331

ولأن التكليف حال وقوع الفعل تحصيل الحاصل وقبله لا قدرة ، لأنه لا معنى لكونه فاعلا إلا حصول المقدور عن القدرة ، ويستحيل أن يكون فاعلا في الحال لفعل لا يوجد في الحال ، فلم يكن في الحال مأمورا بشيء بل يكون ذلك إعلاما بصيرورته مأمورا في المستقبل.

ولأن الفائدة يستحيل عودها إليه تعالى أو الى المكلف ، لأنها إن كانت ضررا فهو قبيح ، وإن كانت نفعا فليس في الحال لأنه في الحال يتأذى ولا في ثانيه لأنه ممكن من غير التكليف فهو عبث.

ولأن التكليف على ما ذكرتم تجري مجرى القاء الغير في البحر ثم تكليفه بالخروج ليثيبه عليه ، ولأن فائدة التكليف وهو الثواب يجري مجرى الأجرة فكيف يحسن منه تعالى فعلها من غير رضاه.

والجواب أن التعظيم والإجلال من غير مسبوقية الاستحقاق قبيح عقلا سواء صدر ممن ينتفع ويتضرر او ممن يستحيل عليه ذلك ، وما ذكروه من المثال فغير صحيح ، لأن الثواب لا يستحق بسبب الجهاد من غير الشهادة ، فإذن الموجب للاستحقاق انما هو المجموع ، ولا شك في أن الثواب الحاصل من المجموع أزيد من ثواب الأجزاء ، والضرر الحاصل من التكليف قليل جدا بالنسبة الى تركه ، والنفع الحاصل به أعظم من تعب التكليف بكثير ، فوجه القبح منتف بالإطلاق.

وليست الأفعال بأسرها من خلق الله تعالى وإرادته على ما بينا فحسن التكليف ، وقد بينا فيما سلف أن العلم بالوقوع تبع للوقوع الذي هو تبع للقدرة والاختيار فلا يؤثر في منعها ، نعم إنه بحسب المعلوم وجوبا لاحقا.

وأجاب بعضهم بأنه تعالى يعلم الوقوع ويعلم القدرة للمكلف عليه ، فليس إخراجه عن القدرة بسبب تعلق العلم بالوقوع بأولى من ثبوت القدرة له لتعلق العلم بها.

Sayfa 380