قال فؤاد: والله إنها لحالة تستوجب مزيدا من الأسف.
قالت: ليست حالتي هي التي تستوجب الأسف، وإنما حالة ابنتي هي المريعة، وقد وصلنا الآن إلى النبأ الهائل، فأرجوك تنصت إليه وتتدبره.
وهنا دخلت عفيفة مذعورة تقول: ها هو صاعد على السلم، قد عرفته من مشيته.
فاضطربت الأم كاضطراب ابنتها، وقالت لفؤاد: هذا زوجي قد حضر الآن، فلا أعلم ماذا يصنع إذ يراك هنا.
قال فؤاد: طمني البال، فلا خوف عليك ولا علي، فإن عربد أخبرته بأني خطيب ابنة أخيك فيسكن.
ثم إن عفيفة دنت من فؤاد وكلمته بصوت منخفض قائلة: لي حديث أسره إليك، فمتى نزلت اقرع باب الدور الأسفل فإني في انتظارك. وخرجت، فدخل على أثر خروجها زوج أمها، وكان طويل القامة، شديد البنية، جميل الصورة، يناهز الأربعين سنا، وكان لجمال صورته في صباه ينادوه بيوسف لحسنه، على أنه كان قبيح السيرة، شرس الأخلاق، شديد الطمع، فاسقا شريرا، لو تفرس الإنسان فيه لرأى دلائل المكر والخبث على وجهه. دخل هذا الرجل إلى البيت فرمى بنظرة على ما حوله، وجعل يحملق بفؤاد بعد أن سلم سلام المغاضب ينظر شزرا. فقال له فؤاد وهو يرد عليه السلام: لعلك سيدي استغربت زيارتي على غير معرفة حتى تعلم السبب فيسقط استغرابك، فأنا خطيب السيدة سعدى كريمة غانم شقيق زوجتك المحترمة.
قال خليل: بلغني هذا الأمر، ونعم الزواج يجلب لك الغنى والمال الكثير تتمتع به في حياتك، فاشمأز فؤاد من سماع هذا القول، ولكنه التزم السكوت قطعا لأسباب النزاع، فاستتبع خليل بقوله: أي علاقة بين زواجك وبين زيارتك؟
قال: أليس من العادة تعرف الرجل بأهل امرأته؟
قال خليل: نعم، ولكن العادة أيضا ألا يحضر الرجل وحده، فكان من الواجب عليك الحضور برفقة والد خطيبتك فيقدمنا إليك ويعرفنا بك على قبح سحنته، وبعد فقد أحسن أنه لم يحضر وإلا كان يومه أسود، أستقبله برميه من هذه النافذة.
فغضب فؤاد وكظم الغيظ وقال: علمت بأن بينك وبين غانم نفورا، فجئت لعلي أتمكن من إصلاح ذات البين.
Bilinmeyen sayfa