حيثما لا توجد فوارق، لا يكون هناك مجال للتفوق ، والمساواة المطلقة لا تمثل إغراء. إن جمهوريات أوروبا جميعا (ويمكننا القول دائما) تنعم بالسلام. هولندا وسويسرا لا تخوضان أي حروب، خارجية أو داخلية: أما الحكومات الملكية فلا تنعم بالراحة والسلام طويلا أبدا؛ فالتاج نفسه يمثل إغراء للمغامرين داخل البلاد؛ وهذه الدرجة من الكبر والفخر المصاحبة دائما للسلطة الملكية تتضخم لتتحول إلى قطيعة مع القوى الخارجية في حالات تتفاوض فيها الحكومات الجمهورية على الأخطاء، باعتبارها حكومات تشكلت على مبادئ يمكن وصفها بأنها أكثر انسجاما مع الطبيعة.
وإذا كان هناك أي سبب حقيقي للخوف من الاستقلال، فهذا السبب هو أنه لم توضع خطة بعد. فالناس لا يرون السبيل؛ لذا - وكمدخل إلى هذا الشأن - فإنني أعرض التلميحات التالية، وأؤكد بتواضع في الوقت نفسه أنني أنا نفسي أنظر إليها باعتبارها ليست أكثر من وسيلة لإبراز شيء أفضل. فلو أمكن جمع الأفكار المتناثرة من عقول الأفراد لشكلت تلك الأفكار مواد يستطيع الحكماء الأكفاء تحسينها لتتحول إلى جوهر مفيد.
فلتكن انتخابات المجالس النيابية سنوية، لاختيار الرئيس فقط. وليكن التمثيل أكثر مساواة. ولتكن أعمالها محلية بالكامل، وخاضعة لسلطة الكونجرس القاري.
فلنقسم كل مستعمرة إلى ست أو ثمان أو عشر مقاطعات مناسبة، على أن ترسل كل مقاطعة عددا مناسبا من النواب إلى الكونجرس، بحيث ترسل كل مستعمرة ثلاثين نائبا على الأقل. سيبلغ إجمالي عدد نواب الكونجرس 390 نائبا على الأقل. ويجب أن يجتمع المجلس كل عام ويختار رئيسا بالطريقة التالية: عندما تجتمع كل الوفود، تختار إحدى المستعمرات بالقرعة من بين جميع المستعمرات الثلاث عشرة، وبعد ذلك يختار الكونجرس كله (بالاقتراع) رئيسا من بين نواب تلك المستعمرة. وفي المؤتمر السنوي المقبل، تختار واحدة من المستعمرات الاثنتي عشرة المتبقية بالقرعة، حيث تستبعد المستعمرة التي جاء منها الرئيس في المؤتمر السابق، ويستمر الأمر على هذا النحو إلى أن تأخذ جميع المستعمرات الثلاث عشرة دورها. ولكي لا يتم تمرير أي مشروع ليصبح قانونا إلا ما يكون عادلا ومنصفا على نحو مرض ومقبول، ينبغي أن يوافق عليه ثلاثة أخماس أعضاء الكونجرس ليمكن تسميتهم بالأغلبية ؛ ومن يعزز الفرقة والشقاق تحت لواء حكومة تشكلت بكل هذا القدر من المساواة فإنه جدير بأن يكون رفيقا لإبليس في عصيانه.
ولكن لما كانت هناك حساسية خاصة تجاه الشخص أو الأسلوب الذي يبادر بهذا الأمر ابتداء، ولما كان الأكثر قبولا واتساقا فيما يبدو أن ينبع هذا النظام من هيئة ما في وضع متوسط بين الحكام والمحكومين، أي بين أعضاء الكونجرس والشعب؛ فلنعقد إذن «مؤتمرا قاريا»، على النحو التالي، وللغرض الآتي:
تنتخب لجنة من ستة وعشرين عضوا من أعضاء الكونجرس؛ أي اثنين عن كل مستعمرة. ويختار عضوان من كل مجلس نيابي أو مؤتمر إقليمي؛ وخمسة ممثلين لعامة الشعب داخل عاصمة كل إقليم، ليكونوا ممثلين ونوابا عن الإقليم كله، وذلك عن طريق حضور أكبر عدد ممكن من الناخبين أصحاب الحق في التصويت من جميع أنحاء الإقليم لهذا الغرض تحديدا؛ أو يمكن اختيار الممثلين في اثنين أو ثلاثة من أكثر أجزاء الإقليم من حيث تعداد السكان، إذا كان هذا أكثر ملاءمة. في هذا المؤتمر - الذي تجمع على هذا النحو - سيتحد أهم مبدأين في المسألة كلها وهما «المعرفة» و«السلطة». فأعضاء الكونجرس أو المجالس أو المؤتمرات سيكونون بمنزلة مستشارين أكفاء مؤهلين ونافعين من خلال خبراتهم في الشئون الوطنية، والمجموع كله - باعتباره يحظى بالتفويض والتمكين من الشعب - سيمتلك سلطة شرعية بحق.
وينبغي أن تكون مهمة الأعضاء المجتمعين في المؤتمر هي صياغة «ميثاق قاري»، أو ما يمكن تسميته «ميثاق المستعمرات المتحدة» (في مقابل وثيقة «ماجنا كارتا» لدى إنجلترا) لتحديد عدد أعضاء الكونجرس وطريقة اختيارهم، وكذا أعضاء المجالس، وتواريخ اجتماعهم، ووضع خطة العمل والاختصاص بينهم (مع تذكير أنفسنا دائما بأن قوتنا قوة قارية، وليست إقليمية)؛ من أجل تأمين الحرية والملكية لجميع الناس، وقبل كل شيء ممارسة الشعائر الدينية بحرية، وفقا لإملاءات الضمائر، مع أي أمور أخرى يبدو ضروريا أن يشتمل عليها الميثاق. وبعد وضع الميثاق مباشرة ينتهي ذلك المؤتمر، وتصبح الهيئات التي ينبغي اختيارها بما يتفق مع ما جاء في الميثاق هي جهات التشريع والحكم في الوقت الراهن في هذه القارة: أدام الله عليها السلام والهناء.
وفي حال فوضت أي مجموعة من الرجال فيما بعد لهذا الغرض أو لغرض مماثل، فإنني أعرض عليهم المقتطفات التالية للمراقب الحكيم للحكومات المدعو دراجونيتي، يقول دراجونيتي: «يكمن علم السياسي في تحديد الجهة الحقيقية للسعادة والحرية. وهؤلاء الرجال الذين يكتشفون نظاما للحكم يشتمل على أكبر قدر من السعادة الفردية بأقل تكلفة وطنية يستحقون الشكر والامتنان عبر عصور من الزمان.»
1
سيقول البعض ولكن أين يكون ملك أمريكا من كل هذا؟ سأخبرك: أيها الصديق، إنه يحكم من أعلى، ولا يبث الفوضى والخراب في البشرية كما يفعل ملك بريطانيا الغاشم. ولكن لكي لا نظهر بمظهر معيب ولو حسب معايير الكرامة الدنيوية، فلنحدد يوما لإعلان الميثاق رسميا؛ ونجلب الميثاق ونضعه إلى جانب الشريعة السماوية، كتاب الله؛ ثم نضع فوقهما التاج بعد ذلك، وبهذا يعرف العالم أجمع أنه فيما يتعلق بقبولنا للملكية، فإن «القانون هو الملك» في أمريكا. فكما أن الملك هو القانون في الحكومات المطلقة، فلا بد أن يكون القانون هو الملك في البلدان الحرة؛ ولا ينبغي أن يكون هناك ملك آخر. ولكن لكي لا ينشأ بعد ذلك أي سوء استخدام لهذا التتويج، فلنحطم التاج في نهاية الاحتفال وننثر أجزاءه بين أفراد الشعب الذين هم أصحابه الحقيقيون.
Bilinmeyen sayfa