قال همام: إنما يشغف الناس ويهتمون للجمال أن تصيب أهله مصيبة، ولا يهتمون بمن مضى زمنه، وذوى غصنه، وأفل نجم سعوده.
قال فؤاد: إن كان لا يعجبك إلا الظواهر، وليس في قلبك محل للرقة والحنان، فلا عجب أن تنفر من رؤية هذه المسكينة، وتعد كبر سنها ذنبا كبيرا لا يغتفر.
قال همام: أما ترى أن من طعن في السن هو أولى بعناية الله لا البشر؟
ثم إن همام انصرف بوجهه عن صاحبه لحظة، وأخرج من جيبه ساعة، ونظر فيها ثم قال: مضى الوقت المعين لأكل الطعام، وصاحبنا غانم غاب مع ابنه لم يحضرا، فوالله إني ما أكره شيئا كرهي الانتظار، وما أرى الرجل أقل أدبا مثل أن يخلف ميعاد أكله مع صحبه وخلانه.
قال فؤاد: إن حضرا فأهلا وسهلا، وإن غابا فتوفير ولا أسف.
قال همام: ما أراك إلا مبغضا لغانم وأهله، رغما عن إرشادات والدتك ومواعظها ونصيحتها لك بمجاملة أهل هذا الرجل وتبجيله واحترامه كما يجب، فمن اللازم أن أكلمك قليلا في هذا الصدد، فاقفل هذه النافذة، واجلس على كرسي في جانبي، فقد صعقتني ضجة الطريق، ومشاهدة سحنة صاحبتك العجوز قتلتني، وإن رؤيتها لتقطع الرزق وما في ذلك شك.
ولما جلس فؤاد قال له خاله: قد بلغت يا فؤاد السابعة والعشرين من العمر، لك إيراد بالغ خمسة آلاف فرنك في السنة تقريبا، وهو مبلغ طفيف قليل، لا يمكنك من المعيشة بين أقرانك بالراحة والانبساط، وكثيرا ما خاطبتك والدتك بشأن زواجك بالسيدة سعدى بنت صاحبنا غانم التاجر الغني المشهور فامتنعت وعاندت. ففي أي زمن تتزوج إن تخلفت عن التأهل في زمن الشباب؟ وماذا يجول في رأسك من الخواطر حتى امتنعت؟ أخبرني عن السبب ولا تغالط.
قال فؤاد: تسألني عن سبب امتناعي فأجاوبك أولا أن السيدة سعدى في غاية الدمامة والقبح، وليست على شيء من الحسن.
قال همام: قد ضللت، ولك علي البرهان بأن الدمامة في المرأة من السجايا الحميدة.
قال فؤاد مستتبعا، كأنه لم يسمع خطاب خاله: ثانيا أنها غير نبيهة.
Bilinmeyen sayfa