وقد استدعاه كبراء وعقلاء اليمن وأرسلوا إليه وفودهم مطالبيه بإنقاذهم من الفساد من فتنة أعدائهم القرامطة والباطنية ، فأخذ منهم البيعة الشرعية والعهود المرعية، ووصل اليمن بعد ذلك وقاتل القرامطة بمن معه من الأنصار، وكانت له معهم نيف وثمانين معركة في جهات كثيرة من اليمن ولم يهزم في واحدة منها قط، وكان هو الذي يقاتل بسيفه ذي الفقار الذي وصل إليه من يد آبائه، ولم يقدر على حمله غيره، وكانت له قوة باهرة وشجاعة نادرة، يباشر المعركة بيده وينازل الأقران بنفسه في ميدان القتال، ولم ينفك عن الجهاد والجلاد حتى أقام الحق، وقد شهد له العلماء المعاصرون أجمعون، وكتب العلماء ما كان له من سعة علم، وما كان يتحلى به من فضل وعدل في الرعية، لا يخاف في الله لومة لائم، وهو يتولى بيده الكريمة معالجة الجرحى ويتولى إطعام اليتامى والمساكين، ولم يكن له زاد لخاصة نفسه إلا ما يؤتى إليه من أمواله الخاصة في الحجاز، وكان يأكل منها ما يسد جوعه ويطعم ما بقي لمن عنده، ولم يكن له من فضل زاد اليمن إلا من الزكاة التي هي كل ما تجمعه حكومته زكاة شرعية، ومذهبه أنها لا تحل للهاشميين، فكان هو وأسرته لا يقتادون منها أصلا، وما زال ذلك المذهب معمولا به في اليمن إلى عصرنا هذا، وعلى الجملة فإنه
إذا كان فضل المرء في الناس ظاهرا .... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصف
ولله در من قال:
سل سنة المصطفى عن نجل صاحبها .... من علم الناس مسنونا ومفترضا
وسائل الشهب عنه في مطالعها .... والفجر حين بدا والصبح حين أضا
وكان أكثر الناس صبرا في الشدائد، وأجودهم بالخير عند النوائب، كل ساعات نهاره مشغولة بجهاد، منتصبا في فتاوى أحكام الدين أو فتاوى أحكام العباد، وكل ساعات من ساعات ليله في سهر وبكاء وطول نحيب وخضوع بين يدي الرب المعبود، ولم يذخر له من هذه الدنيا سوى العمل الصالح والشهادة.
Sayfa 81