[27] وكذلك جميع المقاييس التي مقنماتها الكلية ظاهرة ومستقرة في النفس ليس تحتاج القوة المميزة في إدراك نتائجها إلى زمان مقتدر، بل في حال فهمها للمقدمة قد فهمت النتيجة. مثال ذلك لو طرق سمع سامع صحيح التمييز قول قائل هذا الشخص كاتب لكان ذلك السامع يدرك في الحال مع نفس فهمه لهذا اللفظ أن ذلك الشخص الذي سمع بصفته هو إنسان، وإن لم ير ذلك الشخص، ومن غير توقف ولا زمان مقتدر. وليس إدراكه لأن الشخص الكاتب إنسان إلابالمقدمة الكلية وهي أن كل كاتب إنسان. فمن استقرار هذه المقدمة في النفس وظهورها عند القوة المميزة صار السامع متى سمع بالمقدمة الجزئية التي هي هذا الشخص كاتب فهم في الحال أن ذلك الشخص إنسان. وكذلك إن قال قائل ما أمضي هذا السيف فإن السامع المميز إذا سمع هذا اللفظ فهم في الحال أن ذلك السيف المشار إليه حديد. وليس إدراكه بأن ذلك السيف حديد إلا بالمقدمة الكلية التي هي كل سيف ماض فهو حديد.
[28] وكذلك جميع المقاييس التي مقدماتها ظاهرة ومستقرة في النفس وحاضرة للذ كر تدرك القوة المميزة نتائجها في حال استماعها للمقدمة الجزئية وفي زمان في غاية الصغر، ولا يكون بين الآن الذي يقع فيه فهم المقدمة الجزئية وبين الآن الذي تدرك فيه القوة المميزة النتيجة زمان ظاهر المقدار. والعلة في ذلك أن القوة المميزة ليس تقيس بترتيب وتأليف وبتكرير المقدمات كما يكون في ترتيب القياس باللفظ. وذلك أن القياس المنتج ليس يكون قياسا في اللفظ إلا بترتيب المقدمات، ومثاله هذا الشخص كاتب وكل كاتب إنسان فهذا الشخص إنسان. فبهذا الترتيب صار اللفظ قياسا وأنتجت النتيجة. ولو لم يرتب اللفظ هذا الترتيب لما أنتجت النتيجة. وليس كذلك قياس القوة المميزة، لأن القوة المميزة تدرك النتيجة من غير حاجة الى اللفظ ومن غير حاجة ال تكرير المقدمة وترتيبها ومن غير حاجة إلى تكرير اللفظ وترتيبه.
[29] وترتيب لفظ القياس إنما هو صفة كيفية إدراك التمييز للنتيجة، وإدراك التمييز للنتيجة ليس يحتاج إلى نعت الكيفية وإلى ترتيب كيفية الإدراك. فالقوة المميزة إذا أدركت المقدمة الجزئية، وكانت ذاكرة للمقدمة الكلية، فإنها في حال فهمها للمقدمة الجزئية قد فهمت النتيجة، لا في زمان له قدر يعتد به، بل في أقل القليل من الزمان، إذا كانت المقدمة الكلية ظاهرة عند القوة المميزة.
Sayfa 223