[21] فقد تبين من جميع ما استقريناه وشرحناه وبينا طرق اعتباره أن إشراق الضوء من كل جسم مضي ء من ذاته إنما هو على سموت خطوط مستقيمة، وأن الضوء يشرق من كل جسم مضي ء من ذاته في جميع الجهات التي بينه وبينها خطوط مستقيمة لا يقطعها شي ء من الأجسام الكثيفة، وأن كل جزء من أجزاء الجسم المضي ء من ذاته يشروق الضوء منه على هذه الصفة، وأن الضوء الذي يشرق على موضع من المواضع من جميع الجرم المضيء يكون أقوى من الضوء الذي يشرق على ذلك الموضع من ذلك البعد من بعض ذلك الجرم، وأن الضوء الذي يشرق من جزء أعظم يكون أقوى من الضوء الذي يشرق من جزء أصغر، وأن الأجزاء الصغار من الجرم المضيء يلزم فيها أيضا هذه الحال. وإن تعذر اعتبارها على انفرادها وخفي ضوؤها منفردا عن الحس فإن ذلك إنما هو لقصور الحس عن إدراك ما هو في غاية الضعف. وإذا كان جميع ذلك كذلك فالضوء إذن الذي يشرق من الجرم المضيء من ذاته في اهواء المشف إنما يشرق من كل جزء مقابل لذلك الهواء من الجرم المضيء، ويكون الضوء في الهواء المضيء متصلا ملتئما، وتكون كل نقطة من الجرم المضيء يخرج الضوء منها على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتدا من تلك النقطة في ذلك الهواء. فعلى هذه الصفة يكون إشراق الأضواء من الأجسام المضيئة من ذواتها في الهواء المشف المشابه الشفيف. فلنسم الأضواء التي تشرق من الأجسام المضيئة من ذواتها الأضواء الأول.
[22] وأيضا فإنا نجد الأرض مضيئة في أول النهار وآخره قبل طلوع الشمس وبعد غروبها، وليس شيء من المواضع المضيئة في هذين الوقتين مقابلا لجرم الشمس ولا لشي ء منها، وليس لضوء النهار علة غير الشمس إذ ليس يزيد في النهار ضوء لم يكن في الليل إلا ضوء الشمس فقط. وأيضا فإن الشمس إذا طلعت وصارت فوق الأرض فإنا نجد المساكن وأفنية الدار التي هي مستترة عن الشمس بالحيطان والسقوف مضيئة مع ذلك وليست مقابلة للشمس ولا لشي ء منها. وكذلك أظلال الجبال والأجسام الكثيفة وجميع الأظلال توجد مضيئة بالنهار مع استتارها عن جرم الشمس بالأجسام الكثيفة التي هي أظلال لها. ونجد أيضا كثيرا من المساكن المستترة عن السماء مضيئة قبل طلوع الشمس وبعد غروبها مع استتار الشمس ومع استتار هذه المواضع عن السماء. فلنبحث الأن عن كيفية هذه الأضواء بالاستقراء والاعتبار من أحوالها وخواصها.
Sayfa 82