أسماء الممثلين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
أسماء الممثلين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
مجنون ليلى
مجنون ليلى
مأساة غرامية أدبية تاريخية ذات خمس فصول
تأليف
مارون عبود
لا تقولوا زمان قيس تولى
ومحبو ذا العصر أعظم نيلا
كان قدما مجنون ليلى وحيدا
وغدا اليوم ألف مجنون ليلى
أسماء الممثلين
قيس:
المجنون.
الملوح:
والده.
سعاد:
أخته.
ليلى:
عشيقة قيس.
مهدي:
والدها.
زينب:
أمها.
سعد:
الأمير الذي يتزوجها.
علقمة:
الطبيب.
جوان:
عامل الخليفة.
بكر وخالد:
خادمان.
أسد:
عابر طريق.
رعاة، رسل، جارية، شعب.
الفصل الأول
بيت شعر في البرية
المشهد الأول (قيس وحده)
أيا ليل زند البين يقدح في صدري
ونار الأسى ترمي فؤادي بالجمر
فلا تحسبي يا ليل أني نسيتكم
فإن مدى الأيام ذكرك في فكري
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا
وما نعق الغربان في وضح الفجر
ألا ليتنا كنا غزالين نرتعي
رياضا من الجوزان
1
في بلد قفر
ألا ليتنا كنا حمامي مفازة
2
نطير ونأوي بالعشي إلى الوكر
ألا ليتنا حوتان في البحر نرتمي
إذا نحن أمسينا نغور في البحر
ألا ليتنا نحيا جميعا وليتنا
نصير إذا متنا ضجيعين في قبر
ضجيعين في قبر عن الناس معزلا
ونقرن يوم البعث والحشر والنشر
عليك سلام الله يا غاية المنى
وقاتلتي حتى القيامة والحشر
آه لو تعلمين يا ليلى مقدار محبتي لرق قلبك على قتيل غرامك. أنت بين قومك تلتهين وأنا على نار النوى أتقلب!
نهاري نهار طال حتى مللته
وحزني إذا ما جنني الليل أطول
وكنت كذباح العصافير ذائبا
وعيناه من وجد عليهن تهمل
فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري
إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
لقد سار حبي سير الأمثال، وكثر في شأننا القيل والقال، ولكنني لا أبالي بكل ذلك ما دامت ليلى راضية عني.
تقول العدا لا بارك الله في العدا
لقد صد عن ليلى ورثت رسائله
فلو أصبحت ليلى تدب على العصا
لكان هوى ليلى جديدا أوائله
فما أحلى تلك الأيام التي انفتح بها قلبي لنسيم الحب يوم كان الوشاة غافلين عنا ونحن نتعاطى كئوس الهوى.
جميلة أنت يا أياما كنت بك وليلى راقدين في حضن البرية لا تخترق صدورنا أسهم عيون الواشين.
تعشقت ليلى وهي غر صغيرة
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
المشهد الثاني (قيس - ليلى - جارية) (ليلى تدخل بغتة.)
حبيبي ما هذي الصبابة والنجوى
فقلبي من أمواه حبك لا يروى
أروم لقاء والزمان معاندي
وليس لنا في شرع أهل الهوى فتوى
إذا كنت تحوي من غرامي ذرة
فعندي ما تنهد من ثقله رضوى
3
أبيت وما لي في الدجى من مسامر
وأشكو ولكن ليس من يسمع الشكوى
فأهلي قساة لم يرقوا لحالتي
وما جهلوا أني من الحب في بلوى
يقولون خلي مجلس الناس جانبا
فإن الهوى يسري إلى العين كالعدوى
فلا حبذا النصح الذي ينصحونني
فإني رأيت الحب أقرب للتقوى
قيس :
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا
لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني الليل الذي الهم جامع
إذا مر يوم من حياتي ولا أرى
خيالك يا ليلى فعمري ضائع
تضيق علي الأرض حتى كأنني
من الصبر في سجن، فما أنا صانع؟!
ليلى :
قد براني الهوى وبرح جسمي
وتحملت منه شر وبال
فإذا سرت بين قومي شكوا
أأنا سرت بينهم أم خيالي
وبكل أرى بحبك يا قي
س حياة تحيا بها آمالي
فابق يا مهجتي أليف سرور
فسواكم ما مر قط ببالي
قيس :
أحبك حبا لو تحبين مثله
أصابك من وجد علي جنون
حليف مع الغزلان أما نهاره
فحزن وأما ليله فأنين
فيا نفس صبرا لا تكوني لجوجة
فما قد قضى الرحمن فهو يكون
ولكن ما هذي القطيعة والجفا
فقد داخلتني ريبة وظنون
ليلى :
كلانا مظهر للناس بغضا
وكل عند صاحبه مكين
وكيف يفوت هذا الناس شيء
وما في الناس تظهره العيون
فطب نفسا بذاك وقر عينا
فإن هواك في قلبي معين
الجارية (إلى ليلى) :
إن أباك أوشك أن يدخل فانتبهي.
ليلى :
اخرج يا قيس اخرج. الوداع الآن.
قيس :
إلى الملتقى يا حبيبتي.
المشهد الثالث (ليلى - مهدي)
ليلى :
مرحبا يا والدي الحنون.
مهدي :
وألف سلام يا عزيزتي كيف سبقتنا يا بنية إلى هذا المكان، ومن كنت تحدثين؟ ألم يكن هنا ذلك العاشق الساقط؟
ليلى :
ومن تعني؟
مهدي :
عنيت قيس الملوح يا عزيزتي الذي جعل عرضك مضغة في أفواه الناس، فالذي أراه يا بنية هو أن تقطعي حبل العلاقة بينك وبينه لئلا تجرينا إلى حرب كحرب البسوس
4
وداحس.
5
ليلى :
حب قيس يجر كل هذا الويل؟
مهدي :
نعم يا بنية، إن غرام قيس لم يسبقه إليه عربي يغلي في عروقه دم الشرف، ولا يرضى به والد ابنة عرف بين قومه بعلو المنزلة وعزة الجانب.
ليلى :
ماذا أصنع يا أبي وحبه قد تمكن من قلبي ورضعت هواه مع اللبن.
مهدي :
ويحك، أتصرحين بهذا ولا تخجلين؟! لقد نضب ماء الحياء من وجهك وأعمى الهوى بصيرتك، فأين حياء العذارى يا حرة
6
العرب؟!
ليلى :
رحماك أبي؛ إن الحب سلطان وله تعنو
7
القلوب. ألم تحب يا أبي؟ ألم تعشق في زمانك؟!
مهدي :
لقد عشقت، ولكن إلى ما وصل إليه هذا المجنون لم يصل أحد؛ فدرجة حبه لا تقاس وغرامه فوق غرام الناس!
ليلى :
هو شاعر يا أبي والشعراء يغالون بكل شيء، فأشفق على ابنتك واعلم أنني مجنونة في هواه؛ بعده يقربني من الموت وبقربه سعادتي الحقيقية.
مهدي :
دعي هذه الأعذار الفارغة، واعلمي أنني لا أصبر على الإهانة، وأقسم برب الكعبة إذا وقعت عيني عليه في خيمتك قطعته شطرين بحد هذا المهند. ليلى ليلى، احذري فالعاقبة وخيمة.
ليلى :
رفقا أبي. (تركع)
أنا منطرحة على قدميك أسألك وأتذلل إليك أن لا تأسر عواطفي.
مهدي :
انهضي يا قليلة الحياء، فلقد دنست بغرامك الفاسد هوى فتياتنا العذري.
ليلى :
أبي إن الهوى العذري عذري
ومن صرف الليالي ضاق صدري
فرفقا بالقلوب أبي ولكن
أراك بفرط وجدي لست تدري
فبعد أحبتي يدمي فؤادي
وحلو لقائهم بالشهد يزري
مهدي :
ما هذه الوقاحة! أتبوح بحبها على مسمعي ولا تخجل. لقد حذرتك شر العاقبة وأنا ذاهب فافعلي ما يحلو لك (يخرج) .
ليلى :
لا يحلو لي غير لقاء الحبيب، ولكن دون ذلك خرط القتاد
8
فمتى تحطم قيود التقاليد وترتفع سلطة الآباء والأمهات عن القلوب؟ هذه السلطة الجائرة التي لم يأمر بها الخالق ولم تنزل على نبي من الأنبياء. ويحكم أيها الآباء الأغرار! ألم تكونوا عشاقا قبلنا؟ ألم تذوقوا بلية الحب؟ فلماذا لا ترحمون؟! سوف تلعنكم الأعصار وكل بلاء العاشقين يسقط على رءوسكم، ودم المحبين يصرخ طالبا الانتقام منكم أيها الظالمون.
المشهد الرابع (ليلى - جارية - مهدي)
جارية :
هل من حاجة أقضيها لك؟
ليلى :
لا. (تفكر) . (جارية تهم بالخروج.)
ليلى :
ارجعي، ارجعي. أتعرفين ذلك الشاب الذي كان عندي منذ هنيهة؟
جارية :
تعنين قيس العامري؟
ليلى :
هو، هو بعينه. اقصديه وقولي له: إن مولاتي ليلى تريد أن تراك فأسرع إليها فهي بانتظارك في المكان المعهود.
جارية :
وأين هو الآن؟
ليلى :
في الوادي.
جارية :
أمرك يا سيدتي (تمشي لتخرج) .
مهدي (يدخل بغتة ويمسك الجارية بكتفها قائلا) :
إلى أين يا رسول الخنا؟! فلولا أن يقال خرق حرمة العرب لقتلتك في الحال. اخرجي يا خائنة قبح الله وجهك (يصفعها بيده) . وأنت أيتها الابنة الطائشة، ألم أقل لك إنني أذيقك كأس الحتوف إذا عرفت أنك تحدثين هذا الشاب فيما بعد، فكيف تجرؤين على استدعائه إليك؟!
ليلى :
ما هذا الجور يا أبي؟ أين رحمتك الوالدية؟!
مهدي :
اخرسي ثكلتك أمك؛ فقحتك لم تسبقك إليها ابنة من بنات الحسب.
ليلى :
وظلمك لم يرتكبه سيد من سادة العرب.
مهدي :
ما هذه الجسارة؟
ليلى :
وما هذا البغي؟
مهدي :
احذري الظهور بعد الآن من خبائك.
ليلى :
هيهات أن يخفف هواه تحجبي؛ فهو مصور أمام عيني وإن لم تعتنق الأجساد تتعانق الأرواح.
مهدي :
دواؤك في حد هذا المهند
فلا بد من أن بصدرك يغمد
ليلى :
افعل وأرحني من هذا الشقاء.
مهدي :
بل أنقذ شرفي من العار إذا فعلت.
ليلى :
اقتلني ولا تهني.
فالموت عذب في سبيل غرامه
والموت فيه للمحب حياة
مهدي :
إن الشريف إذا تدنس عرضه
يغدو بقتل مدنسيه كريما
ولأنت قد دنست عرضي فالحقي
بالسابقين لكي أعيش عظيما (يستل سيفه محاولا طعنها.)
ليلى :
اضرب ولا تخف.
المشهد الخامس (ليلى - مهدي - زينب - خالد)
زينب (تدخل بعجلة وتتناول مهدي بذراعه) :
ما هذا الجنون؟! لقد أرعبت قلبي. أتقتل ابنتك؟!
مهدي :
نعم، أقتلها لأنقذ شرفي من العار.
زينب :
لا؛ هذا لا يكون. ألا تشفق على شبابها الناضر؟
مهدي :
لأنها لم تشفق على مجدي والمفاخر.
ليلى :
أي ذنب اقترفت يا الله؟ ولماذا أضرمت بقلبي شعلة الحب يا ربي؟ اقتلني يا أبي إذا كان قتلي يلذ لك وبه سلامة شرفك.
مهدي :
اصمتي واسلكي طريق الآباء والأجداد.
ليلى :
ومن منهم لم يعشق ولم يحب؟
زينب :
اسكتي يا بنية اسكتي.
مهدي :
يا خالد. يا بكر. يا خالد.
خالد :
لبيك سيدي.
مهدي :
انتظر قليلا (يأخذ قلما وورقا ويكتب) .
زينب :
ماذا تكتب؟ دع الحماقة يا مهدي.
مهدي :
بعد قليل سترين ما يكون.
زينب (على حدة) :
آه يا بنية لقد كدرت عيشنا بغرامك.
ليلى :
ارحميني يا أماه، فأنت امرأة وتعرفين قلوب النساء. إن أبي قاس فلا تكوني مثله، وكوني مع ابنتك لا عليها.
مهدي (إلى خالد) :
خذ يا خالد هذا الكتاب وادفعه إلى الخليفة ابن مروان.
خالد :
أمرك مولاي.
زينب :
بربك ما كتبت له؟
مهدي :
إصدار أمره بهدر دم قيس إذا انتهك حرمة شرفي فيما بعد.
ليلى :
لم يسبقك إلى هذا أحد يا قاسي.
زينب :
اسكتي يا ليلى.
ليلى :
يطلب قتل حبيبي وأسكت؟!
مهدي :
إن لم تسكتي أسكتك الموت (يخرج) .
المشهد السادس (ليلى - أمها - خالد)
زينب :
ما هذا الجنون يا بنية؟ لقد كنا عذارى ومثل حبك لم نحب. ألم تعلمي أن والدك قد فعل ما فعل محافظة على شرفك؟
ليلى :
آه يا أمي لو كنت تشعرين شعوري لأشفقت علي ومهدت السبيل لعقد قراني.
زينب :
لعينيك أفعل ما ترومين، فاختاري من تريدين وأنا أمهد العقبات.
ليلى :
إذا أقنعي والدي أن يزفني إلى حبيبي.
زينب :
هذا محال يا ليلى.
ليلى :
إذا أموت ولا آسف على الحياة.
زينب :
يا للجنون! ألأجل شاب تموتين وبين طلابك أشرف منه وأجمل؟!
ليلى :
لا دخل للشرف والجمال في الحب؛ فغيره لا أهوى أبدا ما دمت في قيد الحياة، حتى ولو كان الخليفة ابن مروان.
9
خالد :
سيدتي، مولاي يدعوك إليه؛ لأنه صمم النية على مغادرة هذه البقعة.
ليلى :
يا للمصيبة! وما أمر بعادك يا قيس!
زينب :
تنبهي يا بنية فقد قضي الأمر (تخرج) .
المشهد السابع (ليلى وحدها)
تعاندني الأيام في وصل من أهوى
فألتمس السلوى ولا أجد السلوى
فيا رب لم أبدعته البدر في البها
وأنزلت في ثغر له المن والسلوى
10
تحملني الأيام ما لا أطيقه
من الصبر إن الصبر أثقل من رضوى
أألقى مدى الأيام بيني وبينه
رقيبا فيالله من هذه البلوى
أحاول إرواء الغليل بنظرة
وما ذلك البركان من قطرة يروى
لكل ابن أنثى في البرية مضجع
ولكن قلبي ليس يلقى له مأوى
كطير إذا ألقى على الغصن رجله
يطارده الصياد في ذلك المثوى
وحق الهوى لم يخل قلبي من الهوى
فما حيلتي والدهر بيني ومن أهوى
أمن مدرك سر الغرام وكنهه
فيشرح للعشاق معناه والفحوى
أذلك داء قاتل ومبرح
تصاب به الألباب عن طرق العدوى
أقيس أجبني هل بقلبك ذرة
من الحب إن القلب في ناره يشوى
أيا من على قلبي جنى بدلاله
فديتك جد لي ما على الحب من دعوى
دلالا فإن القلب أضحى بنظرة
أسيرا مع الألحاظ ينشر أو يطوى
ترى عندكم ما عندنا الوجد والهوى
وهل ذقتم مثلي أنا المر والحلوا
هو الحب داء قد ورثناه كلنا
من البدء في الفردوس عن أمنا حوا
ما هذا الصوت الرخيم صوت شبابة، ما أعذب هذا الصوت!
المشهد الثامن (ليلى - الرعاة - خالد) (أول يغني على شبابته وهو داخل.)
ثان (يدخل من الشمال بيده عصا غليظة يسمع مواء القطيع من الخارج فيقول) :
طق طق طق. (يضرب حجرا إلى الجهة اليمنى ويقول)
قه قه قه، الطقس جميل والقطيع قد استمرأ المرعى.
ثالث :
دعنا من القطيع فهذه الفسحة مناسبة للرقص والدبك.
ثاني :
حر حر حر حر تس تس تس.
ثالث :
دعنا من مخاطبة القطيع قلت لك.
ثاني :
هو هو هو لع لع لع لع.
أول (يقطع العزف ثم يقول): ما بالكم لا ترقصون؟
ليلى :
هنيئا لكم أيها الرعاة ما أطيب عيشكم!
ثاني :
اعزف على لحن المواليا!
أول :
يعزف على شبابته.
الاثنان (ينشدان) :
هيهات يا بو الزلوف عيني يا مواليا
بيني وبينك جبل وايش وصلك ليا
عالبير نشالي عالبير نشالي
مزنره بالكمر فوق الكمر شالي
يا الله يغيب القمر تاسلمك حالي
وتكون ليلة عتم والسرج مطفيا
ليلى :
هيهات يا بو الزلوف عيني يا مواليا
لا تكسروا خاطري بتتندموا عليا (الرعاة عندما تبتدئ ليلى يشيرون إلى بعضهم بالسكوت.)
ثان (همسا) :
أهذه ليلى؟
ثالث :
هي بعينها. اعزف يا غانم اعزف. (أول يعزف على شبابته كالأول.)
ليلى :
وتقول صابوني وتقول صابوني
مروا علي العدا بالعين صابوني
لو قطعوني شقف ألواح صابوني
ما بحيد عن عشرتك يا نور عينيا (تبكي وتنشف دمعها بمنديلها.)
ثالث :
ما بالها تبكي؟
ثان :
هي عاشقة. أما عشقت أم عامر في زمانك؟
ثالث :
أم عامر؟ على رأسي.
أول :
فلنرقص. (يهيئ شبابته فيدخل خالد)
من هذا؟
خالد (يدخل ومعه خادم) :
سيدتي، إن أمك تدعوك إليها فاذهبي في الحال.
ليلى :
وداعا أيها الرعاة، وإنني أحسدكم؛ لأنكم ستظلون جيرانا للحبيب قيس. آه ما أمر جفاك يا قيس! (تخرج باكية) . (خالد يبدأ بحل حبال الخيمة ويعاونه رفيقه ثم يخرجان بها.)
أول :
أعرفت إلى أين يذهب المهدي.
ثان :
إلى جبل توباذ.
11
ثالث :
فلنرقص ونغن فللمهدي وليلى من يسأل عنهما.
أول :
ومن تعني؟
ثالث :
عنيت قيس الملوح. اعزف لندبك.
ثان :
مسكينان هذان العاشقان.
رابع :
السلام عليكم.
ثان :
هات يدك، اعزف يا غانم.
أول :
يعزف لحن رقص يعرف عند العرب بالدبكة، والثلاثة يشبكون أذرعهم ويرقصون سوية ويغنون موقعين نشيدهم على الرقص والزمر (وهذا الرقص وذاك الغناء يعرفهما العامة ومن شاء تمثيل الرواية فليسأل عنهما) .
المشهد التاسع (الرعاة - قيس - عامل الخليفة) (قيس يدخل فينقطع الغناء والرقص.)
رابع :
اسمعوا ما يقول قيس.
قيس :
ألا يا ظباء الحي أين ترحلوا
وساروا بليلى والكواكب طلع
فأمرض قلبي حبها وطلابها
فيا للعدا من صبوة كيف أصنع
أأتبع ليلى حيث راحت وخيمت
وما الناس إلا آلف ومودع
فإن يك جثماني بأرض بعيدة
فإن فؤادي عندك الدهر أجمع
ألا تتقين الله في قتل عاشق
له كبد حرى عليك تقطع
غريب مشوق مولع بدياركم
وكل غريب الدار بالشوق مولع
فأصبحت مما أوقع الدهر موجعا
وكنت لريب الدهر لا أتضعضع
قنعت بلحظ منك ليلى وإنما
ينال المنى من كان باللحظ يقنع
أبيت بروحاء الطريق كأنني
أخو خبل أوصاله تتقطع
أول :
طيب الله الأنفاس يا قيس.
ثالث (إلى الثاني) :
ماذا يقول؟ لم أفهم شعره، اشرح لي.
ثان :
هل أنا أستاذ مدرسة! ما أبلدك!
قيس :
آه! لم يبق غير الأطلال الدارسة؛ فلنسأل الرعاة عن المهدي. (إلى الرعاة)
أتعرفون أين ذهب المهدي؟
أول :
إلى جبل توباذ. (إلى رفاقه)
هلموا بنا نخرج فقد ذهب الزمان (يخرجون) .
قيس :
ألا أيها القلب اللجوج المعذل
أفق عن طلاب الغيد إن كنت تعقل
أفق قد أفاق العاشقون وإنما
تماديك في ليلى ضلال مضلل
تعز بصبر واستعن بجلاله
فصبرك فيما لا يدانيك أجمل
سلا كل ذي ود علمت مكانه
وأنت بليلى مستهام موكل
ولكن أين الصبر للعاشق المتيم؟ وكيف يسلو عاشق مغرم؟!
المشهد العاشر (قيس - جواد)
جواد :
سلام أيها الشاب.
قيس :
وألف تحية أيها الكريم.
جواد :
أنت قيس العامري؟
قيس :
نعم.
جواد :
أنذرك أن مولاي الخليفة قد أصدر أمرا بهدر دمك إذا عدت إلى الاجتماع بليلى ابنة المهدي؛ فكن على حذر، ولا تعرض نفسك للخطر.
قيس :
ما هذا الحكم الجائر؟ أإلى هذا الحد رخص دمي؟
جواد :
هذا لا يعنيني وأنا بريء من دمك، فأستودعك الله (يخرج) .
قيس :
مع السلامة، قاتل الله الظالمين، وما أمر عيش العاشقين!
لئن حجبت ليلى وآلى أميرها
علي يمينا جاهدا لا أزورها
على غير شيء غير أني أحبها
وأن فؤادي عند ليلى سميرها
ألا فاقتلوني إن موتي طيب
إذا كان في موت الحبيب سرورها
الفصل الثاني
هيئة الفصل الأول عينها
المنظر الأول
المشهد الأول (ليلى وحدها)
رأفة في فؤاد ليلى المعنى
ففؤادي المضنى أحب فجنا
من زمان ويل الغرام أقاسي
وأراني ما نلت ما أتمنى
إن شكوت الغرام قال المحبو
ن إن شكوت الهوى فما أنت منا
كاد قلبي يذوب وجدا وشوقا
وزماني علي بالوصل ضنا
كنت أرجو اللقاء خابت ظنوني
كم محب يا ناس قد خاب ظنا
كل أهلي عواذل ويح قلبي
ليتهم يعرفون ما القلب كنا
أيها اللائم المعنف دعني
فعذابي كالمهرجان وأهنا
ما أحيلى تذكار عهد لقانا
يوم كنا ولا تسل كيف كنا
ليتنا نلتقي ويجمعنا الده
ر ونحيا وبالهوى نتغنى
المشهد الثاني (ليلى - زينب)
زينب (تدخل) :
ما هذه التنهدات يا بنتاه، لقد تركتنا على جمر الأحزان نتقلب وأنت بأحزاننا لا تشعرين. أبوك كاد يموت من فرط الأسى وأنت بغرامك لاهية!
بالله يا ناس ما أقوى مصيبتنا
الناس نائمة إذ نحن في سهر
وصح ما قالت الأمثال من قدم
قلبي على ابني وقلبي ابني على الحجر
ليلى :
أماه إن مصابي ليس تحصره ال
أقلام حتى بلاني الدهر بالضجر
قد صرت ما بين عشاق الورى مثلا
أهوى ولست أفوز الدهر بالوطر
قد رق لي الحجر القاسي فوا أسفى
لكن قلبكم أقسى من الحجر
زينب :
يا بنية، بحق أوجاعي وركوعي فوق سريرك، بحق إتعابي في سبيل تربيتك أن تنبذي غرام هذا الشاب ولك غنى عنه بواحد من طلابك الذين بينهم الأغنياء والأمراء وهم كثيرون.
ليلى :
لا تزعجيني يا أماه؛ فلا أمير يرضيني ولا غني عن قيس يغنيني. أنا أهواه ولا أهوى سواه، وحسبي أنه مجنون بحبي حتى لا أميل إلى غيره. وأي سعادة للفتاة إذا اقترنت بمن ليس تهواه؟
زينب :
أسأل الله أن يهديك يا بنية (تخرج) .
ليلى :
وأسأله أن يرقق قلبك علي يا أمي.
المشهد الثالث (ليلى - قيس)
ليلى :
ليتك سامع يا قيس تعنيف الأم وتهديد الوالد.
قيس (يدخل) :
أنا سامع كل شيء يا حبيبتي (يركع) .
ليلى :
ما أحلى لقاك يا حبيبي، انهض يا مهجتي.
قيس :
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم
الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه
وإنما يصرع المجنون في الحين
نعم جننت فهاتوا من جننت به
إن كان يشفي جنوني لا تلوموني
ليلى :
آه! ما أعذب لقاءك يا مهجتي!
فكم قد أردت الصبر عنك فعاقني
هيام بقلبي من هواك قديم
وينفي جفاك النوم مع كل لذة
ويقلقني ذكراك وهو عظيم
قيس :
أحن إلى أرض الحجاز وحاجتي
خيام بنجد دونها الطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافع
فؤادي ولكني على ذاك أنظر
أفي كل يوم نظرة ثم عبرة
لعينيك يجري ماؤها ويحدر
فما كل ما تستنزل العين ماؤها
ولكنها نفس تذوب وتقطر
متى يستريح القلب إما مجاور
حزين وإما نازح متذكر؟
ليلى :
لقد فطرت قلبي بأشعارك فأنا بغيرك لا أرضى ولو صارت السماء أرضا.
وكم قائل لي اسل عنه بغيره
وذلك من قول الوشاة عجيب
فقلت وعيني تستهل دموعها
وقلبي بأكناف الحبيب يذوب
لئن كان لي قلب يهيم بذكره
وقلب بآخر إنها لقلوب
فيا قيس جد لي باللقاء فإنني
بحبك رهن والفؤاد كئيب
وألقى من الوجد المبرح سورة
لها بين جلدي والعظام دبيب
وإني لأستحييك حتى كأنني
علي بظهر الغيب منك رقيب
قيس :
آه من الرقباء والعذال، وويلي من الوشاة اللوام فقد طالما كدروا صفاء أصحاب الغرام. أما أنا:
فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى
وبالريح لم يسمع لهن هبوب
ولو أن ما بي بالجبال لهدمت
وكادت جلاميد الصخور تذوب
تذكرني ليلى على بعد دارها
وليلى قتول للرجال خلوب
فويلي من العذال لا يتركونني
بغمي أما في العاذلين لبيب
فإن عشت لا أبغي سواك وإن أمت
فما موت مثلي في هواك عجيب
ولو أنني أستغفر الله كلما
ذكرتك لم تكتب علي ذنوب
ليلى :
أسمع وقع أقدام! هو أبي مقبل ... الويل لنا!
قيس :
لا تخافي.
ليلى :
قيس، اهرب.
المشهد الرابع (ليلى - قيس - مهدي - خالد - بكر - زينب) (مهدي يدخل ومعه بكر وخالد.)
ليلى :
أبي، بحقك اقتلني ودعه (تتمسك به) . (قيس يظهر علامات الارتباك وينظر ليجد منفذا يفر منه.)
مهدي :
أمثل قيس يدخل خباء الحرائر
1
والعذارى؟ رجالي، دونكم هذا الوغد. (بكر وخالد يهجمان على قيس فيفر من أمامهما ويتبعانه إلى خارج الملعب.) (مهدي يرفس ابنته ويجرد سيفه هاجما على قيس.)
ليلى (تسقط مغشيا عليها وتصرخ) :
قتلتني يا قاسي.
مهدي (ينشغل بليلى عن اللحاق بقيس ويتقدم إلى الباب وينادي) :
يا خالد، يا بكر، إلي إلي. (إلى الجمهور)
آه من غرام هذه الابنة، ما أشده، ولولا الحنان الوالدي لقتلتها في الحال.
خالد :
لبيك سيدي، لقد كدنا نودي بحياته لو لم تأمرنا بالرجوع.
مهدي (إلى خالد) :
أعد لها فراشا. (إلى بكر)
احرق رقعة
2
لننشقها (ثم يأخذ قليلا من الماء وينضح به وجهها) .
بكر (يتقدم وينشقها رائحة الرقعة) :
مسكينة يا ليلى!
زينب (تدخل) :
قتلتها يا كافر. آه ما أقساك!
مهدي :
اخرسي يا فاجرة!
زينب :
وا لهفي عليك يا ليلى!
مهدي :
ساعديني لننقلها إلى فراشها (ينقلانها) .
زينب (تجلس فوق رأسها باكية) :
ما أتعس حظك!
مهدي :
خالد، علي بالطبيب. (خالد يخرج بعجلة.)
ليلى (تهذي) :
حبيبي اهرب. أبي، رحماك اقتلني. أبي، حبيبي، ليتني فداك! أمي! أمي! (تتشنج) .
زينب :
عيون أمك أفيقي يا ليلى حبيبتي (تحركها) .
ليلى (تستفيق) :
ما هذا أمي أنت هنا؟ ما أتعس حظي! صدري.
زينب :
أتتألمين منه يا بنية؟
ليلى :
نعم. نعم.
مهدي :
لا تجزعي، سيأتي الطبيب.
زينب :
لقد كنا في غنى عنه لولا قسوتك أيها الجائر.
مهدي :
اخرسي!
ليلى :
أبي رحمة!
المشهد الخامس (علقمة - مهدي - زينب - ليلى - خالد - بكر)
علقمة :
عم صباحا أيها الأمير.
مهدي :
مرحبا بالطبيب.
علقمة :
أليلى هي المريضة؟ سلامتك يا ربة العذارى!
ليلى :
آه صدري.
زينب (إلى الطبيب) :
بحقك صدرها يؤلمها.
علقمة (يقترب من ليلى ويجس نبضها) :
لا تخافي يا بنية ستشفين بإذن الله (يعد دواء من جعبته) .
مهدي :
أمن خطر عليها؟
علقمة :
لا خطر الآن. (إلى زينب)
اسقيها جرعة والأمل بالشفاء الكبير.
زينب :
اشربي يا بنية، آه من هذه البلية!
ليلى (تجرع الدواء ثم يضيع رشدها) :
قيس أين أنت حبيبي قد سببت لك الشقاء. قاس أنت يا أبي! هل أراك يا قيس؟
علقمة :
هيوا بنا نخرج وندعها وحدها.
زينب :
لا، هذا لا يكون.
علقمة :
بلى سيدتي فلا خوف عليها (يخرجون) .
المشهد السادس (ليلى - عساف)
ليلى (هذيان) :
هل أرى قيسا. أبي رحماك اقتلني ودعه يعيش. (تستفيق)
أين هم؟ لقد تركوني وحدي يا للقساوة ولشقاء المحبين (تغطي رأسها بلحاف وتئن) .
عساف (يدخل وبعد أن يسير خطوتين يقف قائلا) :
أسمع أنينا. ما هذا؟ (ثم يتقدم) .
ليلى (تسمع خطاه فترفع اللحاف عن رأسها) :
من هذا؟ يا عابر الطريق رحماك اقترب مني.
يا أيها الراكب المزجي
3
مطيته
عرج ليذهب عني بعض ما أجد
فما أرى الناس من وجد تضمنهم
إلا ووجدي بقيس فوق ما وجدوا
أهوى رضاه وإني في مودته
حتى إلى آخر الأيام أجتهد
عساف :
حياك الله يا حرة العرب، هل من طلب أقضيه لك؟
ليلى :
إن كنت من أهل المروءة وكرم الأخلاق تفعل معي هذا الجميل؛ وهو أنك متى وصلت إلى تلك المعالم تستدل على بيت قيس بن الملوح
4
فمتى اجتمعت به أقره مني السلام وقل له: إن ابنة عمك ليلى قد أضناها السقام من شدة الوجد والغرام، وهي لا تلتذ بطعام ولا تذوق أجفانها طيب المنام حتى صارت مثلا بين النساء في سائر الأنحاء. بربك اقترب وساعدني على النهوض.
عساف :
أمرك سيدتي. (يجلسها) .
ليلى :
قدم لي تلك الدواة وذلك القرطاس.
عساف :
على الرأس والعين.
ليلى :
تقرأ وتكتب.
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني
وأشمت بي من كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركتني
لهم غرضا أرمى وأنت سليم
فلو أن قولا يكلم الجسم ما بدا
بجسمي من قول الوشاة كلوم
ادفع له هذه الورقة عند وصولك إليه.
عساف :
لبيك يا بنت الكرام. (يخرج.)
ليلى :
آه من لوعتي وفرط هيامي
فغرامي قد حير الأفكارا
فمتى تنقضي الحياة ويرخي
فوق ليلى الموت الزؤام ستارا
المنظر الثاني (في برية)
المشهد الأول (قيس - الملوح)
الملوح :
ما هذا الحب وما هذا الجنون يا ولدي فتب عن الهوى فقد هتكت نفسك وصرت مثلا ما بين الورى، وأحدوثة عند من يسمع، وعبرة لمن يرى؛ فارجع إلى صوابك.
قيس :
دعني أبي ولا تلمني، بل لم ذلك القدير الذي أوقد بقلبي شعلة المحبة. أنا سأموت بحبها وعنها لا أرجع فلا تطمع بالمحال.
الملوح :
كل ذلك لأجل ابنة عمك ليلى؟ فأنا أشير عليك أن لا تعود تذكرها بشفة ولا لسان.
قيس :
أبي، كلما حدثتني بهذا الشأن ازددت شوقا وغراما وهاجت بي الأشواق وغلبت علي غصة الفراق.
الملوح :
إذا ليس في اليد حيلة!
قيس :
بلى إذا شئت.
الملوح :
وما هي؟
قيس :
هي أن تذهب إلى أبي ليلى وتخطبها لي فنصير حليلين عوض أن نكون عاشقين خليلين.
الملوح (على حدة) :
ماذا أصنع؟ سأفعل ذلك قريبا يا ولدي فطب نفسا وقر عينا (يخرج) .
قيس :
لقد ذهب بالسلامة، فهل ينجح يا ترى؟ ولكن سيان عندي نجح أم لم ينجح فسأظل أحبها وإن يكن.
لقد لامني في حب ليلى قرابتي
أبي وابن عمي وابن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهل بيتي عدوة
بنفسي ليلى من عدو وماليا
أرى أهل ليلى لا يريدون بيعها
بشيء ولا أهلي يريدونها ليا
فليت نسيم الريح أدى تحيتي
إليها وما قد حل بي ودهانيا
خليلي مدا لي فراشي وارفعا
وسادي لئلا النوم يذهب ما بيا
وإن مت من داء الصبابة بلغا
نتيجة ضوء الشمس مني سلاميا
المشهد الثاني (قيس - عساف)
عساف :
سلام يا أخا العرب.
قيس :
ألف تحية ومرحبا.
عساف :
منذ زمان وأنا أبحث عنك حتى اهتديت إليك.
قيس :
وما تبغي؟
عساف :
بيدي كتاب أدفعه إليك.
قيس :
وممن هذا الكتاب؟
عساف :
من ليلى.
قيس :
من ليلى؟
عساف :
نعم، وهي مريضة دنفة
5
وهذا كتابها. (قيس يأخذ الكتاب ويقرؤه بإمعان ثم يقول):
وأنت التي أغضبت قومي فكلهم
بعيد الرضى داني القطوف كاظم
وأنت التي كلفتني دلج الثرى
وأحدثت قرح القلب فهو كليم
6
وأنت التي قطعت قلبي صبابة
ورقرقت دمع العين وهو سجوم
7
عساف :
مسكينة هي تلك الفتاة، فقد أصبحت أرق من الخيال، وهي تنتظر لقاءك بفارغ الصبر.
قيس :
أشكرك يا أخي على جميلك.
عساف :
أودعك وأدعو لك بالتوفيق (يخرج) .
قيس :
رافقتك السلامة. (يتمشى بعض خطوات ويقول):
شكوت إلى سرب القطا إذ مررن بي
فقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من معير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير
وكل قطاة لم تعرني جناحها
فعاشت بضر والجناح كسير
وإلا فمن هذا يؤدي رسالتي
فأشكره إن المحب شكور
طوت أم عمرو حين ولت ركابها
وبان افتراقي والذين أزور
وحالت جبال البعد بيني وبينها
وهيهات مقصوص الجناح يطير
سلوا أم عمر هل ينول عاشق
أخو سقم أم هل يفك أسير
ألا قل لليلى هل تراها مجيرتي
فإني لها في ما لدي مجير
إذا جلسوا في مجلس نذروا دمي
فكيف تراها دون ذاك تجير
ودون دمي هز الرماح كأنها
توقد جمر ثاقب وسعير
المشهد الثالث (قيس - سعاد)
سعاد :
أخي، ما هذا البكاء والنحيب؟ فقد هزأ بك عابرو الطريق. أليس لهذا الداء دواء؟!
قيس :
لا يا أخية، إنني بهذا الداء سأموت ورحم الله المحبين.
سعاد :
كن جلودا يا أخي واصبر.
قيس :
كيف الصبر وليلى تقاسي من العذاب أشكالا وألوانا؟!
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فما لك لا تضنى وأنت صديق
سقى الله مرضى بالعراق فإنني
على كل مرضى بالعراق شفيق
فإن تك ليلى بالعراق مريضة
فإني في بحر الغرام غريق
أهيم بأقطار البلاد وعرضها
وما لي إلى ليلى الغداة طريق
سبتني شمس يخجل الشمس نورها
ويكسف نور البدر وهو شريق
برى حبها جسمي وقلبي ومهجتي
فلم يبق إلا أعظم وعروق
فلا تعذلوا بل إن هلكت ترحموا
علي ففقد النفس ليس يعوق
وخطوا على قبري إذا مت أسطرا
قتيل لحاظ مات وهو عشيق
سعاد :
فديتك يا أخي، وناشدتك الله أن تسلو تلك الفتاة.
قيس :
وهل تشترى السلوى وتباع يا مهجتي؟ وكيف أسلو وأنا:
إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى
على غصن بان أو غصون من الرند
8
بكيت كما يبكي الوليد ولم أكن
جلودا وأبديت الذي ما به أبدي
إذا وعدت زاد الهوى لانتظارها
وإن بخلت بالوعد مت على الوعد
وقد زعموا أن المحب إذا دنا
يميل وأن البعد يشفي من الوجد
بكل تداوينا ولم يشف ما بنا
على أن قرب الدار خير من البعد
على أن قرب الدار ليس بنافع
إذا كان من تهواه ليس بذي عهد
المشهد الرابع (الملوح - قيس - سعاد) (الملوح يدخل.)
قيس :
مرحبا بوالدي العزيز.
الملوح :
وما العمل يا بني ونحن لم نفلح؟ لقد قابلنا الرجل بوجه كالح وجبين مقطب.
قيس :
ذلك ما كنت أتوقعه.
الملوح :
وقد دفعنا له مائة ناقة براعيها فلم يقبل، وقال لنا: هذا داء معضل وأمر مشكل. ما فعله أحد غيري سابقا فلا أدع العرب تقول عني إنني قد زوجت عاشقا.
قيس (يتأوه ويتنهد وينشد) :
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى
شقيت ولا هنيت في عيشك الخفضا
أما والذي أبلى بليلى بليتي
وأصفى بليلى من مودتي المحضا
كأن فؤادي في مخالب طائر
إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضا
كأن فجاج
9
الأرض حلقة خاتم
علي فما تزداد طولا ولا عرضا
الملوح :
يظهر أنك عن غيك لا تعود.
قيس :
لا.
الملوح :
أنا قد فعلت الواجب، أما أنت فافعل ما بدا لك، هلمي بنا نخرج يا بنية (يخرجان) .
المشهد الخامس (قيس - عمر)
قيس :
تكاد بلاد الله يا أم مالك
بما رحبت يوما علي تضيق
تتوق إليك النفس ثم أردها
حياء ومثلي بالحياء خليق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني
حبيب وأني للحبيب مشوق
أروم سلو النفس عنك وما لها
إلى أحد إلا إليك طريق
عمر :
حياك الله أيها الأمير.
قيس :
وما وراءك يا غلام؟
عمر :
كتاب من سيدتي ليلى.
قيس :
ألف مرحبا بك، هات الكتاب (يأخذه ويفضه ويقرؤه جهرا) .
أيها الحبيب والسيد الأديب، مهجة الفؤاد وزينة الأمجاد، من فاق سائر الأنام بالكمال وحسن الخصال وحفظ العهود والزمام والمحبة الصالحة الخالية من الآثام، قد بلغني ما أنت فيه من الشوق والغرام والوجد والهيام ومكابدة السهر وهجران الطعام واحتمال كلام اللوام حتى اعتراك الهزال وصرت ناحلا كالخيال. وحيث الحالة هذه فاحضر في نصف هذا الليل إلى وادي الأراك
10
وأنا أوافيك إلى هناك. ولو خاطرت بنفسي في هواك فلا يساوي لذة رؤياك.
يا منيتي أنت مقصودي ومطلوبي
وأنت رغما عن الأعداء محبوبي
إن تحتجب عن عيون الصب يا أملي
ما أنت عن قلبي المضنى بمحجوب
قيس :
ليلى لقد أضنى الفؤاد جفاك
وأذاب أحشاء المحب نواك
أنت الحبيبة لا سواك من الورى
فوحق حسنك لا أحب سواك
أحيا على أمل اللقاء هنيهة
ولعل في وادي الأراك أراك
الفصل الثالث
المنظر الأول
وادي الأراك
المشهد الأول (قيس وحده)
أيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى
وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
فيا حبها زدني جوى كل ليلة
ويا سلوة الأحزان موعدك الحشر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها
وتنبت في أطرافها الورق الخضر
فيا حبذا الأحياء ما دمت بينها
ويا حبذا الأموات إن ضمك القبر
أما والذي أبكى وأضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى
وزرتك حتى قيل ليس له صبر
وإني لتعروني لذكراك هزة
كما انتفض العصفور بلله القطر
فما هو إلا أن أراك فجاءة
فأبهت لا عرف لدي ولا نكر
ولكن قد تأخرت عن القدوم، فهل في الأمر حيلة يا ترى؟ (يخرج كتاب ليلى من جيبه يتأمل به ويقول)
الخط خطها ولا حيلة في الأمر. ها قد أقبلت!
المشهد الثاني (ليلى - قيس)
ليلى (تدخل) :
سلام أيها الحبيب (يتصافحان بالأيدي)
فينشد قيس:
أنيري مكان البدر إن أفل البدر
وقومي مقام الشمس ما استأخر الفجر
ففيك من الشمس المنيرة ضوءها
وليس لها منك التبسم والثغر
بلى لك نور الشمس والبدر كله
وما حملت عينيك شمس ولا بدر
لك نظرة اللألاء والبرق طالع
وليس لها منك الترائب
1
والنحر
2
ومن أين للشمس المنيرة بالضحى
بمكحولة العينين في طرفها فتر
3
ليلى :
آه كم أنت جميل يا حبيبي!
قيس :
قربك أجمل يا حبيبتي، ولكن ...
ليلى :
لا تقل ولا تعتب يا حبيبي.
فلو أن ما ألقى وما بي من الهوى
بأركان رضوى دك وهو مشيد
تقطع من وجد وذاب حديده
وأمسى تراه العين وهو عميد
ثلاثون يوما كل يوم وليلة
أموت وأحيا إن ذا لشديد
قيس :
أنا لا أجهل أن سلطان الهوى قهار عنيد، وقيده أشد من سلاسل الحديد.
فوالله لا أدري على ما هجرتني
وأي أمور فيك يا ليل أركب
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه
وأشرب كأسا علقما ليس يشرب
فلو كان لي قلبان عشت بواحد
وأبقيت قلبا في هواك يعذب
رمتني يد الأقدار عن قوس محنة
فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرب
كعصفورة في كف طفل يهينها
تقاسي عذاب الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
ولا الطير مطلوق الجناح فيذهب
ليلى :
لو كنت تعرف يا مهجة الفؤاد ما أقاسي لأجلك من العذاب لعذرتني؛ فعندما رفض والدي طلب أبيك كأن الصاعقة انقضت علي. أحبك يا قيس، ولكن التقاليد تقف بوجهي، فماذا أفعل؟ أنا لا أقترن بسواك وإن أرغمت على ذلك.
قيس :
أحن إلى لثم الثغور الضواحك
وأهوى عناق البيض لون السنابك
وأصبو إلى ذات الصبا من صبابتي
إذا لم يكن لي في الهوى من مشارك
صرمت حبال الوصل يا بنت مالك
فيا ليت شعري أي واش وشى لك
ملكت فؤادي وامتحنت صبابتي
ومن دم قلبي قد خضبت بنانك
فلو كنت أدري أن قلبك سالم
من الحب ما أحرقت قلبي بنارك
ولو كنت أدري أين أنت مقيمة
من الأرض لم يبعد علي مزارك
على أنه لو كان عندك بعض ما
تحمل قلبي من هواك لذابك
لنا تحت ظل الأيك
4
من جانب الحمى
مواقف تشكو شرح حالي وحالك
يسمونني في الحب مجنون عامر
ولولا هواك كنت سيد مالك
حكمت فلا تطغين في دولة الهوى
وإلا فرقي واصنعي ما بدا لك
ليلى :
حبيبي، لا تجرح فؤادي بهذه الأقوال، ولا تزد عذابي عذابا ، فيكفيني ما ألاقيه من أهلي. أنا أهواك ولكن دون قربك أهوال؛ فالوداع الآن فإنني أخاف من العيون.
قيس :
وداعا يا حبيبة القلب (تذهب) .
المشهد الثالث (قيس وحده)
ألا زعمت ليلى بأن لا أحبها
بلى والليالي العشر
5
والشفع
6
والوتر
7
بلى والذي نادى من الطور عبده
وعظم أيام الذبيحة والنحر
لقد فضلت ليلى على الناس مثلما
على ألف شهر فضلت ليلة القدر
8
تداويت من ليلى بليلى من الهوى
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
مفلجة الأسنان لو أن ريقها
يداوى به الموتى لقاموا من القبر
هي البدر حسنا والنساء كواكب
فشتان ما بين الكواكب والبدر
يقولون مجنون يهيم بذكرها
فوالله ما بي من جنون ولا سحر
إذا ما نظمت الشعر في غير ذكرها
أبي، وأبيها، أن يطاوعني شعري
فلا أنعمت بعدي ولا عشت بعدها
ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر
مضى لي زمان لو أخير بينه
وبين حياتي خالدا أمد الدهر
لقلت ذروني ساعة قرب مهجتي
على غفلة الواشين ثم اقصفوا عمري
المنظر الثاني (خيمة من الشعر)
المشهد الأول (مهدي - زينب - سعد - بكر)
مهدي :
لقد تفاقم الطلاب حول بابنا وفاقوا الجراد عدا وليلى لم ترتض بواحد منهم! لقد جنت بحب ذلك المجنون وأنا لا أسلم بذلك ولو هدرت آخر نقطة من دمي، جاء والده خاطبا ابنتي فرفضت وهيهات أن أرضى.
زينب :
إذا يحل لنا أن نقتل هذه الابنة ونطرحها بين براثن الموت، فهذا لعمري منتهى الظلم!
مهدي :
إذا كنت تشفقين عليها فساعديني على إقناعها وأنا مستعد أن أزفها إلى أمير عظيم جليل القدر رفيع المقام.
زينب :
أظنها لا ترضى، ولو كان الخليفة ابن مروان.
مهدي :
ألا ترضى بالأمير سعد بن منيف؟!
زينب :
إنها لا ترضى سعدا بغير وجه قيس. (سعد يدخل.)
مهدي (إلى زينب) :
هذا هو العريس. أهلا بالأمير سعد.
سعد :
حياك الله أيها الأمير.
مهدي :
يا بكر هات القهوة. إنني أترقب قدومك لأعطيك الجواب النهائي؛ فقد قررت أن أزف إليك ابنتي ليلى، وذلك في القريب العاجل، فبعد قليل أخاطبها بالأمر وأرسل وراءك أحد أعواني وسيان عندي رضيت أم أبت. (بكر يقدم القهوة.)
سعد :
أشكرك أيها الأمير فقد أوليتني شرفا عظيما.
مهدي :
فاذهب إذا غير مأمور وجهز معدات العرس؛ فبعد هنيهة يكتب، وقد قضي الأمر، وعن قريب تدخل ليلى.
سعد :
أودعكم إذا (يذهب) .
مهدي وزينب :
مع السلامة.
زينب :
إذا على هذا عولت؟!
مهدي :
نعم، فإذا رضيت جبرت خاطري، وإن رفضت قطعت حبل وريدها
9
بحد هذا المهند.
المشهد الثاني (زينب - مهدي - ليلى)
ليلى (تدخل) :
عما صباحا يا والدي.
مهدي :
مرحبا بالابنة العزيزة.
زينب :
اجلسي بقربي يا عزيزتي.
مهدي :
لقد انتشر صيتك يا بنية في بلاد العرب، وخطبك مني السادة أصحاب المناصب والرتب، وأنا لا أصغي لخطبة خاطب ولا لطلب طالب حتى خطبك الأمير الشريف سعد بن منيف، وهو كثير المال محمود الخصال، تحلى بالأدب والجمال، واتصف بالهمة والكمال؛ ولهذا زوجتك به دون الرجال؛ إذ لا بد للمرأة من زوج يلمها ويفرج همها.
ليلى :
أبي بحقك ارحمني.
مهدي :
لا رحمة ولا شفقة، فإذا فعلت كما أقول كنت العزيزة عندي وإلا فثقي وتأكدي أنك مائتة لا محالة.
ليلى :
هذا أمر لا يتم أبدا، ولو مت قهرا وكمدا.
مهدي :
اخرسي يا شقية، فلقد تماديت في قحتك (يلطمها على خدها) .
زينب :
مهلا، فما هذه الأعمال التي تحط من مقامنا بين العرب؟!
مهدي :
أنا ذاهب وسأبعث وراء الأمير فإما العرس وإما الرمس (يذهب) .
ليلى :
آه ما أحلى الرمس! كم في القبر من أنس!
زينب :
ما هذه الحماقة يا بنية؟! ألأجل رجل تضحين حياتك، فلو خيروني بين كل الرجال وحياتي لقلت لهم حياتي.
ليلى :
لا يا أمي، فلو كنت تشعرين بعذابي وآلامي المبرحة لأزحت عن قلبي هذا الحمل الثقيل. آه يا قيس ليتك ترى!
زينب (تبكي) :
ماذا أصنع؟! ألهمني يا رباه. (إلى ليلى)
سأذهب يا بنية لعلني أرد والدك عن هذا العزم.
ليلى :
أجرك عظيم يا أماه؛ لأنك تخلصين اثنين من الموت. بحقك يا أماه ابذلي جهدك وخلصينا.
زينب :
لا حاجة إلى تشديد عزمي.
المشهد الثالث (ليلى - بكر)
ليلى :
حكم المحبة في البرية جار
فحذار من قتل المحب حذار
يا ناس رفقا فالحياة محبة
كم للهوى العذري من أعذار
لله ما أحلى الهوى وأمره
تالله ذا من أغرب الأسرار
يا قيس حبك قد برى جسدي وما
لي راحم في هذه الأمصار
فالوالدان يقيدان عواطفي
بسلاسل التقليد والإجبار
فكأن قلبي ملكهم ودمي لهم
قد حللته مشيئة الجبار
جاروا علي وشاة ربي أن أكو
ن ضحية لجماعة الأغرار
يا نفس صبرا واحملي جزعا ولا
تتذمري فكذاك شاء الباري
قد أحرقوا قلبي بنار غرورهم
يا رب فاحرق محرقي بناري
بكر (يدخل) :
سيدتي، لقد أرسلني مولاي والدك؛ لكي أقول لك لتكوني على استعداد؛ فهو قادم مع الأمير سعد.
ليلى :
وغير هذا ماذا قال؟
بكر :
لم يقل شيئا، وقد أمرني أن أعجل بالرجوع، فالوداع الآن (يخرج) .
ليلى :
ما أحلى الموت! إلى متى يا رب تظل المرأة مقيدة بسلاسل التقليد؛ يحكم أبواها على قلبها يقيدونها بمن يشاءون لا بمن تشاء! آه ما هذه السلطة الجائرة!
المشهد الرابع (يدخل مهدي وسعد وزينب وزمرة من الفتيان.)
مهدي :
هو ذا عريسك يا ابنتي العزيزة، قد اخترته لك من بين البشر لتكوني له خاضعة ومحترمة، فاشكري الله الذي أولاك هذا الحظ السعيد.
ليلى :
فليكن ما تشاء يا أبي.
سعد :
لي الشرف بأن أكون صهرك أيها الأمير العالي المقام.
نشيد العرس (يختاره جوق الممثلين وينشده الممثلون المذكورون.)
مهدي :
حمدا لله الذي بارك اجتماعنا، ونسأله أن يجعل قران العروسين مقرونا بالصفاء والبنين. الآن أرونا أيها الفتيان من ألعابكم ورقصكم ما يطرب الفؤاد وينفي الهم والكدر.
الفتيان :
واحد يعزف على الشبابة والباقون يرقصون ويدبكون ويغنون حسب العادات العربية. ولجوق الممثلين أن يختاروا ما يعلمونه من هذه الأغاني وأساليب الرقص. وإذا كان من يرقص بالسيف والترس فذلك جميل إذا أمكن. وعند النهاية يقول المهدي:
مهدي :
شكرا لمن جمع القلوب بكلمة. والآن يجب أن نخرج لنقوم بالواجبات الدينية الواجب أن يحتفل بها في مثل هذا المقام. (الجميع يخرجون يهزجون بالغناء المعروف عند العامة «بالحدو»):
يا ميرنا يا ميرنا
اليوم كمل سعدنا
نحنا رجالك كلنا
يا ميرنا ويا عريسنا (الستار)
المنظر الثالث (في برية)
المشهد الأول (قيس وحده)
تذكرت ليلى والسنين الخواليا
وأيام لم يعدي على الناس عاديا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة
إذا جئتكم بالليل لم أدر ماهيا
خليلي إلا تبكياني فأرتجي
خليلا إذا أجريت دمعي بكا ليا
فلا أشرف الإيقاع إلا صبابة
ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
وخبرتماني أن تيماء
10
منزل
لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت
فما للنوى يرمي بليلى المراميا
إذا ما جلسنا مجلسا نستلذه
تواشوا بنا حتى أخلي مكانيا
ولو كان واش باليمامة
11
داره
وداري بأعلى حضرموت
12
أتانيا
خليلي لا والله لا أملك الذي
قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها
فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
فيا رب سو الحب بيني وبينها
يكون كفافا لا علي ولا ليا
فما سميت عندي لها من سمية
من الناس إلا بل دمعي ردائيا
ولا سرت ليلا من دمشق ولا بدا
سهيل
13
لأهل الشام إلا بدا ليا
فإن تمنعوا ليلى وطيب حديثها
علي فلن تحموا البكا والقوافيا
فأشهد عند الله أني أحبها
فهذا لها عندي فما عندها ليا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني
أحدث عنك النفس بالليل خاليا
وما زادني الناهون إلا صبابة
وما زادني الواشون إلا تماديا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا
وبالشوق مني والغرام قضى ليا
تراني إذا صليت يممت نحوها
بوجهي وإن كان المصلى ورائيا
أصلي فلا أدري إذا ما ذكرتها
أإثنين صليت العشا أم ثمانيا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبهه أو كان منه مدانيا
خليلي ليلى أكبر الحاج والمنى
فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
يقولون سوداء الجبين ذميمة
ولولا سواد المسك ما كان غاليا
فوالله ما أرجو من العيش بعدما
أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا
وتعرض ليلى عن كلامي كأنني
قتلت لليلى إخوة ومواليا
فلم أر مثلينا خليلي صبابة
أشد على رغم العداة تصافيا
خليلين لا نرجو لقاء ولا نرى
خليلين إلا يطلبان التلاقيا
يقول أناس عل مجنون عامر
يروم سلوا قلت أنى لما بيا
إذا ما استطال الهجر يا أم مالك
فشأن المنايا القاضيات وشانيا
فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي
وأنت التي إن شئت أنعمت باليا
وإني لأستغشي وما بي نعسة
لعل خيالا منك يلقى خياليا
إذا سرت في أرض الفضاء رأيتني
أصانع رحلي أن ليلى حذائيا
يمينا إذا كانت يمينا وإن تكن
شمالا تنازعت الهوى عن شماليا
هي السحر إلا أن للسحر رقية
وإني لا ألقى لها الدهر راقيا
ألا أيها الركب اليمانون عرجوا
علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
أسائلكم هل سال نعمان
14
بعدنا
وحب إلينا بطن نعمان واديا
ألا يا حمامي بطن نعمان هجتما
علي الهوى لما تغنيتما ليا
وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن
أبالي دموع العين لو كنت خاليا
ألا أيها الواشي بليلى ألا ترى
إلى من تشيها أو لمن أنت واشيا
فيا رب إذ صيرت ليلى هي المنى
فزدني بعينيها كما زدتها ليا
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه
وإن كنت من ليلى على الناس طاويا
فأما وقد ضنوا بليلى فقربوا
لي النعش والأكفان واستغفروا ليا
المشهد الثاني (قيس - الملوح - سعاد)
الملوح (يدخل) :
هو هنا يا بنية، هو هنا.
سعاد :
ما باله يبكي؟
الملوح (إلى سعاد) :
قد جنى عليه الحب. لهفي عليك يا ولدي.
قيس :
وقد خبروني أن ليلى تزوجت
ولا بد لي من أن ألاقي حليلها
فإن كان مثلي لا ألمها على الهوى
وإن كان دوني بئس ما قد قضى لها
وإن كان من أوباش
15
ما حوت القرى
لقد تعست ليلى وأخنت خليلها
سعاد :
ومن أين عرف بزواج ليلى؟
الملوح :
لا أدري. (إلى قيس)
مرحبا يا بني.
قيس :
وألف تحية.
الملوح :
لقد أشقيت نفسك وأشقيتنا، فدع هذا الغرور.
قيس :
خلني يا أبي وشأني، فإنك تزيد بكلامك هذا أشجاني، فقد قضي الأمر وبلغ السيل الزبى!
16
متى نلتقي حتى أقول وتسمعا
فقد كاد حبل الوصل أن يتقطعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها
عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
أما وجلال الله لو تذكرينني
كذكراي ما كفكفت للعين مدمعا
بلى وجلال الله ذكري لو انه
تضمنه صم الصفا لتصدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشية أن تقطعا
فليست عشيات الحمى برواجع
إليك ولكن خل عينيك تدمعا
الملوح :
وماذا تفعل الآن. ألا تذهب معنا؟
قيس :
لا يا أبي؛ فهذه السماء خيمتي منذ الآن.
الملوح :
الله من الغرام فهو الويل والشقاء. سيري بنا.
سعاد :
أبي، أنتركه هنا؟ (إلى قيس)
أخي بحقك فلنذهب.
قيس :
قلت لكما اتركاني.
الملوح :
بل نأخذك معنا.
قيس :
لا، هذا لا يكون (يختبئ) .
الملوح :
فلنذهب يا بنية؛ فجرح الهوى ما له دواء (يخرجان) .
المشهد الثالث (قيس - سعد - غلام - أسد)
قيس (يدخل) :
إليك عني فإني هائم وصب
أما ترى الجسم قد أودى به العطب
لو أنهم سألوا من بالغرام قضوا
هل فرجت عنكم مذ متم الكرب
لقال صادقهم إن قد بلى جسدي
لكن نار الهوى في القلب تلتهب
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت
يا للرجال فهل في الأرض مطرب
البين يؤلمني والشوق يجرحني
والدار نازحة والشمل منشعب
كيف السبيل إلى ليلى وقد حجبت
عهدي بها زمنا ما دونه حجب
سعد :
ومن عجب جنونك في فتاة
مزوجة سواك ولن تراها
أيا مجنون كم تهوى بليلى
كأن الله لم يخلق سواها
قيس :
وما أكثر الأخبار ليلى تزوجت
ترى هل يوافي بالطلاق بشير؟
ومن أنت يا رجل حتى تحدثني بمثل هذا الكلام؟
سعد :
أنا هو زوجها سعد.
قيس :
بعيشك هل ضممت إليك ليلى
قبيل الصبح أم قبلت فاها
وهل دارت يداك بمنكبيها
وهل مالت عليك ذؤابتاها
17
سعد (يضحك) :
اللهم إذا حلفتني فنعم.
قيس :
أفي كل يوم أنت تحظى بقربها
وتلثم فاها أو تضم ثدياها
وتعتنق الأرداف منها وخصرها
وتنشق من ليلى العشية رياها
سعد :
دع هذا الجنون يا مفتون، واحذر سطوة الأعوان، فقد صدر أمر أمير المؤمنين بهدر دمك ثانية إذا كنت لا تعود عن ذكر هذه الجارية التي فضحتها في الأشعار وهتكتها في سائر الأمصار.
قيس (ينشد وهو في اضطراب مزيد) :
عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي
فإني وإن لم تجزني غير عاتب
عليها ولا مثلي لليلى شكاية
وقد يشتكي المبلى إلى كل صاحب
يقولون تب عن ذكر ليلى وحبها
وما خلتني عن حب ليلى بتائب
سعد :
الجنون فنون (يخرج) .
قيس :
آه من الدهر وأحكامه والليالي وجورها!
غلام :
سلام أيها الشاب الأديب.
قيس :
وبعد السلام يا غلام؟
غلام :
كتاب من سيدتي ليلى (يدفعه إليه) .
قيس :
إذا جاءني منها الكتاب بعينه
خلوت بنفسي حيث كنت من الأرض
وإني لأهواها على كل حالة
وأقضي على نفسي بها بالذي تقضي (يقرأ الكتاب جهرا):
بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اعلم يا بن العم - وقاك الله عاقبة الضير والغم - أنه قد أوحشني فراقك وآلمني اشتياقك، وقد مر علي زمان وأنا مواظبة على الأحزان، لا أرى طريقا للمفر ولا قرارا للمستقر إلى أن ضاق صدري وقل صبري وتواترت علي الأسقام من كثرة البكاء وقلة الطعام، ولا شك بأن حياتي في هذه الدنيا صارت قصيرة، وأيام إقامتي يسيرة؛ حيث لم يعد لي صبر على الفراق، واكتوى قلبي بنيران الوجد والاشتياق، وما بقي في الأمر إلا التسليم والانقياد على ما قدره علينا رب العباد. (يهز رأسه)
آه من الزمان! ما أقساه! وما أتعس حظ العاشقين بين البرابرة الذين لا يفهمون لغة القلوب! (يا غلام أمهل لتأخذ لها الجواب)
يكتب هنيهة، ثم يدفع الكتاب إلى الغلام قائلا له: سر بأمان الله.
غلام :
يذهب مبديا إشارة الخضوع.
قيس :
أحن إلى ليلى وإن شطت النوى
بليلى كما حن اليراع المشطب
يقولون ليلى عذبتك بحبها
ألا حبذا ذاك الحبيب المعذب
فلو تلتقي في الموت روحي وروحها
ومن دون رمسينا من الأرض منكب
لظل صدى رمسي وإن كنت رمة
لرمس صدى ليلى يهش ويطرب
أسد :
يمر بالمرسح كعابر طريق على ظهره جراب وبيده عصا غليظة يتوكأ عليها.
قيس :
إلى أين يا عابر الطريق؟
أسد :
إلى حي بني عامر.
قيس :
ناشدتك الله قف، فلي كلمة أحملك إياها.
أسد :
قل ما تشاء يا أديب.
قيس :
متى وصلت إلى تلك المنازل والأعلام أقر ليلى مني السلام وأنشدها:
حلفت يمينا لم أخنك مودة
وإني بكم حتى الممات ضنين
تخبرني الأحلام أني أراكم
فيا ليت أحلام المنام يقين
وإن فؤادي لا يلين إلى هوى
سواك وإن قالوا بلى سيلين
أسد :
وهل أنت مضنى بها إلى هذا الحد؟
قيس :
نعم، فلقد:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا كان قبل الهوى خلوا
ألا حبذا أطلال ليلى على البلا
وما بذلت لي من نوال وإن قلا
فلا يتمادى العهد إلا تجددت
مودتها عندي وإن زعمت ألا
أسد :
ناشدتك الله عد عن هذا الحب فهو يرديك.
قيس :
ألا قل لمن أمسيت مضنى بحبها
ومن هي رجاء النفس بالبعد والقرب
أناخ هواها في فؤادي فصادني
ومن ذا يطيق الصبر عن مجمل الحب
فلا غرو أن الحب للمرء قاتل
يقلبه ما عاش جنبا إلى جنب
ويسقيه كأس الموت قبل أوانه
ويورده قبل الممات إلى الترب
فإن كان ذنبي حب ليلى وأهلها
فلا غفر الله المهيمن
18
لي ذنبي
الفصل الرابع
خيمة من الشعر
المشهد الأول (ليلى وحدها مريضة في فراشها.)
شئت يا رب أن أعيش شقيه
فلتكن يا رحمان تلك المشيه
وقضى والدي بتنكيد عيشي
قاتل الله سلطة والديه
كم فتاة جنى عليها أبوها
ورماها بجر شر رزيه
1
فرق الوالدان بالجور ما قد
جمعته يد الإله القويه
سوف يبكي التاريخ ليلى وقيسا
إن ليلى وقيس أذكى ضحيه
ليتني لم أكن ولا كان قيس
فحياة الاثنين معنى الرزيه
أتشعر يا قيس في وحدتك بآلام ليلى وعذاب قلبها؟ إن نفسي حزينة حتى الموت!
2
لعن الله السلاسل القاسية التي حبكتها يد التقاليد وطوقت بها عنقي. وقبحت يا سلطة جائرة يتلذذ بها الوالدان يجوران على عاشقين، قائلين هي طريق الشرف نسلكها. فقبحت يا شرفا تكدر صفو الحياة إلى الممات، الحب من الله والشرف من الناس، فهل نترك سنة الله ونتبع تقاليد الناس الفاسدة؟ أيها الوالد القاسي ألم تكن فتى عاشقا تتضايق من خيالك إذا وقف بينك وبين من تهواه؟ يا ليت كلمتي نافذة في عشائر العرب لأطلق القلب؛ ذلك الطائر الصغير من قفص التقاليد المحبوك من أشواك العوسج والقتاد.
3
ولكن قد كتب الشقاء للحب وسيبقى شقيا إلى الأبد. يا قيس، يا قيس، يا سلوة الأحزان.
سلام عليكم لا سلام ملامة
ولكن سلام للمحب عطور
لقد عيل صبري بعدكم وتكاثرت
همومي ولكن المحب صبور
فصبرا على ريب الزمان وجوره
لعل صروف الدائرات تدور (تتكئ على زندها وتبكي.)
المشهد الثاني (ليلى - سعد)
سعد (يدخل) :
حبيبتي ما بالك كئيبة وما بال عينيك تذرفان الدموع؟!
ليلى :
دعني يا سعد فعيشتي موت.
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
سعد :
ما هذه النغمة الجديدة؟
ليلى :
نغمة قلب معذب.
سعد :
بحقك صرحي فإنني أتعذب كلما رأيتك حزينة، ولا تخفي داءك فلعلني أجد له الدواء.
ليلى :
هيهات فقد استحكم الداء وعز الشفاء.
سعد :
لا صعب في الكون وميدان الأمل فسيح واسع.
ليلى :
لغيري يا سعد.
سعد :
ولماذا؟
ليلى :
غيري مريض الجسد أما أنا فمريضة القلب والجسد.
سعد (على حدة) :
إن في الأمر لسرا صرحي ولا تخافي.
ليلى :
ألم تسمع ما قاله الشاعر:
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم
وكذا دماء البائحين تباح
سعد :
يظهر أنك عاشقة.
ليلى :
فقد انتزعته من قلبي يوم زففت إليك، ولكن أعراضه لم تزل تعاودني فدعني أعاركه فإما الغلبة وإما القبر، ولا تجادلني بعد الآن.
سعد (على حدة) :
قاتل الله الغرام، لقد كنت شاعرا بآلامك وقد علمت أنك حاضرة الجسم غائبة القلب.
ليلى (على حدة) :
أشائر الحب لا تخفى على أحد.
سعد :
ولو لم تبدأي بالحديث لما فاتحتك بهذا الأمر.
ليلى :
أنت رزين عاقل ولا ذنب عليك، إنما ستسقط خطيئتي على رأس والدي الظالم الجائر.
سعد :
لقد وقع المحذور فلا تجزعي (على حدة)
مصيبة والله. أنا ذاهب لألاقي والدك إلى الصيد بوادي الأراك (يخرج).
المشهد الثالث (ليلى - رسول)
وادي الأراك وما أحب ثراكا
وألذ لقيا الحب في مغناكا
يا قيس ما أحلى المحبة والهوى
لو كنت أظفر ساعة بلقاكا
لكن دون الوصل أهوال وهي
هات اللقاء فقد حرمت لقاكا
آه من نظرة إلى وجهك يا قيس! وا شوقي إلى ساعة نختلي بها وما علينا رقيب ولا عذول، ولكن هذا حظ ...
رسول :
سلام يا سيدتي.
ليلى :
وعليك يا رسول الخير.
رسول :
هذه رسالة من سيدي قيس.
ليلى :
من قيس؟!
رسول :
نعم (يدفع الرسالة إليها) .
ليلى :
آه يا حبيب القلب. تفض الرسالة وتقرأ:
من قيس بن الملوح الهائم الوامق،
4
والحبيب الصادق، إلى سيدة الملاح وكوكب الصباح، درة الصدف وياقوتة الشرف، من قد اتصفت بالمحاسن البهية والصفات العلية والآداب السنية ليلى العامرية، إنني بينما كنت متشوقا إلى استماع أخبارك واستكشاف آثارك، واستماع لفظك ومشاهدة أنوار جمالك؛ إذ وردت علي رسالتك المرسومة بسيماء المحبة الفائقة، المسفرة عن ازدياد الصحبة الصادقة، فتلقاها القلب بالفرح وزال عنه الغم وانشرح، غير أنه لا خفاك ما أنا فيه من القلق والكدر والضجر وكثرة البكاء والسهر، وكيف أنني تركت الحد المألوف وانفردت في الروابي والكهوف، أهيم مع الوحوش والغزلان وأنتقل من مكان إلى مكان، وحيدا عريانا ذليلا مهانا أقاسي ضرا
5
وأحزانا، لا يستقيم لي حال، ولا يرتاح لي بال، حتى صرت نحيلا كالخيال؛ وذلك من كثرة الأشواق، وتباريح الهوى ومرارة الفراق. فقاتل الله أباك الغدار وبلاه بالويل والدمار؛ لأنه كان سبب بليتي وطردي عن أهلي وعشيرتي، وما كفاه ذلك حتى إنه زوجك برجل غريب واختار البعيد على القريب، وهذا شرح ما بي من الشقاء والتعذيب، وإني لك على طول الزمان حبيب.
ليلى :
آه من جور الليالي وظلم الآباء. (إلى الرسول)
وهل هو منشرح الخاطر؟
رسول :
من أين الانشراح فهو تائه شريد لا يلوي
6
على شيء .
ليلى :
لم يكن المجنون في حالة
إلا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى
وإنني قد زدت هجرانا
اذهب أيها الرسول وقل له عني هذين البيتين:
وإني لأرجو قربكم ووصالكم
ومن دونكم أمر لدي مخيف
فلا تعجبوا إن كان في الحب صادقا
فإني لكم دون الأنام حليف
رسول :
أمرك سيدتي (يخرج) .
ليلى :
آه يا قيس.
المشهد الرابع (ليلى - سعد)
سعد (يدخل) :
من كنت تحدثين؟ ولماذا ترددين ذكر قيس؟
ليلى :
لا هذا ولا ذاك.
سعد :
بلى سمعتك تقولين:
لم يكن المجنون في حالة
إلا وقد كنت كما كانا
وقلت أيضا للغلام قل لقيس عني:
وإني لأرجو قربكم ووصالكم
ومن دونكم أمر لدي مخيف
ليلى :
ألم تكفني أحزاني حتى أزيد بليتي بلوى فدعني وشأني.
سعد :
أكذا تخاطب الجارية سيدها؟!
ليلى :
أأنا الجارية وأنت السيد؟! لعن الله من جعلنا كذلك.
سعد (يرى الرسالة فيهجم ويتناولها) :
ما هذا الكتاب؟ (يفضه ويقرأ به ثم يقول)
لقد كشف المخبأ فلكل ساقطة لاقطة.
7 (ليلى تنهض من الفراش وتهجم لتأخذ الكتاب.)
سعد (يرفسها برجله ويصفعها بيده) :
ويلك يا خائنة!
ليلى :
ويحك يا جبان!
سعد :
اخرسي، فقد انفضح السر!
ليلى :
لا أستحي بحب قيس، ولا أخاف. أحبه أحبه أحبه، فافعل ما بدا لك.
سعد :
ستذوقين الحمام بحد هذا المهند، وسيجندل قيس على الثرى.
ليلى :
أحب قيسا وإنني:
إذا عثرت رجلي بدأت بذكره
وأحلم في نومي به وأعيش
إذا ذكر المجنون زالت بذكره
قوى النفس أو كاد الفؤاد يطيش
توعدني قومي بقتلي وقتله
فقلت اقتلوني واتركوه يعيش
سعد :
لا يعيش أحد منكما. قاتلك الله من ساقطة.
المشهد الخامس (مهدي - سعد - ليلى)
مهدي (يدخل) :
ما هذا الجدال؟
سعد :
أمر يا مولاي تصطك له الركب!
مهدي :
قل ما ذلك الأمر؟
سعد :
ليلى خانت عهود الزواج.
مهدي :
ابنتي كذا فعلت! ومن أين عرفت؟
سعد :
من هذا الكتاب، تفضل واقرأ، فقد أصابك من لعنة المجنون أكبر حصة وأوفى نصيب!
مهدي :
أنا؟
سعد :
نعم، تفضل واقرأ.
مهدي (يأخذ الكتاب ويقرأ) :
أنت يا ليلى تراسلين هذا المجنون وتكشفين له أسرار الهيام؟! ألم ترتجف أعصابك عندما كتب: قاتل الله أباك الغدار وبلاه بالويل والدمار؟ ويحك يا شقية! يقول هذا وترضين عنه يا ممقوتة يا ناكرة الجميل.
ليلى :
كفاك يا أبي، أتظلمني وتدعي الإحسان؟ قبح الله كل والد ظالم يزوج ابنته بمن يريد لا بمن تريد. سوف يبقى ذكرك مرفوقا باللوم كلما طالع الناس قصة ليلى والمجنون.
مهدي :
اصمتي، فقد ألصقت بشرفي وصمة عار لا تنغسل إلا بدمك.
ليلى :
هو ذا عنقي اقطعه بحد سيفك وأرحني من هذه الحياة.
مهدي :
لأفعلن هذا بعد حين.
ليلى :
بل الساعة إن كنت عربيا شريفا.
مهدي :
ما هذه الوقاحة؟
ليلى :
هي ابنة جورك وظلمك.
مهدي :
ويحك! (يهجم عليها بالسيف مجردا) .
سعد (يمسكه) :
ناشدتك الله لا تفعل.
مهدي :
إنها تستحق القتل.
سعد :
عفوك أكبر يا عماه.
ليلى :
ذئبان افترسا نعجة برية ويقولان: عفوا ورحمة.
مهدي :
قلت لك تستحق الموت فدعني.
مهدي :
ويحك يا ساقطة.
ليلى :
أنت كنت سبب سقوطي، فويل لك متى وقفت أمام الديان العادل.
المشهد السادس (زينب - الطبيب - مهدي - سعد - ليلى)
زينب :
ما بالكم في احتدام؟
ليلى :
أمي أمي، يمثلان آخر مشهد من مأساة حياتي المملوءة بالآلام والمصائب، فيا موت زر (يغمى عليها) .
زينب :
حبيبتي ليلى. (تحركها)
لا حراك بها.
مهدي :
إن موتها لخير من حياتها الملوثة بأقذار الغرام. إذا ماتت فليس من أسف على مثلها شقية.
سعد (يضرب يدا بيد على حدة) :
فديتك يا ليلى.
زينب :
عجلوا بالطبيب، الطبيب. ويلاه!
مهدي :
اذهب يا غلام وادع الطبيب (يخرج غلام) .
سعد :
آه لم يعد من أمل بحياتها.
زينب :
وا أسفاه لم تذق واحدة من بنات حواء ما ذاقته هذه الابنة التاعسة. هات الإبريق يا سعد.
سعد :
هذا هو.
زينب :
انضح وجهها بالماء. (سعد يفعل.)
ليلى (تتحرك) :
أمي!
زينب :
عيوني، مهجتي!
ليلى :
ويلك يا قاسي لقد قرب الموت.
علقمة :
أنعمتم صباحا.
الجميع :
مرحبا بالطبيب.
مهدي :
قد اشتدت على ليلى وطأة المرض.
علقمة :
سنصف لها دواء (يجس يدها ويظهر علامات الارتباك)
لا تخافي يا بنية. (إلى سعد)
عجل وجئني بقليل من نبات الخبازي.
8
ليلى (تهذي) :
اقتلوني، اذبحوني، أريحوني من هذه الحياة الثقيلة.
علقمة :
إن في الأمر لسرا خفيا.
مهدي :
انظر هل تغيرت الأعراض؟
علقمة :
آه لقد ضاعت الآمال.
ليلى :
أمي، سامحيني، أبي ظالم لا ذنب علي. سامحني يا قيس، اقترب مني فأودعك لا تبعد بحق المحبة، اقترب يا قيس. (تستغيث)
أمي اسقيني.
زينب :
هذا الإبريق. (ليلى تأخذه فيسقط من يدها وتلفظ روحها.)
زينب :
عجل اقترب يا طبيب.
علقمة (يجس نبضها إلى الجمهور) :
لقد قضت. أعاضنا الله بطول بقائكم. (زينب تتفجع وتبكي.)
لهفي على غصن الشباب الناضر
قصفته أرياح المنون القاهر
لهفي على ليلى فإن نهارنا
من بعدها ليل بدون أواخر
وا حر قلبي قد قضت من يأسها
والله يرحم كل مرء صابر
يا ليل قد أورثت قلبي علة
أبكيك يا ولدي بدمع زاخر
مهدي :
تركت العالمين بلا وداع
فوا لهفي على كرم الطباع
لقد مات السرور بموت ليلى
وصار العيش من سقط المتاع
هي الدنيا تصير إلى زوال
وما للمرء إلا قيد باع
سعد (يدخل) :
ما هذا؟ أليلى قضت؟ يا للبلية!
دمعي عليك كديمة وطفاء
وتلهفي يا ليل كالرمضاء
يا ليل لم يحن الجفاء فما جرى
حتى جفوت ويا لطول جفائي
يا حاملا نعش الحبيبة لا تسر
مهلا بربك لا تزد بلوائي
رباه ما هذي المصيبة لم أعد
أرجو الصفا وقطعت حبل رجائي
قضت الحبيبة والكئوس تعكرت
والقلب راح مع الحبيب النائي
فعليك يا ليلى السلام وحبذا
من بعد ليلى مصرعي وفنائي
الجميع :
بعد أن ينتهي سعد من إنشاد هذه القصيدة يغني ممثلو هذا المشهد نشيدا محزنا يودعون به ليلى وهم يطوفون حول جثمانها الممدد في فراشها، وهذا النشيد يترك حق اختياره لجوق الممثلين. وبعد هذا النشيد يرخى الستار.
الفصل الخامس
ضريح في برية
المشهد الأول (قيس - أسد)
أسد :
من هنا يا سيدي من هنا. (قيس يدخل مكشوف الرأس حافي الرجلين متحيرا.)
أسد :
هذا ضريح العامرية شهيدة هواك.
قيس (ينطرح على القبر ويقول ) :
هنا ضحية الهوى العذري، وقتيلة سيف الجهل الوالدي، فيا للجريمة الهائلة! فلسوف تلعن الأجيال من فرقنا وكدر صفاءنا، وستضرب الأمثال ببلوانا ما دام ناطق بالضاد. فالويل لك أيها المهدي يا بائع الذمة وخائن الضمير! أنا سأموت وأسامحك، ولكن الله لا يبررك أيها الوحش المفترس. (سرا)
هذه وصيتي ويضعها على الضريح ويقول إلى أسد: أما أنت أيها الصديق فدعني وحدي واذهب، دعني غارقا في بحر أحزاني إلى أن ألفظ هذه الروح، وألحق بمن عشقتها حتى في عالم الأبدية.
أسد :
أستودعك الله يا سيدي.
قيس :
جوزيت عني خيرا (يدور حول الضريح وينشد) :
أيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت
عليك نساء من فصيح ومن عجم
ويا قبر ليلى إن ليلى غريبة
بأرضك لا خال هناك ولا ابن عم
ويا قبر ليلى غابت اليوم أمها
ووالدها والحافظون لها الذمم
فيا لهف قلبي بعد فقدان مهجتي
فقد أخمدت من بعدها نار ذي سلم
1
ويا لوعتي سهم المنون أصابها
فأصمي فؤادا كان بالوجد مضطرم
فكيف اللقا والقبر بيني وبينها
فيا رب لا تشفق على ظالم ظلم
لقد ظلمونا واستبدوا فويلهم
لدن تهتك الأسرار في موقف الحكم
فيا ليل قد حان الوداع بلا لقا
ويا موت أحلى أنت من عيشة الألم
وهذي حياتي بالشقاء قد ابتدت
فلا عجب إن كان بالموت تختتم (ينتحر بخنجر ويسقط على الضريح مضرجا بدمه.)
المشهد الثاني (يدخل مهدي وسعد وزينب وعلقمة وغلامان لزيارة القبر.)
زينب (تبكي) :
آه يا ولدي.
مهدي :
مهلا اسكتي لنرى من هذا المرتمي على الضريح. (يتقدم يتفرس به)
هو قيس! يا قيس يا قيس انهض يا عماه!
علقمة (يتقدم منه فيرى الخنجر ويجس نبضه ثم يقول) :
لا حياة لمن تنادي.
زينب :
وا أسفاه عليكما.
سعد :
ما هذا القرطاس؟ (يقدمه لمهدي) .
مهدي (بعد أن يفتحه) :
هذه وصية قيس، اسمعوا:
أنا قيس الملوح مجنون عامر، قد قضيت من فرط الحزن والجوى، قتلت نفسي بيدي فلا يطالب أحد بثأري. أسأل الله أن يغفر ذنب المهدي ويسامحه على ما جناه؛ فقد قتل نفسين بسيف واحد، إنما أطلب أن أدفن بجنب ليلى، ويكتب على ضريحي هذان البيتان:
توسد أحجار اليمامة والقفر
ومات جريح القلب مندمل الصدر
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
ليعلم ما يلقى المحب من الهجر
مهدي :
نعم أنا أعترف أمام السماء والأرض بأنني اقترفت جرما عظيما؛ لقد قتلت ابنتي وابن أخي، ولم أشفق على صباهما.
نعم جنينا ولم ينفع تجنينا
ومن بليتنا ضاق الفضا فينا
قتلت بنتي ولم أشفق على ابن أخي
وما افتكرت بأن الدهر يفنينا
فيا شهيدي غرام إن قتلكما
لسوف يذكره العشاق باكينا
تركتما بيننا حزنا نموت به
ومتما رحم الله المحبينا (انتهت)
Bilinmeyen sayfa