتدال لقرب حركتها وذلك كان يكون أحمى من هذا الموضع، ولو كانت على خلاف هذه الحال، فكان بعدها عنه أكثر من هذا البعد، لكان يكون احماؤها أقل. وأما أنه لو كان يتفق شىء من ذلك، لما كان يمكن كون جنس أجناس الحيوانات والنباتات.
فللانسان أن يأخذ لذلك تصديقا كافيا من مواضع ما من الأرض التى يقال فيها غير مسكونة للغلبة من كل واحد من هاتين الكيفيتين عليها.
Sayfa 37
وذلك أن سبب خلو هذه المواضع من الأرض من الحيوان والنبات، فقد يجب أن يعتقد أن هذا هو بعينه سبب فقد الأرض بأسرها أيضا لهذين وأنه من الأليق الأولى أن تكون هذه الحادثة فى الأرض كلها لهذا السبب بعينه، من قبل أنه الأليق الأولى أن يكون ما يعرض من تغير المزاج الكائن فى جملة الأرض بأسرها بسبب الحر والبرد والحوادث التى تعرض بسسب هذين أكثر وأشد مما يوجد الآن فى أجزاء ما من الأرض، أعنى المزاج الذى من أجله يصح من أمر بعض أجزاء الأرض أنها غير مسكونة، اما بعضها 〈فلكثرة الحر واما بعضها〉 فلكثرة البرد. وذلك أنه اذا كانت جملة الأرض فى ذلك مجاوزة بأضعاف كثيرة حال جزء جزء منها، فليس يتهيأ أن يتصور التناسب الذى بين الأرض وبين أجزائها فى كثرة الحر والبرد وقلتهما، ولا فى الوهم أيضا، متى ارتفعت الشمس عنها الى فوق وبعدت عنها قليلا.
Sayfa 39