Aşkların Oyunu Saraylarda
مكايد الحب في قصور الملوك
Türler
ومع ما كان عليه من قوة الإرادة كان كريم النفس، متحليا بفضيلة الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه. قيل إنه كان يوما سائرا في بلغراد مع مؤدبه، فلقيا وزيرا عصاميا وضيع النسب، وكان ولي العهد لا يميل إليه، فقال لمؤدبه: «إني لشدة قصر نظري لا أتمكن من معرفة هذا الرجل كلما رأيته فأظنه خادما.» فانتهره المؤدب قائلا له: «لا يليق بك أن تتكلم هكذا عن رجل يستحق التجلة والاحترام؛ لأنه بجده واجتهاده ارتقى وارتفع. ولعلك تذكر أن أجدادك كانوا رعاة خنازير.» فوجم إسكندر عند سماع هذا التوبيخ العنيف، ثم تناول يد مؤدبه وهزها هزة الأسف والندم وصاح: «اصفح عني واغفر لي. إني آسف على ما بدر من خشونتي.»
بهذه السجايا السامية الرائعة كان إسكندر مزدانا يوم ارتقى إلى عرش سربيا الذي أكره أبوه على إخلائه. وكان إسكندر إذ ذاك في أواخر السنة الثانية عشرة من عمره، وحدث في مساء اليوم السابق لإعلان تنزل الملك ميلان عن العرش أن إسكندر جاء إلى أبيه يحييه حسب عادته كل ليلة قبل اضطجاعه في سريره، فرفعه الملك بين ذراعيه ونظر في وجهه مليا، وقال له: «ماذا تفعل عندما تصير ملكا؟» وفي صباح اليوم التالي دخل مخدع ابنه وناداه بلهجة المحبة والمسرة: «عم صباحا يا صاحب الجلالة.» فرد إسكندر التحية برزانة ووقار وبلا أقل دهشة أو تعجب. فسأله أبوه: «كيف عرفت أنك صرت الآن ملكا؟» فأجابه: «من سؤالك لي أمس ليلا عرفت أنك تروم أن تجعلني اليوم ملكا.» وبعد ساعات أقسم الملك ميلان يمين الولاء لابنه الصغير، وأطلقت المدافع إيذانا بتوليته، وغصت شوارع بلغراد بمواكب الجماهير الهاتفين «ليحي الملك إسكندر!» ولم يخطر ببال أحد من أولئك المسرورين بجلوسه على العرش والداعين له بطول العمر أية فاجعة رهيبة مزمعة أن تصيبه وتتخرم حياته في شرخ شبابه وعنفوان صباه.
ومن يلق نظرة على الأحوال التي رافقت هذا الملك الصغير السن في أيام حداثته، لا يعجب مما يراه بعد ذلك في أخلاقه من النشوز والشذوذ، بل يعجب كل العجب من كونها وقفت عند هذا الحد ولم تجاوزه إلى ما هو شر منه وأسوأ. وكان أبوه الآن قد أخرج من سربيا منفيا وغير مأذون له في الرجوع إليها. وأمه التي كانت كأبيه في شدة محبته له ممنوعة منعا باتا عن مخاطبته بكلمة، وأسرف أوصياؤه في التضييق عليه، وحالوا دون تنشئته على الوجه الأمثل الأكمل، وحرموه معاشرة أصدقاء من سنه، ولم يأتوه بمؤدب عاقل حكيم يهذب أخلاقه ويقوم اعوجاج سيرته، وقصروا اهتمامهم على أن يربوه ويعودوه أن يكون مطبوعا بطابع مشيئتهم وعاملا على ما فيه مصلحتهم، فأقاموا رجلا ينام على حصير خارج مخدعه، فكان يرقد الساعة الثامنة مساء ويستيقظ الساعة الخامسة صباحا كما كان يفعل الملك نفسه. وكان مأمورا من قبل الأوصياء ألا يأذن لأحد في الدخول بعد الساعة العاشرة، وأن يخبرهم باسم كل من يدخل قبل ذلك الوقت.
ومع هذا الضغط الشديد الخانق نشأ إسكندر حائزا قسطا كبيرا من مروضات الجسد ومثقفات العقل. فقد برع براعة فائقة في السباحة وركوب الخيل، وكان باسلا شجاعا لا يهاب الموت ولا يعرف معنى للخوف. وشب على الشعور بالواجب وعدم التردد في الأمور .
ولم تطل مدة جلوسه على العرش حتى أبدى من قوة الإرادة وثبات العزم ما أدهش عقول الشعب. وكان في أول الأمر قد تحمل إرهاق أوصيائه له وجورهم عليه، صابرا متجلدا لا يبدي تذمرا ولا يبوح بشكوى. حتى زادوا إمعانا في تهضم جانبه والاعتداء على حقوقه، ومن شدة غلوهم في ظلمه أنهم منعوا والدته التي كانت مقيمة في بلغراد حتى من الدنو إلى قصره الذي كانت أبوابه مقفلة في وجهها. فظلت تسعة أشهر محرومة لمحة من وجهه إلا عندما كان يمر بجوار بيتها مع رجال بلاطه. ولما شكت إلى أحد الأوصياء هذه المعاملة الجائرة أجابها بكتاب مملوء هجاء وازدراء.
وفي أحد الأيام دعا الملك إسكندر أوصياءه ووزراءه إلى عشاء أولمه لهم في قصره، وفيما هم جالسون يتناولون الطعام نهض الملك ووقف أمامهم وشكر لضيوفه عموما والأوصياء خصوصا خدمتهم له وعنايتهم به، وطلب إليهم أن يمضوا صك إلغاء الوصاية عليه والنيابة عنه، خاتما كلامه بقوله: «ومن الآن فصاعدا لا يكن في سربيا كلها مشيئة تأمر وتنهى سوى مشيئتي. وبأمري المطاع أقول لكم أيها السادة إنكم ستقضون هذه الليلة هنا، وغدا أنظر في إطلاق أسركم.» ولم يفرغ كلامه إلا وقد فتحت أبواب القاعة، ودخلت طائفة كبيرة من الجنود شاهرة حرابها، وبذل الأوصياء والوزراء جهدهم في حمله على العدول عما أمر تارة بالتوسل والاستعطاف، وطورا بالوعيد والتهديد، فلم يظفروا بطائل. وقضوا ليلتهم معتقلين في قاعة الطعام. وفي صباح اليوم التالي أعلن بلوغ الملك سن الرشد واستقلاله عن الأوصياء والنواب.
وفي هذا الوقت كانت والدته الملكة ناتالي مقيمة في قصر ساشينو قرب بيارتز (في فرنسا)، وفي أثناء زيارته لها لقي دراغا ماستشين إحدى وصيفات والدته وأجمل امرأة في سربيا، فوقع حسنها منه موقعا سبى لبه وأسر قلبه. ويقال إنه فيما كان يستحم ذات يوم أشرف على الغرق، واتفق أن دراغا كانت حينئذ واقفة على الشاطئ بثوب الاستحمام تراقب السابحين والمستحمين، فرأت الخطر المحدق بالملك، وعلى الفور اندفعت إلى معونته وكادت تفقد حياتها في سبيل إنقاذه من الموت غرقا. وكان عملها هذا أوضح دليل على شدة بسالتها، وهو في الوقت نفسه برهان جلي على فرط ولائها للملك. وهاتان الخلتان - البسالة والولاء - إذا اقترنتا بالبهاء الباهر والحسن البديع الساحر كان للمجموع أكبر تأثير في قلب كقلب الملك إسكندر؛ ولذلك نراه عما قليل بات صبا والها متيما بغرام هذه البطلة الحسناء.
وكانت دراغا أرملة تكبر الملك بتسع سنين، وهي رشيقة القد ترفة البنان ناعمة الأطراف بيضاء البشرة وردية الخدين، ولها عينان نجلاوان إن شاءت ذابتا رقة وحنوا، أو نفثتا سحرا يخلب القلوب ويفتن العقول. ويزين قامتها الهيفاء شعرها الطويل الجميل. وجملة القول أن دراغا غاية الشاعر المقصودة وضالة المصور المنشودة، وهي مخلوقة لتستعبد قلوب الرجال. ومع أنها ليست من محتد رفيع شريف لم تخل من دم كريم يجري في عروقها؛ لأنها حفيدة نقولا لونيفيتزا أعز صديق للأمير ميلوش أوبرنوفيتش الأول جد الملك إسكندر. ولما كانت فتاة قضى عليها نكد الطالع أن تقترن بمهندس بوهيمي ساقط خليع، وبعد بضع سنوات ذاقت فيها أمر كئوس الشقاء والعناء، تركها أرملة ولم يخلف لها سوى مبلغ لا يستحق الذكر. فظلت مدة عائشة في بلغراد عيشة الفقر والمسكنة، وكانت تسليتها الوحيدة أن تحضر جمعية الترانيم الكنسية مرة في الأسبوع. هناك كانت ملكة سربيا المستقبلة تجلس على مقعد من خشب يطوقها أحد العامة بذراعه وهي تنشد أناشيد سربيا الشجية. وفي ذلك الحين وهي في أسمى درجات الحسن والبهاء وأسفل دركات البؤس والشقاء، رأتها الملكة ناتالي فأعجبت بحسنها، واتخذتها وصيفة لها، ولم يخطر قط ببالها ما كان مزمعا أن ينتج من هذا الاتخاذ.
وكانت الأيام التي قضاها إسكندر في بيارتز بعدما توثقت عرى المعرفة بينه وبين دراغا كلها بهجة وصفاء ورغد وهناء؛ إذ كان يقضي كل ساعة مع هذه الأرملة الجميلة الطلعة الخفيفة الروح الحسنة التناول، وهي تشوقه وتروقه حتى بات أسير غرامها. وبلغ من شدة تسلطها عليه أن وزراءه طفقوا يشتكون قائلين إن الملك لا يفعل شيئا قبلما يستشيرها فيه. وإذا كان حاضرا مجلسهم وعرض له شيء ذو شأن لا يجيب الوزراء عنه ما لم يسألها عنه بالتلفون، وبموجب رأيها يعمل.
وهذا المستقبل المجيد الذي بسم لها عن ثغر السعادة ورفعة الشأن لم تهش له في أول الأمر، ولا أقبلت على انتهاز فرصته السانحة، بل ولته جانب الإعراض. وكانت إحدى صديقاتها في البلاط قد لمحت إلى المجد المزمعة أن تناله بمشاركتها للملك إسكندر في أبهة التاج والصولجان، فانتهرتها بمزيد الاستياء وقالت لها: «كفي عن هذيانك وأريحيني من شقشقة لسانك. نعم إن الملك يحبني، وهذا لا أنكره، بل أعترف به بملء التباهي والافتخار، وأنا أحبه حبا لا يقل عن العبادة إن لم يزد عليها، ولكن لا يخطرن ببالك أني أحول بينه وبين الواجب عليه لعرشه ومملكته. يجب عليه أن يتزوج أميرة ذات حسب ونسب؛ إحدى بنات الملوك والقياصرة في أوروبا، فيستعين بها على توثيق صلات القربى والتعارف مع الكبراء والعظماء. وأما أنا فحسبي أن أضحي بسعادتي في سبيل حصوله على السعادة التامة.»
Bilinmeyen sayfa