وقد بينا، أن الذي به ثبت متكلما، هو حدوث الكلام من جهته، فكيف يقال أنه للنفس؟.
ولقد بين أبو هاشم «1»: أن صفات النفس فيه تعالى، يجب أن يقتضيها الفعل، أو يقتضيها ما يقتضيه الفعل، لأن ما لا يتأتى فيه ذلك، لا يصح إثباته من صفاته سبحانه، لأن طريق العلم به، إذا كان هو الفعل، فيجب أن يكون الطريق إلى ما يختص به من الصفات، وألا يصح إثباته على صفة، لا يقتضيها الفعل على وجه، كما أن ما طريق إثباته الإدراك، لا يصح- إثباته على صفة يختص بها، إلا من جهة الإدراك. ولذلك أوجبنا إدراك الشيء، على سائر صفاته النفسية، لو حصل له صفات للنفس.
ولذلك قلنا: لو كان السواد حموضة، لوجب كونه مدركا من الوجهين، فاذا صح ذلك، ولم تقتض مجرد أفعاله كونه متكلما، ولا وقوعها على بعض الوجوه، ولا شيء من صفاته، اقتضى ذلك فيه.
فيجب إحالة القول بأنه متكلم لنفسه، على أنه لو كان متكلما لنفسه، لوجب كونه متكلما، بسائر أقسام الكلام وضروبه، لأن ذلك مما يصح، من كل متكلم أن يتكلم به، إذا لم تكن به آفة، كما أنه إذا كان قادرا لنفسه، صح أن يقدر من كل جنس، على مثال ما يصح كونه مقدورا لغيره، وإن كان لا يجب كونه مقدورا على ما يقدر عليه غيره، ولا متكلما بنفس ما يتكلم به غيره، من حيث كان المقدور يختص بقادر دون غيره، وكذلك الكلام.
وتفارن حالهما، حال المعلوم، ولذلك أوجبنا كونه عالما بكل معلوم، من الأجناس والأعيان، لما كان عالما لنفسه.
ولم نوجب كونه قادرا على كل عين، وإن كان قادرا لنفسه. وإذا صح ذلك، فيجب أن يكون متكلما بالكذب، والصدق، والأمر بالقبيح، والنهي.
عن الحسن ويخبر عن كل ما يصح الإخبار عنه، ويأمر بكل ما يصح الأمر به.
Sayfa 118