قالت: أشعر كأن النار اضطرمت في قلبي، فانظر يا أخي كم يحول من المصاعب بين فؤاد وبين الزواج بسعدى.
قال: لا شك أنه يكدرك - وأنت امرأة متعبدة - سماع مثل هذه الأخبار عن ابنك، وبالنسبة لي فإني لا أراه مخطئا بما يفعل.
قالت: لم أسألك عن رأيك، وإنما أرغب أن تعلمني كيف دريت أنه مرافق؟ ومن أدراك ذلك؟
قال: علمت ذلك من بعض الإخوان تلميحا، فلم أصدقهم حتى شاهدت الأمر عيانا، فقد رأيت فؤادا يذهب في كل يوم إلى رفيقته، فيقضي عندها الساعات الطويلة متمتعا في قربها وأنسها في منزل اتخذه لها في مصر العتيقة، ولا بد أن أعرفه.
قالت: هو مرافق من خمسة شهور، وأنا لا أعلم، فيا رب ما هذا؟ وكيف يستطيع قلب والدة حمل هم كهذا؟!
قال: هذا الأمر عظيم عند من كان ورعا تقيا نظيرك، على أن ما يزيد الأمر ارتباكا وبلبالا هو أن الصاحبة صغيرة السن، بهية المحيا، مشرقة الوجه سيجد المرء من فراقها، أما لو كانت كبيرة السن فإنها تدرك أن رفيقها سيتركها يوما من الأيام، ويتزوج بفتاة تناسبه سنا وتهذيبا ومقاما وثروة، فلا تمنعه إن رام الانفصال عنها، بل تحرص على صحبته، وتحفظ له الوداد، ولا سيما حين يبلغها أنه اتخذ سعدى زوجة له، وهي ذات غنى كثير، ولكن جرت الريح بما لا يلائم، فانظري وتفكري فلعلك تعرفين الرفيقة.
قالت: من لي بعلم الغيب؟ وأنى لي أن أتفكر أو أملك رشدي؟
قال: الفتاة عفيفة بنت كريمة شقيقة غانم التي شاع خبر موتها من نحو خمسة شهور.
قالت وقد ازداد اضطرابها واصفرار وجهها: هل عفيفة حية حقا؟
قال: نعم، وإليك تمام القصة التي وقفت عليها ... وجعل يخبرها بجميع ما جرى في ذلك اليوم من حين دخوله إلى حديقة الأزبكية إلى ساعة رجوعه من مصر العتيقة، ولما فرغ من روايته قال: وأرى النتيجة من هذه القصة أن فؤادا مرافق عفيفة من خمسة أشهر، وأنه كلف بحبها وهي تحبه، وقد أبصرتها على جمال مفرط وبهاء، فلا يدخل في تصوري أنه يهجرها ابتغاء الزواج بغيرها لو عرضت له الدنيا بحذافيرها.
Bilinmeyen sayfa