بروتاجوراس:
ومن الطبيعي أن نقع في هذه الحالة مرة أخرى فيما وقع فيه بروتاجوراس حين قال «إن الإنسان مقياس الأشياء جميعا.» ولذا كتب شيلر يقول: «ينبغي لنا أن نعود مرة أخرى إلى ما فعله بروتاجوراس، فتتخذ الأحكام الفردية لأشخاص مفردين نقطة بدء لنا.»
11
لكن ليس لنا أن ننسى أن «بروتاجوراس» هو أحد زعماء ومؤسسي تلك النزعة السفسطائية التي حاولت، في عصر أفلاطون، أن تخلط الحق بالباطل لكي تتصيد في الماء العكر ما هو زائف ومريح، وتشيد صرح الخطابة على أنقاض الفلسفة.
ولقد لاحظ أفلاطون في «تيتاتوس»
Théétete
12
أننا إذا سلمنا بمبدأ «بروتاجوراس»، لكان معنى ذلك التسليم بأن حجج المجنون تعادل في صدقها حجج العاقل، وأن أحط الحيوانات شأنا له رأي عن الكون لا يقل حصافة عن رأي الإنسان الحكيم.
الذاتية والداخلية:
كل مظاهر الخلط هذه ترجع إلى خطأ أساسي، ينحصر في الخلط بين الذاتية والداخلية؛ فالحكم حقيقة داخلية، وهو نتاج للنشاط المستقل للكائن المفكر، وحين نقول «المستقل»، فنحن لا نعني بهذه الكلمة حقيقة لا ترتبط بشيء، بل نعنى حقيقة لها قوانينها الخاصة، فقوانين الفكر لا تمليها عليه المادة، وإلا لما كان الفكر سوى تعبير عن البدن، كما لا تمليها عليه الجماعة، إذ إن تفكير المرء على النحو الذي يفكر به الجميع لا يوصل إلى الحقيقة. ومع ذلك، فالفكر يخضع لقوانين، وسوف نرى كنه هذه القوانين فيما بعد.
Bilinmeyen sayfa