حسيبهم وكافيهم.
هذا والواقف على كلام الحافظ ابن رجب في موضوع البحث في كتبه يراه يدور على أمر هام هو التزهيد بالدنيا والترغيب عنها بدار الآخرة وبرضوان الله، باتخاذ أسلوب مخاطبة القلوب لا الشهوات والجوارح. وهذا في حدّ ذاته مقصد شرعي من مقاصد الشريعة العامة.
لهذا كثر كلامه عن أحوال القلوب، ووجوب تزكية النفوس وترقيقها، لترقى إلى منزلة الصديقين وأولياء الله المقربين، وليبلغ العبد أعلى مراتب الإيمان وهي: الإحسان بدرجته الأولى، أن يعبد الله كأنّه هو يرى الله.
وهو اليقين التام بهذا الموقف مع قلة الواصلين إليه.
فكان ﵀ يسوغ ذلك بإسلوب لطيف روحاني مجرب، أتى إليه عن طريق تجربة واقعية وممارسة عملية لهذا الأسلوب، وعظة، ودروسه العامة، وفي رسائله، وقبل ذلك في أحواله وحياته.
فجاءت أكثر مصنفاته الوعظية على هذا النهج، حتى مصنفات المسائل الاجتهادية في الفقه وغيره، والتي فيها تحقيق وسبر للأدلة والأقوال، لم تخلُ من هذا المنهج، فكان غالبًا ما يذيلها بتلك اللفتات الزكية، والعبارات الندية في الوعظ ومخاطبة القلوب.
وفي هذه المناسبات تراه ينقل أقوال وأحوال كبار الزهاد من صالحي القرون الثلاثة المفضلة وقصصهم ونوادرهم من أمثال: أيوب السختياني (١٣١) هـ، ومالك بن دينار (١٣٠) هـ، وإبراهيم بن أدهم (١٦٢) والحسن البصري (١١٠) هـ، والفضيل بن عياض (١٨٧) هـ، وابن المبارك (١٨١) هـ، والجنيد (٢٩٨) هـ، والإمام أحمد (٢٤١) هـ وأمثالهم.
لأنّ كلام هؤلاء وأحوالهم أبلغ -في الحقيقة- في التأثير لأنّه صدر عن تجربة وعن اختصاص، وقبل ذلك عن صدق مع الله وإخلاص وتجرد.
مقدمة جـ 1 / 24