Mecmu Risaleler
مجموع رسائل الحافظ العلائي
Araştırmacı
وائل محمد بكر زهران
Yayıncı
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
Yayın Yeri
القاهرة - جمهورية مصر العربية
Türler
القيامة وبالتبليغ.
فَإِنْ قِيلَ: فهلا قال: "ويكون الرسول لكم شهيدًا" لأن شهادته لهم لا عليهم؟
قِيلَ: لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن جيء فيه بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (١).
فَإِنْ قِيلَ: فلم أخرت صلة الشهادة أولًا وقدمت ثانيًا؟
قُلْنَا: لأن الغرض في الجملة الأولى إثبات المنة على هذه الأمة بجعلهم شهداء على الناس مع قطع النظر عن اختصاصهم بذلك فلم يقدم الجار والمجرور المشعر تقديمه بالحصر؛ بل قال: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (٢).
وأما في شهادة الرسول عليهم؛ فلأن المنة فيها عليهم باختصاصهم بكون الرسول ﷺ شهيدًا لهم مزكيًّا لأعمالهم؛ فقدمت صلة الشهادة لتفيد اختصاصهم بذلك دون بقية الناس، وهذه هي الثلاثة التي سبق الوعد بها من علم البيان؛ فإن القاعدة المستقرة فيه أن تقديم المفعول والجار والمجرور يقتضي قصر الحكم بأحد أنواعه: إما قصر الأفراد أو قصر القلب أو غيرهما، ومن أحسن أمثلته الموافقة لهذه الآية: قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ (٣) فإن الإيمان لما لم يكن منحصرًا في الإيمان باللَّه بل لا بد معه من الإيمان بملائكته وكتبه ورسله والبعث والحساب وغير ذلك أخر الجار والمجرور فقال: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على اللَّه وحده فقدم الجار والمجرور ليفيد إنحصار التوكل في كونه على اللَّه وحده؛ إذ لا يتوكل على غيره.
وَالقَوْلُ الثَّالِثُ: أن هذه الشهادة إنما هي في الدنيا بمعنى الحجة على من بعدهم كما كان الرسول ﵊ حجة على من بعده من الأمة، واستدل جماعة من هذه الآية على هذا القول على أن الإجماع حجة، وقيده بعض الأئمة بما حاصله
_________
(١) البروج: الآية ٩.
(٢) البقرة: الآية ١٤٣.
(٣) الملك: الآية ٢٦.
1 / 109