يدخل مصر، وقال عنه: كان الشافعي يعمل الباب من العلم ثم يقول: يا جارية قومي إلى القَدّاح فتقوم، فتسرج له، فيكتب ما يحتاج أن يكتبه ويرسمه في موضعه، ثم يطفئ السراج ويستقي على ظهره فيعمل الباب من العلم.
. . . وهكذا، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو تركت السراج يَقِدُ؛ فإن هذه الجارية منك في جهد، فقال: إن السراج يشغل قلبي.
وقال لي يوما: كيف تركت أهل مصر؟
فقلت: تركتهم على ضربين: فرقة منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به، واعتمدت عليه، وذبت عنه وناضلت. وفرقة قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به، وناضلت عنه.
فقال الشافعي: أرجو أن أقدم مصر - إن شاء الله - وآتيهم بشيء وأشغلهم به عن القولين جميعا.
قال الربيع: ففعل ذلك - والله - حين دخل مصر.
ثم روى البيهقي عن بحر بن نصر الخولاني أنه قال:
قدم الشافعي من الحجاز، فبقى بمصر أربع سنين، ووضع هذه الكتب في أربع سنين. . وكان يضع الكتب بين يديه ويصنّف، فإذا ارتفع له كتاب جاء صديق له يقال له: «ابن هرم» فيكتب، ويقرأ عليه «البويطي» وجميع من يحضر يسمع في «كتاب ابن هرم» ثم ينسخونه بعد. وكان «الربيع» على حوائج الناس فربما غاب في حاجة، فيعلّم له؛ فإذا رجع قرأ الربيع عليه ما فاته.
ثم عقد بابا عظيما ذكر فيه عدد ما وصل إليه من مصنفات الشافعي؛ فذكر في الكتب التي تجمع الأصول وتدل على الفروع ثلاثة عشر كتابا، ثم قال:
المقدمة / 13