Mecmu
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Türler
واعلم أيدك الله وسددك وهداك وأرشدك أنه كما يلزم التثبت في الأمر، والتحرز من الإقدام على الفعل إلا ببينة وبرهان معلومين تستباح بهما الدماء والفروج والأموال؛ لأن الأصل هو الحظر فلا يخرج عن حكمه إلا بعلم، وقد بينا لك ما في بعضه كفاية من البراهين النيرة، فإنه يجب التحرز أيضا من الإحجام والشك والارتياب، فقد ورد في ذلك الوعيد الشديد، وأمر تعالى بالولاء والبراء حتما واجبا، وفرضا لازبا، ولا يكون البراء والولاء إلا بإظهار الأحكام على كل واحد من الفريقين بما حكم الله تعالى عند التمكن من ذلك لفظا، وإمضائه عليه عند القدرة فعلا، فقد أخبر تعالى أن من فريق المؤمنين من شك وتوقف عند إمضاء الحكم على الكافرين خيفة من دائرة أن تكون للكافرين فيها دولة فتنال من المؤمنين مضرة مجحفة، ووعد تعالى بالفرج والفتح فقال تعالى: ?ياأيها الذين آمنوا? فخاطبهم بلفظ الإيمان، وهو لفظ تعظيم وتشريف، ولم يقل تعالى إلا حقا: ?لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم?[المائدة:51، 52] المرض هاهنا هو الشك والارتياب، لا الكفر؛ لأنه خاطبهم بلفظ الإيمان في أول الآية، والكتاب الكريم محروس من التناقض، ومسارعتهم فيهم رفع المضار عنهم، والمدافعة دونهم، بدليل قوله تعالى: ?يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين?[المائدة:52] والذين أسروا في أنفسهم وهو مخافة دولة المشركين التي كفاه الله سبحانه بالفتح، والأمر من عنده الذي هو الشهادة أو هلاك الكافرين بعذاب من عنده، فإنه يكون نصرا ولا يكون فتحا؛ لأن الفتح لا يكون إلا لما [تولوه] لأنفسهم وأعانهم الله تعالى عليه، يقول تعالى: إنهم حرموا أنفسهم الغنيمة من الوجهين مما أفاء الله تعالى عليهم من أموال الكافرين وسباياهم، وما كان يدخر عليهم على إمضاء ذلك وإنفاذه من الثواب؛ فأصبحوا نادمين في الآخرة إن استشهدوا، أو في الدنيا إن وقع الفتح، وزال ما كان في قلوبهم من الخيفة والشك، وليس بين الموالاة والمباراة واسطة، وقد أمر الله تعالى بالغلظة على الكفرة، وقال تعالى: ?لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله...الآية?[المجادلة:22]، وقال تعالى: ?سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا?[الأحزاب:62]، ?ولن تجد لسنة الله تحويلا?[فاطر:43]، وسنته في الكافرين القتل، والسبي، والسلب، والخطر العظيم في الوجهين جميعا في تحريم الحلال، كما هو في تحليل الحرام، ولهذا قال من آبائنا عليهم السلام من قال: لم أر إلا الخروج أو الكفر بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرأى ترك الفعل كفرا، كما أن فعل العظيمة كفر. فنسأل الله الثبات في الأمر والتوفيق لما يحب ويرضى؛ فلينظر المتأمل لكلامنا فيما جوزناه وقدرناه، وكيف يصح لنا أن نستقيم على الدين، ولا نقتدي بالصادق الأمين محمد صلوات الله عليه وعلى أبنائه الطيبين وننفذ أحكام رب العالمين، على الكفرة والفاسقين، والله تعالى يقول لجدنا صلوات الله تعالى عليه وعلى آله وسلامه: ?ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك?[الأحزاب:50]؛ فجعل حكم ما أفاء الله عليه من حكم ملك يمينه كحكم الزوجات اللاتي أتاهن أجورهن، والمتشكك في السبي كالمتشكك في النكاح، والشاك في النكاح وجوازه مقتحم حرمة الوعيد؛ فالواجب عليه الاحتراز والهرب إلى الله تعالى، وإمضاء البصيرة بحلاله؛ فالدين صعب مرامه، شديد لزامه، معرض للخطر حلاله وحرامه، فمن حرم حلاله، كمن حلل حرامه، لا فرق في الخروج عن الدين بين من يقول: الماء حرام، وبين من يقول: الخمر حلال، فالله تعالى من على نبيه صلى الله عليه ما من به، وأفاء عليه من ملك يمينه، وجعل ذلك تعالى من معالم دينه، ولقد عظمت البلوى على الشيعة الطاهرة بتواتر دول الجبابرة، وتمادي أعصار الظلمة الفاجرة، فأعظم من ذلك عليهم بلية، وأدهى في الدين رزية، أن يكون خصما للخآئنين، كأنهم لم ينظروا في علوم أئمتهم الهادين، وإشاراتهم، بل تصريحاتهم بأسماء المعاندين؛ فإنك لا تكاد تجد في كتبهم أسماء أضدادهم عندهم عليهم السلام يخرج عن المشركين والكافرين، فما بعد الأسماء إلا الأحكام، ولقد احتالت حذاق فقهاء الشافعية حتى أثبتت أسماء قياسية وعلقت بها الأحكام الشرعية كابن علية وغيره.
فأما إنفاذ الأحكام بالعقل، فلغيرك الجهل، أنا أشرح لك شرحا مختصرا في أمر الشيعة من لدن أمير المؤمنين عليه السلام لتعلم أحوالهم أنها لم تكن متمكنة من كثير من الأقوال، فضلا عن الأفعال، ولقد كان (الأعمش) رحمه الله إذا أراد الكلام في أمر السلطان يقول لأصحابه: هل هنا أحد تنكرونه؟ فيقولون: لا. فيقول: من كان فأخرجوه إلى نار الله؛ ولقد كان يسأل عن المسألة فلا يفتي فيها حتى يستثبت نسب السائل ودينه، مخافة من سطوة الظلمة، وكانوا بين قسمين: قتيل شهيد، وخائف طريد.
Sayfa 121