وكنا أينما ذهبنا الآن نأخذ معنا المنظار المقرب، من باب الاحتياط، وكاد ذلك المنظار يضيع منا ذات يوم عندما سرقه كيكانبو، ولد توموداكي «الشقي»، وانطلق يجري به في الغابة. كان أشد صغار السعالي صفاقة وأكثرها ميلا إلى اللهو واللعب، وعندما أدركناه لم يكن يريد إعادة المنظار. واضطر كنسوكي آخر الأمر إلى رشوته: موزة حمراء في مقابل منظار مقرب.
لكنه مع مرور الوقت كنا بدأنا نعيش كأنما اعتزمنا البقاء في الجزيرة إلى الأبد، وهو ما بدأ يقلقني قلقا عميقا، كان كنسوكي يقوم بإصلاح زورقه ذي المساند، وإعداد المزيد من الخل، وكان يجمع الأعشاب ويجففها في الشمس. وكان يبدو أن اهتمامه بترقب وصول أية سفينة يقل باطراد، بل كان يبدو أنه نسى الموضوع برمته.
وشعر كنسوكي بقلقي واضطرابي. كان منهمكا في إصلاحات زورقه ذات يوم وأنا أستكشف الأفق من خلال المنظار المقرب، إذ لم يبارحني الأمل قط، حين قال: «تزداد سهولة الأمر عندما تكون عجوزا مثلي يا ميكاسان.»
وسألته: «سهولة ماذا؟»
فقال: «سهولة الانتظار. سوف تأتي سفينة يوما ما يا ميكاسان. ربما يكون ذلك في القريب العاجل، وربما لا يكون في القريب العاجل. لكن السفينة سوف تأتي. يجب ألا نقضي الحياة في الرجاء دائما والانتظار دائما. فغاية الحياة أن نحياها.» كنت أعرف أنه على صواب، بطبيعة الحال، لكنني لم أكن أستطيع - إلا حينما أستغرق في الرسم - أن أطمس حقا كل تفكير في الإنقاذ، وكل تفكير في أمي وأبي.
وصحوت ذات صباح وستلا تنبح خارج منزل الكهف. نهضت وخرجت للبحث عنها. لم أستطع في البداية أن أراها في أي مكان. وحين وجدتها كانت تقف عاليا فوق التل، وكانت تصدر أصواتا تتراوح بين الزمجرة والنباح، وقد انتصب شعر رقبتها. وسرعان ما أدركت السبب. كانت سفينة من نوع الينك! سفينة صغيرة في البحر. وهرعت نازلا التل فقابلني كنسوكي خارجا من منزل الكهف، وكان يربط حزام سرواله. وهتفت به: «جاءت سفينة! النار! فلنشعل النار !»
وقال كنسوكي: «دعني أنظر أولا.» ورغم كل احتجاجاتي عاد إلى منزل الكهف لإحضار المنظار المقرب. وانطلقت أجري إلى قمة التل من جديد. كانت السفينة قريبة جدا من الشاطئ. ولا بد أن يرى من فيها الدخان. كنت واثقا من ذلك. وكان كنسوكي يصعد التل لمقابلتي ببطء يغيظ. لم يكن يبدو أنه في عجلة على الإطلاق. وأخذ يحدق في السفينة من خلال المنظار ويدرسها بعناية، فاستغرق في ذلك وقتا طويلا.
وقلت له: «لا بد أن نشعل النار، لا بد لا بد.»
وقبض كنسوكي فجأة على ذراعي، وقال: «إنها نفس السفينة يا ميكاسان. لقد أتى الرجال القتلة. إنهم يقتلون قرود الجيبون ويسرقون أطفالها. لقد عادوا، أنا واثق تماما؛ فأنا لم أنس السفينة. أنا لا أنسى أبدا. إنهم أناس أشرار جدا، لا بد أن نذهب بسرعة. لا بد أن نجد جميع السعالي. لا بد أن نأتي بها جميعا إلى الكهف. ستكون آمنة فيه.»
لم يستغرق وقتا طويلا في استدعائها. لم يفعل كنسوكي سوى أنه بدأ يغني ونحن نسير في الغابة.
Bilinmeyen sayfa