لكن بعد خمسة أيام وخمس ليال، أظلمت السماء قبل الزوال، وانحطت على السفينة من جهة الجنوب، ريح عاصفة متواترة الهبوب، فحرفتها عن اتجاه المسير، ومزقت شراعها الكبير، واجتهد كل ملاح، في خلاص الأرواح، من هذا الارتباك المفضي إلى الهلاك، فما نجحت الأعمال، ولا تحققت الآمال، بل ضاق الفضاء، ونزل القضاء، وخاب الرجاء، وعز الوصول إلى النجاء، وحان الحين، ونعب غراب البين، وتبدل بالخوف الأمان، وطاش عقل الشجاع والجبان، وطار من الحمام، على رءوس الجميع الحمام، ونادى منادي الفراق، لا سبيل إلى البقاء بعد هذا المحاق؛ حيث صالت جنود الأمواج، على تلك السفينة المصنوعة من الساج، فانخرقت قبل طلوع النهار، وانجذبت بما اغترفت من الماء إلى القرار، وما أظن أنه نجا من الغرق، سوى ابن الصريع الذي كان يهلك من الفرق، وسبب نجاته من هذا الموت العاجل، أنه أدرك بمصادفة الأقدار بعض الصنادل، فانزوى فيه بلا رفيق ولا مصاحب، وهو لا يشك أن طرف الردى له مراقب، وقد انقطع أمله إلا من الخالق، وأخذ في الاعتذار عما كان منه في السابق.
أسير الخطايا عند بابك واقف
على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها
ويرجوك فيها فهو راج وخائف
ومن ذا الذي يرجو سواك ويتقي
وما لك في فصل القضايا مخالف
فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي
إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما
Bilinmeyen sayfa