وقد اعترف «المزني» بذلك حيث يقول: «لو كنا نفهم عن الشافعي كل ما يقول لأتيناكم عنه بصنوف العلم، ولكن لم نكن نفهم، فقصرنا، وعاجله الموت».
وقد مكث المزني - في تأليف مختصره هذا - عشرين سنة، وألفه ثلاث مرات، يغير فيه ويبدل.
* * *
وإن كتاب المناقب هذا يعد من أعظم كتب التراجم، وأحفلها بالفائدة، وأقربها سبيلا إلى الغاية من الترجمة، يقرؤه القارئ الواعي، فيخرج منه بصورة متكاملة للشافعي العالم المفسر، الفقيه المحدث، الأديب الشاعر، والإنسان العربي الأبي الذي يحرص على الكرامة والحرية والمروءة ومكارم الأخلاق، والجواد السخي الذي يبذل ماله، طيب النفس ببذله، والعالم الكريم الذي كان يود من سويداء قلبه أن يتعلم الخلق علمه، وأن لا ينسبوا إليه شيئا منه!
وتلك مكانة سامية لا يرقى إليها إلا أفذاذ العلماء الذين قهروا أهواءهم، وقدعوا نفوسهم عن حب الشهرة، وآمنوا بأن نشرهم لعلمهم إنما هو الشكر لربهم الذي علمهم ما لم يكونوا يعملون.
وما أريد أن أسترسل في ذكر ألوان عظمة الشافعي التي تجتلى من هذا الكتاب فإن فيما رواه البيهقي عن «داود بن علي الظاهري» غنية عن ذلك وأقوال داود - تلك - من أهم ما اشتمل عليه كتاب المناقب.
قال داود:
«اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره:
المقدمة / 29